ليـست عُزلة.. بل سيادة في القرار

أثار قرار الجزائر بتعليق اتفاقية الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع اسبانيا بحر الأسبوع الماضي، الكثير من اللغط وأسال الكثير من الحبر على مستوى الصحافة العالمية التي تساءلت عن جدوى القرار ومدى تأثيره على العلاقات الجزائرية الإسبانية خصيصا بعد تغيير حكومة بيدرو سانشيز موقفها من قضية الصحراء الغربية التي تعتبرها الجزائر قضية تصفية استعمار، شأنها شأن القضية الفلسطينية العادلة التي أبدت الجزائر منذ استقلالها موقفا صريحا وواضحا منها ودفعت الكثير من الأثمان الباهظة مقابل الوفاء لمبادئها تجاه قضايا التحرر في العالم، وكذلك ضمان عدم الانحياز وعدم التدخّل في الشأن الداخلي للدول، مع ضمان الدفاع عن المصالح العليا للقانون الدولي والسلم والأمن في العالم.
وتوالت القرارات التاريخية القوية السيادية للجزائر منذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون سدّة الحكم في 12 -12-2019، عقب حراك شعبي عارم غيّر مسار الأحداث في الجزائر، وأعلن الأخير في جلّ لقاءاته وتصريحاته وخرجاته أمام الصحافة الجزائرية وفي حواراته مع الصحف العالمية مواقف الجزائر الواضحة من التطبيع عكس بعض الدول التي هرولت إليه وقال بصريح العبارة “لن نبارك التطبيع ولن نهرول إليه”، وتلته الكثير من المواقف من بينها قطع العلاقات مع الجارة الغربية جرّاء التدخلات ودعم حركات إرهابية واللعب على وتر خلق الفوضى في دول الجوار، إضافة إلى الانتهاكات المتكررة في حق الصحراويين العُزّل، ولم يتوقف الأمر عند هذا بل أفضى إلى وقف عقد أنبوب الغاز الذي يمر عبر المغرب نحو إسبانيا وتقرر تغيير مساره مما أدّى إلى خسائر كبيرة تكبدها المغرب.
ويعزف زبانية الملك المغربي على وتر أن الجزائر عقب هذا القرار الذي كان محل دراسة وتدقيق وتحليل من الجهات العليا في الجزائر حول إسبانيا بأنه “بداية للعزلة الدولية”، وأن “الجزائر تواجه هذا المصير”، ولكن في الحقيقة أن من يواجه العزلة الحقيقية هو من رهن مصيره ومصير الأجيال القادمة بيد كيان زائل مصيره الزوال والانهيار والفناء، ولا عزلة لمن قراره بيده ولا يأتي من أي عاصمة أوروبية ولا عربية بل يخرج من صلب مؤسسات الدولة الجزائرية التي تدرك وتفهم معنى هذا القرار ولا يكون عشوائيا مثلما تسير بعض الدول بعشوائية وكل قراراتها ومقدّرتها تمر على الجميع إلا على مسؤوليها مسلوبي الإرادة والعزيمة.
قرار الدولة الجزائرية ليس ورقة ضغط على مدريد بقدر ما هو موقفٌ سيادي تجاه دولة خانت عهدها تجاه قضية مفصول فيها دوليا وهي قضية الصحراء الغربية، فمن يسوِّق أن خيارات الجزائر أصبحت ضيقة بعد تعليق المعاهدة مع إسبانيا عليه أن يفهم أن الجزائر محجٌّ لأكبر الدول في العالم ومحط أنظار أعتى اقتصاديات العالم، ومن ثمة، فإن المتضرر الوحيد من هذا القرار الصاعق هو مدريد نظرا لما ستخسره؛ فالجزائر قرارها بيدها وسيادتها بيد مؤسساتها لا ترهنها لأحد ولا تساوم عليها ولا تبيعها في سوق النخاسة من أجل أي شيء مهما كان ثمينا وباهظا، والجزائر جاهزة للدفاع عن مواقفها تجاه قضايا التحرر في العالم ووفيّة لمبادئها الكبرى التاريخية ولن تنفع أقاويل النخاسين ولا دسائس السحرة والمنجمين ولا سموم الإعلام الموجّه.