مؤرخون فرنسيون ينتقدون تلغيم شهادات تاريخية لتبييض الاستعمار

انتقد المؤرخ الفرنسي المختص في تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر، جيل مونسيرون، الكيفية التي تتعاطى بها إذاعة فرنسا الدولية “فرانس إنتر”، مع بعض المسائل الحساسة في “حرب الجزائر”، كما تسميها فرنسا، وخصّ بالذكر محاولة التغطية على جرائم التعذيب التي تورط فيها الزعيم التاريخي لليمين المتطرف، جون ماري لوبان في الجزائر، وكذا ما تعلق باغتيال المناضل موريس أودان على يد مظليي جيش الاحتلال الفرنسي.
ويرى جيل مانسيرون، أن “البودكاست” الذي خصّصته إذاعة “فرانس إنتر” يوم 27 فيفري 2023 لمسار لوبان كضابط مخابرات في الجزائر في الثلاثي الأول من سنة 1957، يحمل أخطاء، استنادا إلى ما كتب المؤرخ فابريس ريسيبوتي في كتابه “لوبان والتعذيب.. الجزائر 1957.. تاريخ ضد النسيان”، الذي سيصدر في جانفي 2024.
وكتب المؤرخ، في مساهمة أوردتها الصحيفة الاستقصائية الفرنسية الشهيرة “ميديا بار” منتقدا الدور الذي تقوم به بعض وسائل الإعلام الفرنسية: “تشهد مجموعة من الوثائق والشهادات التي تم جمعها على وجوده في ذلك الوقت في الجزائر، وممارسته للتعذيب بطريقة عنيفة وغير منضبطة بشكل خاص، إلى حد إثارة قلق السلطات المدنية والعسكرية (الفرنسية) في الجزائر، التي كانت مع ذلك غارقة في القمع والانتهاكات. ربما كان الهدف هو تسريع عودته إلى فرنسا. يتجاهل البودكاست هذه الحقائق ويبدو أنه يرفضها باعتبارها غير محتملة. وهذا سؤال مهم لأن اليمين الفرنسي المتطرف، الداعم للاستعمار ودور المتطرفين في “الجزائر الفرنسية”، مثل قادة إرهابيي المنظمة المسلحة الخاصة (OAS)، يرتكز على رواية مبتورة ومزوّرة للتاريخ. ويشكّل تفكيك خطابها قضية رئيسية في فرنسا اليوم. يجب على “فرانس إنتر”، بعد التحقيق، تقديم تصحيح”.
ويضيف: “بودكاست آخر بثته قناة “فرانس إنتر” يوم 18 سبتمبر 2023 بعنوان: “قضية موريس أودان والتعذيب في الجزائر: ضمن برنامج فابريس درويل (قضايا حساسة)”. إنه ينقل الوقائع بدقة ويلخص بشكل جيّد الظروف التي ألقي فيها القبض على عالم الرياضيات الشاب من أصل أوروبي، عضو الحزب الشيوعي الجزائري، من قبل المظليين الفرنسيين في 11 جوان 1957 في منزله بالجزائر ولم يخرج حياً من معتقله. ويوضّح أنه بعد وفاته، ربما في 21 جوان، اخترع الجيش (الفرنسي) حكاية “هروبه” التي لم تصدقها زوجته الشابة جوزيت أبدًا، ويذكر المعلومات غير الرسمية التي تم نشرها لاحقًا عندما تحطمت كذبة الهروب الزائف هذه، حيث توفي، دون نية أو أمر بقتله، أثناء جلسة تعذيب. على عكس بيير فيدال ناكي الذي اعتمدها ضمن لجنة أودان، التي ساعد في إنشائها من عام 1957 إلى عام 1963″.
ويشير هنا المؤرخ جيل مونسيرون إلى ما صدر عن سيلفي ثينو، مديرة الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي، التي دعت إلى التأمل حول اعتراف إيمانويل ماكرون، خلال زيارته لجوزيت أودان في 13 سبتمبر 2018، باغتيال زوجها على يد الجنود الذين اعتقلوه. وتؤكد هنا بأن “رئيس الجمهورية لم يكن ليجازف أبدًا بالاعتراف بمسؤولية الدولة إذا تمكّن شخص ما من زرع قنبلة”، لأن موريس أودان لم يزرع قنبلة أو يشارك في عمل عسكري كجزء من حرب الاستقلال هذه.
وانتقد المؤرخ الطرح القائل بأن موريس أودان “مات أثناء جلسة تعذيب، دون نية أو أمر بقتله”، وهي النسخة الوحيدة التي تم تناولها في هذا البودكاست، وفق جيل مونسيرون، الذي تساءل حول ما إذا كانت هذه الرواية، في اللحظة التي فقدت فيها حكاية “هروبه” كل مصداقيتها، قد اخترعها أولئك الذين أمسكوا حينها بالسلطة في الجزائر لتجنّب الاعتراف بأنهم بادروا إلى عملية اغتيال “على سبيل المثال”.
ويختم المؤرخ في مساهمته قائلا: “وراء هذا السؤال التاريخي الذي لم يتم حله، يكمن السؤال الأكثر جوهرية حول ما إذا كان بإمكاننا، بل ويجب علينا، تحقيق الحقيقة والعدالة لأولئك الذين حملوا السلاح في حرب الاستقلال هذه، أو الذين دعموا أولئك الذين حملوه، بل وأشادوا بهؤلاء النساء والرجال الذين اعتنقوا القضية المشروعة لاستقلال الجزائر”.