-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
وجهات نظر

لماذا يتأخر الشباب في الزواج؟

الشروق أونلاين
  • 2042
  • 0
لماذا يتأخر الشباب في الزواج؟
ح.م

سألوني لماذا يتأخر الشباب في الزواج؟ فبكيت وقلت:

إن ضعف العقيدة سبب مهم في تأخر الشباب عن الزواج، ويظهر ذلك في عقيدة التوكل، والإيمان باسم الله الرزاق، فالشاب أصبح يريد ضمانة أكيدة بمواثيق مغلظة أنه سينال راتبا متسلسلا يكفيه هو وزوجته، ويقضي في تطلب هذا الميثاق سنوات كثيرة، فلا يطمئن إلا للمال الوفير أو الحساب المتضخم أو الراتب المنتظم، وأما المؤمن فإنه يجد ضمانة أكبر من ذلك بكثير، يجد قسما غليظا عظيما من إله السماوات والأرض يقول له فيه : ((وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون)) فيتأكد أن هذا القسم قد قاله رب يملك أسباب السماء وأسباب الأرض، ولذلك جمع السماء والأرض في هذا القسم، وكأنه يقول له : إذا ضاقت عليك أسباب الأرض فتحت لك أسباب السماء، وإذا ضاقت عليك أسباب السماء فتحت لك أسباب الأرض، ويوقن أن السماء والأرض تطيعه كما أطاعته من قبل في قصة نوح: ((ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر)) فيتأمل هذا كثيرا، ويؤمن به كثيرا، ويصبح مساويا عنده لعقد عمل، أو حساب في البنك ممتلئ لا ينضب…

كيف لا يؤمن وهو يرى هذا الخالق لم يترك فراشة ولا ذبابة ولا سمكة ولا دودة إلا وقد أوصل لها رزقها وأمدها بطعامها وشرابها حتى قرت عينها واطمأنت ونامت في كنف رعاية الله، فكيف لا يطعمه ويسقيه ومن أجله قد خلق السماء والأرض، فهو سيد الكون، وهو الخليفة الذي يدور عليه الفلم كله.

فحين تحدثه نفسه بالزواج، ويلتفت حوله يرى مكائد النساء تتربص به والشيطان يدور حوله، فيدرك أنه لا حصن له إلا بزوجة صالحة، يلتجئ مباشرة إلى هذا القائل الذي قال ((وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم)) ويتوجه إليه ويستمع إلى كلامه وهو يقول له ((وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم)) فهو واسع يملك الكون كله، وعليم بكيفية إيصال ذلك إليك حين يأمر به، فيقول في نفسه: أو لست فقيرا يشملني الوعد في هذه الآية؟ بلى، أوليس قائل هذه الآية هو مالك السماوات والأرض؟ بلى، أوليس وعده أصدق وعد؟ بلى، أوليس سيوفي معي بما وعد؟ بلى، أوليست هذه الآية محكمة صحيحة ثابتة واضحة جلية صريحة مؤكدة ؟ بلى… فما ذا أنتظر؟

في الحقيقة كانت لي تجربة مع هذه الآية، قرأتها مرة وأنا طالب في الجامعة أحصل على مبلغ شهري 2000درهم، لا يكفيني وحدي، وحين مررت بهذه الآية، قلت هل هي آية صحيحة؟ طبعا، فالقرآن لاشك فيه، ثم قلت هل المعنى هو مافهمت: عير سير تزوج والله عز وجل سيغنيك؟ فتحت التفسير ، ولا زلت أذكر قول أبي بكر رضي الله عنه الذي حفظته منذ ذلك الحين: “نفذوا ما أمركم الله به من الزواج ينجز لكم ما وعدكم من الغنى”، فقلت: إذن المعنى صحيح على ما فهمت، ثكلتني أمي إن لم أتزوج، بقي أن أنفذ الأمر كي ينجز لي ما وعد، ثم قلت ولم لا أنتظر حتى ينجز لي ثم أنفذ؟! فقلت أي عيب هذا، أن تطلب من الكريم أن يعطيك عربونا على صدق وعده، إن هذا لظن سيء لا يليق، ولو أنني طالبت رجلا من الأغنياء طلب مني أن أصنع له عملا، فقلت له: كلا، حتى تعطيني وأفعل لك، لكنت كمن يتهمه في صدق وعده، وكأنني أشكك في أمانته، أعوذ بالله.

