-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لن ينالَ اللهَ لحومُها

سلطان بركاني
  • 513
  • 0
لن ينالَ اللهَ لحومُها
ح.م

في يوم غد بحول الله، وبعد انقضاء صلاة العيد، وتمام خطبته، وقبل أن ينصرف عباد الله المسلمون لذبح أضاحيهم، ينبغي ألا ينسى رواد المساجد الذين جمعتهم بيوت هي أحبّ البيوت عند الله؛ ينبغي ألا ينسوا أنّ من أعظم وآكد شعائر العيد، أن يتصافحوا ويتهانوا ويتسامحوا وتتعانق قلوبهم كما تتشابك أيديهم، وتبتسم قلوب بعضهم لبعض كما تبتسم وجوههم، فالله –جلّ وعلا- قضى ألا ينظر في عمل عبد من عباده بينه وبين أخيه شحناء، وأيّ حرمان أعظم من أن يحرم العبد المؤمن أجر عبادة من أعظم العبادات، قرنها الله بالصّلاة، عبادة نحر الأضحية تقربا إلى الله، قال سبحانه: ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر)).

هكذا ينبغي أن يحرص عباد الله المؤمنون في صبيحة يوم العيد على أن يتصافحوا ويتسامحوا، قبل أن يعجلوا بذبح أضاحيهم، فالذّبح يمتدّ وقته إلى غروب الشّمس، لكنّ التهنئة والتسامح بين عباد الله، ربّما يضعف داعيهما في النّفس مع انقضاء ساعات العيد الأولى، تلك السّاعات التي يجد فيها كلّ عبد مسلم رقّة في قلبه وسعة في روحه، وهي أنسب اللّحظات لكسر الحواجز الزّائفة التي بناها الشّيطان بين عباد الله المؤمنين، بأسباب هي في الغالب تافهة تتعلّق بالدّنيا وحظوظها الفانية، كما أنّ فرحة العبد المؤمن بأضحيته لن تكتمل وهو يتذكّر في نفسه أنّ بينه وبين أخيه أو قريبه أو جاره عداوة وشحناء، وأجره لا يسجّل في صحيفته ما دام لم يصلح ما بينه وبين أخيه.

بعد التّصافح والتّسامح، يتفرّغ المسلمون لذبح أضاحيهم، وينبغي لهم وهم يحيون هذه الشّعيرة ألا ينسوا معاني التضحية، وأن يتذكّروا أنّ ذبح الأضحية في يوم الأضحى هو نسك وعبادة من أجلّ العبادات وأحبّها إلى الله، بل هي أفضل عبادة في أفضل الأيام عند الله، ولأنّ الأضحية قربان يهديه كلّ عبد إلى مولاه، ينبغي له أن يكون حريصا على إخلاص النية لله تعالى في هيئتها وفي المال الذي بذله لشرائها، فالنية الأُولى والأهمّ ينبغي أن تكون التقرّب إلى الله بثمنها وبإراقة دمها، ((لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)).. ثمّ لا بأس بعد ذلك أن ينوي إدخال الفرحة والسّرور على قلوب أبنائه والتّوسعة عليهم في الأكل من لحمها، كما نبغي للعبد المؤمنأن يجتهد في الإحسان إلى أضحيته قبل الذّبح وأثناءه وبعده، عملا بوصية الحبيب المصطفى –صلّى الله عليه وآله وسلّم- حينما قال: “إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة، وليحدّ أحدكم شفرته وليُرِح ذبيحته”؛ فلا يجزّ صوف أضحيته قبل ذبحها بمدّة قصيرة، ولا يحدّ سكّينه وهي تلحَظه، أو يذبح أضحية أخرى بحضرتها، فتموت في جلدها قبل أن تذبح، ولا يربط أرجلها أثناء ذبحها، ولا يُوكل نحرها إلى من لا يحسن الذّبح ولا يراعي آدابه.

وينبغي له أن يضجعها على جنبها الأيسر برفق مستقبلا بها القبلة، واضعا قدمه أو ركبته على صفحة عنقها بعيدا عن موضع النّحر، داعيا بما هو مأثور: “بسم الله، والله أكبر، اللهمّ إنّ هذا منك ولك، اللهمّ تقبّل منّي”، ملتمسا راحتها ما أمكن، بأن يستعمل سكينا حادّة كبيرة تقطع الحلقوم والودجين بسرعة في فور واحد ليسهل خروج روحها، كما لا ينسى أن يحرص على أن تكون اللّوزة إلى جهة الرّأس.

بعد الذّبح ينبغي له أن يطلق أرجلها تضطرب بكلّ حرية، لتُخرج الدّم من كامل جسدها، فإذا سكنت تماما وتوقّف خروج الدّم، شرع له أن يغسل مذبحها، ويبدأ بسلخها من أيّ جهة تيسّرت له، وإن قصد البدء بالجهة اليمنى كان أفضل، كما يجوز له أن يقطع رأسها مع بداية السّلخ والأفضل أن يتركه إلى آخره، فإذا أتمّ سلخها شرع له أن يخرج أحشاءها، لينقيها ويأكل ما تشتهيه نفسه منها، وإن أكل من كبدها اقتداءً بالنبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كان أفضل، كما يجوز له أن يأكل من لحم أضحيته في أيّ وقت، خلافا لظنّ بعض النّاس أنّه لا يشرع الأكل من لحمها إلا بعد مرور ساعات أو ليلة كاملة على ذبحها، وله أن يتخيّر ما اشتهى من أجزائها خلافا لما جرت عليه عادة بعض الجزائريين من تقسيم أعضائها على أيام معيّنة، ويستحبّ له أن يتصدّق ويهدي من لحمها، ولا يجوز له أن يبيع شيئا منه أو يعطي منه أجرة لمن تولّى ذبح أضحيته وسلخها، ويشرع له أن يستفيد من جلدها وصوفها أو يتصدّق بهما لأيّ جهة أراد، ولا يجوز له بيعهما أو إعطاؤهما أجرة للجزّار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!