-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لهذه الأسباب يُقتل الأئمّة (2/2)

سلطان بركاني
  • 1870
  • 0
لهذه الأسباب يُقتل الأئمّة (2/2)

أشرنا في الجزء الأوّل من هذا المقال إلى سببين رئيسين للعدوان على أئمّة المساجد؛ أوّلهما يتعلّق بتحوّل بيوت الله إلى منطلق للعمل الخيريّ والاجتماعيّ، وهو ما جرّ على الأئمّة نقمة فئات من النّاس لا يعجبهم من الخير إلا ما حلّ في أيديهم، فإن أعطوا منه رضوا، وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون.. أمّا السّبب الثاني فله صلة بنشاط الأئمّة في محاربة ظاهرة المتاجرة بالسّموم المهلكة ودعوة المجتمع إلى التجنّد لمحاصرتها، وهو ما جعلهم محلا لنقمة المنتفعين من وباء المسكرات!

 السّبب الثالث من أسباب العدوان على بيوت الله وعلى أئمّة المساجد، هو التعصّب الطائفيّ الذي يحمل أتباع بعض الطّوائف، خاصّة منها الطائفة “المدخلية”، على بسط ألسنتهم وأقلامهم بالطعن في أئمّة المساجد الذين لا ينتسبون إلى الطوائف.. وكم من إمام مسجد تعرّض للمضايقات من طرف المتعصّبين، واضطرّ إلى ترك مساجده، لا لشيء إلا لأنّه يحذّر الشّباب من الوقوع في حبائل الطوائف ويحذّرهم من الانجرار إلى التعصّب ومن الجنوح إلى الخلاف والفرقة..

وأتباع هذه الطّوائف لا يعجبهم أن يتصدّى الإمام لشذوذاتهم ويتصدّى لتشكيكهم في عقد الأمّة الذي اجتمعت عليه؛ لا يعجبهم أن يدافع الإمام عن وقت صلاة الفجر ويقول للنّاس إنّ أذان الفجر الثاني يُرفع في وقته.. تخفق قلوبهم غيظا حينما يجدون الإمام يقنت في صلاة الصّبح.. يغيظهم أن يقول الإمام للنّاس إنّ إخراج زكاة الفطر نقدا جائز.. لا يعجبهم أن يروا الإمام يرفع يديه بالدّعاء للميت في المقبرة والنّاس من حوله يؤمّنون.. تزدري أعينهم الإمام حينما يرون ثوبه يجاوز كعبيه ويسمعونه وهو يقول للنّاس إنّ إسبال الثوب إذا لم يكن للخيلاء فهو جائز ولا حرج فيه.. لا يعجبهم أن يسمعوا الإمام يثني على علماء الأمّة المبرّزين الذين لا ينتمون إلى أيّ طائفة كالقرضاوي والغزالي والحوالي والعودة والددو والطريفي وأبي عبد السلام الجزائري وآيت علجت وموسى إسماعيل…

لا يعجبهم كلّ هذا، ولا يروق لهم أن يروا عباد الله المسلمين الذين لم يتلوّثوا بالانتساب إلى الطّوائف يحبّون إماما متحرّرا من الطائفية، لذلك تجدهم يسعون جاهدين في تشويه سمعته وفي الكذب عليه ونسبته إلى طوائف أخرى يناصبونها العداء؛ فالإمام الذي لا ينتسب إلى طائفتهم إخوانيّ أو صوفيّ قبوريّ أو إمام CCP.. وهكذا.. وقد يحصل أن يستعين هؤلاء المتعصّبون ببعض السّفهاء؛ يحرّضونهم على الأئمّة ويغرونهم بأذيتهم، ويبقى المتعصّبون خلف السّتار يفركون أيديهم بما يحصل للإمام على أيدي بعض السّفهاء والمجانين!

أتباع الطّوائف هؤلاء لا ينطلقون من قناعات خاصّة، وإنّما يندفعون بفتاوى يدبجها لهم شيوخهم؛ يحرّضونهم من خلالها على أئمّة المساجد ويوصونهم بالغلظة والشدّة على الأئمّة المبتدعين وبمخالفتهم وإحراجهم.. لذلك فليس غريبا أن تدخل مسجدا من المساجد، في وقت يعقد فيه الإمام درسا يعلّم فيه النّاس أمور دينهم، فيلفت نظرك أنّ أتباع الطّوائف يحملون المصاحف في مواجهة الإمام، أو يجلسون جماعات في آخر المسجد يشوشون على الدّرس ويمدّون أرجلهم ويضحكون…