ثم لم ألبث حتى عثرت على هذا الحديث، ووجدت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعدني بنفس ما وعدني به ربي حيث يقول : ثلاث حق على الله عونهم، وذكر منهم : أنا، ناكح يريد العفاف، فقلت والله لا أتأخر فقد حصلت على وعدين هما أهم عندي من كل راتب ومن كل وظيفة، فلا شيء ثابت في هذا الوجود إلا الله، وما سواه كله معرض للزوال والفناء، فكم من وظيفة طرد صاحبها، وكم من شركة أفلس مالكها، وكم من رصيد شتته الأيام.

نعم، قررت بعد ذلك أن أتزوج، وكنت أحضر عند الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فقلت له بعد انتهاء الدرس وتبعته إلى باب الحرم المكي: يا شيخ ، عندي حاجة وأريد منك طلبا، قال لي بابتسامته المعهودة، ما حاجتك، قلت أريد الزواج، وأريدك أن تدعو لي بزوجة صالحة، فدعا لي ثم قال: لي شرط، قلت ما هو، قال تحضر لي حقي من الوليمة، فقلت: بل تأتينا إلى المغرب وتولم معنا، فضحك وقال بارك الله لك، وانصرفت من عنده ولم يلبث أن توفي بعد ذلك رحمه الله، ولا زلت أرى أثر دعوته منذ ذلك اليوم.

كان زواجي شيئا عجيبا، وحصل لي من الكرامات شيء غريب، وكان الثلث الأخير من الليل هو مهربي حين أستحضر صعوبة ما أقدمت عليه، حتى اكتشفت شيئا فشيئا أن كل صعب فهو على الله يسير، وأن رأس مالنا هو الدعاء، به نستنزل من خزينة الرحمة ما نحتاج إليه، وكل سجدة تسجدها ودعاء ترفعه هو شيك توقعه وتدفعه إلى خزينة الرحمة فيصرف لك على قدر الحاجة ما لا يطغيك…

حين غاب هذا المفهوم أصبح الشاب محتاجا إلى: أعطني ثم أتزوج، ولم يعد يقدر على: تزوج ثم يعطيك الله، فهو لا يريد المغامرة، نعم يعتبر وعد الله مغامرة قد تصدق وقد لا تصدق، قد تتحقق وقد لا تتحقق، وهو بذلك يفتح ثغرة في إيمانه يدخل منها الشيطان ويفسد عليه كل أمور حياته، فلا يسعد أبدا، وكيف يسعد وهو لم يوقن بأن الله رزاق؟

وحين غابت هذه العقيدة أصبح الشاب يبحث عن الموظفة، كي تساعده في توفير لقمة ضمنها له الله عز وجل قبل خلقه بآلاف السنين، وفي سبيل تلك اللقمة، أصبح يتغاضى عن غيرته ويسمح لها بأن تتحدث مع مديرها في أي ساعة وتستجيب له ضاحكة عندما يحكي لها نكتة، وتصبر عليه حين يرفع صوته أو يعفنها، وتأتي تحكي لزوجها ما حصل، فيقول لها اصبري، وربما حصل معها أكثر من ذلك ، فيقول لها زوجها اصبري، اصبري، فتصبر لكن صبرها الأكبر هو على هذا الزوج الذي فقد غيرته وانحلت رجولته وأصبح يعبد أرقاما طبعت على أوراق نقدية.

إن غياب مفهوم التوكل له أثر سلبي على الحياة بجميع نواحيها، وأعرف أشخاصا هددوا زوجاتهم بالطلاق إن لم تسقط جنينها، فهو لا قبل له بثلاثة أطفال، ((ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق)).

أما المتوكل، فهو يحس بأنه ضيف على هذا الملك العظيم الكريم، ويرى بأنه حين يعطيه المرأة فلا يمكن أن يعطيها له دون أن يعطيه ما يكون به معها، فكيف يعقل بالكريم أن يعطيك المرأة ولا يعطيك قوامها، أفيعقل أن تدخل بيت كريم ويضع لك دجاجة على الغداء، ثم يقول لك: لن أعطيك الخبز، أحضر الخبز من بيتك؟ لئن وضع لك الدجاجة لا بد أن يضع لك معها الخبز والسلطة وربما الفاكهة، فأنت ضيفه وهو كريم.

فيا حبيبي: لا تعتمد على أسبابك وتوجه لأسباب السماء واستمع إلى هذه الآية بعمق ((إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله)) وتأمل خاتمتها ((والله واسع عليم)) ونوض تزوج باراكا من التخمام، وقيل عليك المخدة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!