-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مؤامرة بين الجيش السوري وتركيا

حسين لقرع
  • 5016
  • 0
مؤامرة بين الجيش السوري وتركيا

هناك سؤال محيّر لا يزال آلاف المحللين والمتتبعين وحتى بسطاء الناس في العالم يطرحونه إلى حدّ الساعة، وهو: لماذا رفض الجيش السوري القتال طيلة 12 يوما من زحف الفصائل المسلَّحة على كبرى المدن السّورية وتركها تسقط الواحدة تلو الأخرى، إلى أن وصلت إلى دمشق ودخلتها أيضا بلا قتال؟
لو تعلّق الأمر بجيش ذي تسليح محدود تابع لدولة صغيرة أو مجهرية في المحيط الهادي، لكان مفهوما، لكنّه يتعلّق بجيش بلد عربي مرموق خاض حربين كبيرتين ضدّ جيش الاحتلال الصهيوني في 1967 و1973، فضلا عن اكتسابه خبرة قتالية كبيرة دامت نحو 9 سنوات (2011- 2020) في مواجهة الفصائل المسلّحة، والمفترض أنّ ذلك يمكّنه، بعد فترة استراحة وتعاف دامت أربع سنوات ونصف السنة، من التصدّي بسهولة للهجوم الأخير الذي بدأ يوم 27 نوفمبر الفارط حتى وإن غاب حلفاؤه عنه، لكنّ الجيش السوري، على العكس من ذلك تماما، لم يبد هذه المرة أيّ رغبة في القتال، وترك حلب وحماه وحمص تتهاوى في وقت قياسي، بل حتى مدن الجنوب درعا والسويداء والقنيطرة تركها تسقط بأيدي مسلحين لا يحملون سوى “الكلاشينكوف” بموجب اتفاقات سابقة وقّعت بينهم وبين نظام الأسد بإشراف روسي، ولكم أن تتصوّروا كيف لجيش محترف يملك طائرات ودبّابات ومدفعية وأسلحة ثقيلة أخرى، ينسحب بلا قتال أمام مسلّحين يحملون بنادق “كلاشينكوف” وفي ظرف يوم واحد، ألا يتعلّق الأمر بمؤامرة؟
وتكتمل حلقات هذه المؤامرة بكشف أحد الجنود بدمشق أنّ قادتهم طلبوا منهم خلع ملابسهم العسكرية وترك أسلحتهم والدخول إلى بيوتهم، في حين كان مقاتلو الفصائل على أبواب دمشق، ما يعني أنّ هناك قرارا عسكريا أتّخذ على أعلى مستوى بالتخلّي عن نظام بشار وتركه يسقط.
وحينما نستحضر مرّة أخرى رسالة الرئيس التركي طيب أردوغان، للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والتي يقول فيها إن هناك “مرحلة جديدة تجري إدارتها بهدوء في سوريا”، نتأكّد تماما أنّ ما جرى هو مؤامرة كانت تركيا إحدى أبرز حلقاتها، وقد اتّفقت مع العديد من كبار ضبّاط الجيش السوري على التخلي عن نظام الأسد وتركه يسقط مقابل الاستفادة من عفو الفصائل المسلّحة عنهم فور دخولها إلى دمشق، أو تخفيف العقوبات عنهم لاحقا.
في جميع الأحوال، سقط نظام الأسد الآن، ودخلت سوريا عصرا جديدا ينقلها من حكم “البعث” الذي دام 61 سنة كاملة إلى عهد آخر، ظاهره سيطرة جماعات “السلفية الجهادية” على الحكم، وباطنه وقوف تركيا وأمريكا ودول أخرى خلفها، فهل يمكن أن تعتدل “السلفية الجهادية” إلى درجة أن تقبل بالديمقراطية والتعدّدية والحريات الجماعية والفردية التي طالما اعتبرتها “كفرا”؟ وهل يمكن أن يقبل المجتمع الدولي بسيطرتها على الحكم في سوريا والحال أنّه رفض قبلها حكم طالبان في أفغانستان ولا زال يضرب عليها عزلة تامّة وحصارا خانقا منذ سيطرتها على كابول في 15 أوت 2021 إلى اليوم، بذريعة أنّها تمثّل “السلفية الجهادية” المعادية للديمقراطية والحريات؟
بوادر الأجوبة عن هذه الأسئلة الملحّة بدأت تلوح في الأفق؛ إذ انتقلت الولايات المتحدة من النقيض إلى النقيض في التعامل مع “هيئة تحرير الشام”؛ فبعد أن كانت تصنّف الهيئة في قائمة الجماعات الإرهابية، ورصدت جائزة ضخمة بقيمة 10 مليون دولار لمن يدلّها على مكان اختباء زعيمها الجولاني، نكصت الآن على عقبيها وقالت إنها “قد” ترفع قريبا “هيئة تحرير الشام” من قائمة التنظيمات الإرهابية “من أجل التعامل معها بشكل أعمق!”، وفق ما أكّدته “واشنطن بوست”، وشنّت طائراتها 70 غارة على مواقع “داعش” بسوريا في يوم واحد لإضعافها حتى لا تهدّد الحكم الجديد، كما فتحت قناة “سي. آن. آن بالعربية” أبوابها لاستقبال الجولاني وحاورته إحدى المذيعات وهي ترتدي حجابا!
ومع ذلك، لا نعتقد أنّ الولايات المتحدة والغرب برمّته سيعترف بحكم الجولاني إلا إذا أبدى قدرا أكبر من “الانفتاح” على قيم الغرب وتبنّى “سلفية عصرية” تقبل بالديمقراطية والتعدّدية والحرّيات، وتعترف بـ”إسرائيل” وتضمّ سوريا إلى قائمة المهرولين.. وإن لم يفعل الجولاني ذلك خلال الفترة الانتقالية الجارية، ألّبت عليه أمريكا الفصائل التي تتحالف معه اليوم لتنقلب عليه وتدخل سوريا في أتون فوضى وفتن جديدة تزيدها ضعفا وتفكّكا كما يحدث في ليبيا منذ 2011 إلى اليوم، ونأمل أن نكون مخطئين وأن تنعم سوريا بالأمن والاستقرار أخيرا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!