ولعلّ من أكثر الفتاوى نكارة وأكثرها تحريضا؛ فتوى أصدرها أحد دعاة الطائفية في بلدنا الجزائر، إجابة عن سؤال حول كيفية التعامل مع الأئمّة المبتدعين؟ حيث قال المفتي: “أمّا في حالة الضعف وظهور أهل البدعة فالواجب أن يداريهم ويصبرَ عليهم، ولا يبدي لهم مواقف قد تشجِّعهم على الاستبداد وقهر أهل السُّنَّة وإبعادهم من المسجد وتطويق نشاطهم، مع القيام بالواجب تجاه أهل البدع ببيان حالهم والتحذير منهم وإظهار السُّنَّة وتعريف المسلمين بها.. أمّا إذا كان أهل السُّنَّة لهم الشوكة والقوَّة فينبغي قمع البدع بما يوجبه الشرعُ من ضوابطَ بالغِلظة والشِّدَّة والهجر -إن اقتضى المقام ذلك- حتى يعودوا إلى السَّدَاد”.

قد يُلتمس للشباب المتحمّس العذر في وقوعه ضحية لمثل هذا التحريض الذي يُعرض على أنّه منهج “أهل السنّة”، لكن كيف يمكن أن يعذر هؤلاء الذين يؤصّلون للتحريض ويؤجّجون نيران البغضاء ويملأون قلوب شبابنا بالحقد والضغينة ويجنّدونهم في معارك خاطئة ضدّ الأئمّة والخطباء الذين لا ينتمون إلى الطّائفة؟ هؤلاء الشّباب يُفترض أن يتجنّدوا لمحاربة الإلحاد والخمور والمخدّرات وليس لمحاربة الأئمّة، ويفترض أن تملأ قلوبهم بالحقد على الصهاينة الذين يحتلون الأقصى وليس ضدّ الأئمّة الذين نذروا أعمارهم لخدمة بيوت الله.. هؤلاء الشّباب لو أتيحت لهم الفرصة، فإنّهم ربّما يجترحون ما اقترفه السائرون على منهجهم وطريقتهم في ليبيا المجاورة؛ حينما حملوا الأسلحة والخناجر وأعملوها في صدور ورقاب الأئمّة والدّعاة إلى الله.

الإمام بشر يصيب ويخطئ، لكنّ مقامه يفترض أن يحفظ مهما بدر منه بحكم بشريته، ويتوجّه إليه العقلاء والأساتذة الفضلاء بالنّصيحة بعيدا عن الإثارة والتحريض.. الإمام إذا أكرِم فإنّما يكرم لرسالته التي يحمل، وإذا أسيء إليه فالغالب أنّ الإساءة متوجّهة إلى مكانته لا إلى شخصه، خاصّة في هذه السّنوات الخدّاعات التي سطت فيها العلمانية على جلّ مواقع التأثير وسعت حثيثا لتشويه مقام الإمامة وقطع صلة الأمّة بأئمتها وعلمائها.

الإمام خليق به أن يصبر ويحتسب كلّ أذى يلقاه على طريق الدّعوة والإصلاح، لكنّ الأمّة ينبغي ألا تستهين أبدا بأذية الأئمّة وامتهان المساجد.. قتل أئمّة المساجد ذبحا وحرقا وطعنا، مصيبة كفيلة بحلول النقم، كيف إذا استهانت الأمّة بهذه الجريمة، وتعاملت معها وسائل الإعلام كخبر عابر يأخذ حيزا ضيقا في قائمة الأخبار التي تتوسّع في كثير من الأحيان لتشمل الحياة الخاصّة للاعبين والفنانين! كأنّ أرواح الأئمّة رخيصة وعروقهم تجري ماءً بدل الدّم.. مع أنّ الإمام لا يمثّل نفسه، إنّما يمثّل مشروع إعادة الأمّة إلى دينها.

العقوبة الشّرعية لمن يقتل إماما من الأئمّة، هي ذات العقوبة المسلطة على من يقتل أيّ مسلم آخر، لكنّ الإثم الذي يلحق قاتل الإمام لمكانته والعقوبة التي تنتظره في الآخرة، أشدّ وأنكى من عقوبة غيره، يقول الله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم))، لذلك ينبغي للأمّة أن تستعظم جرائم قتل الأئمّة الآمرين بالقسط، وينبغي أن يشاع إنكارها ويطالب بوضع حدّ لهذه الظّاهرة المروّعة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!