-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا بعد مشاورات الرئيس؟

ماذا بعد مشاورات الرئيس؟
ح.م

في غضون أيام قليلة، تمكَّن الرئيس عبد المجيد تبّون من صنع حيوية في المشهد السياسي، رسمت ملامح للأمل في إمكانية تعبيد الطريق نحو التغيير، فقد عكست جملة المقابلات الثنائية التي أجراها مع مجموعة من الشخصيات الوطنية والحزبية حتى الآن مدى الاستعداد للحوار بين الجزائريين.

وزاد الرئيس من رصيده السياسي بإعلانه الانفتاح على وسائل الإعلام بصفة منتظمة، وهي بلا شك فرصة مهمة إذا أحسنت اغتنامَها في الدفاع عن حقوقها وتبليغ هموم الوطن.

والقراءة الظاهرة لأنشطة الرئاسة توحي برغبة قويّة في تبادل وجهات النظر والاستئناس بكل الآراء حول وضع البلاد وآفاق الإصلاح المطلوب، لأجل بلورة خارطة طريق تشاركيّة وتوافقية إلى أوسع نطاق ممكن، بهدف صناعة عهد جديد بعد حراك 22 فبراير.

وإذا كانت مبادرة الرئيس بالتشاور مع رموز الساحة الوطنية إقرارا ضمنيا بعمق الأزمة التي يتجاوز تفكيكها النهائي الانتخابات كإجراء دستوري، بل يتطلب تعبئة عامّة على كافة المستويات وإيجاد مساحات مشتركة للعمل الوطني، فإنه لا مناص من الاعتراف بأنّ المسعى القائم يُحسب للرئيس بلا شكّ، فهو منتخَبٌ في استحقاق شعبي برغم كل التحفظات، ويحوز اليوم شرعية الصندوق، ونزوعه اليوم إلى التحاور والاستماع إلى مختلف وجهات النظر أمرٌ محمود، يكسر منطق الأحادية التي طغت على سلوكات السلطة في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، ويكرّس لثقافة الوفاق الوطني.

غير أنّ مؤشرات الأمل البادية لا تمنع من إبداء المحاذير المحتملة، حتى نتفادى معا تكرار التجارب السابقة وتضييع مزيد من الفرص، في وقت تواجه البلاد تحديات كبيرة تضعها أمام مفترق الطرق في صناعة تاريخها أو الخروج من تحولات الجغرافيا.

وجب المصارحة بأنّ عقدة الأزمة المستحكمة في الجزائر ترتبط بتسوية معضلة الشرعية السياسية للسلطة وصناعة القرار في نظام الحكم منذ مطلع الاستقلال، وما لم نجد السبيل إلى الإجابة عن هذه الإشكالية، فإنّ الحلول والتصورات كافّةً مؤجلة إلى إشعار آخر.

من الإنصاف القول إنّ الرئيس عبد المجيد تبون ليس مسؤولاً عن هذه المشكلة التاريخية، فهي أزمة نظام سياسي تأسس على عقيدة الشرعية الثوريّة، وتحول تدريجيا إلى شرعية القوة واحتكار أدوات السلطة، غير أنه يستطيع اليوم أن يضع اللبنة الأولى في صرح الانتقال الديمقراطي، ويدشّن مسار الإصلاح الفعلي بصياغة دستور على مقاس الدولة والمصلحة العامّة، يستجيب لشروط التحوُّل نحو الشرعية الشعبية الحرّة.

نؤكد على جدوى المشاورات الجارية، لأنّ الأهمّ من الشكل هو النتائج الفعلية لتلك الحوارات الثنائية ومصيرها في المنظور القريب، وصداها في ممارسة السلطة وفتح الحياة السياسية ببلادنا، خلال هذه العهدة الرئاسية.

بمعنى أوضح: هل ستشكل خارطة طريق لإصلاح منشود ومعبَّر عنه من الجميع؟ أم إنها ستكون مسكّناتٍ لاحتواء الأصوات ومناورة متجددة لإطالة أمر واقع، يتفق الكلّ على أنه لن يتغير بالخطابات والدساتير والقوانين والمؤتمرات والندوات ولا حتّى الانتخابات بصورتها الحالية، لأنّ المفتاح وكلمة السرّ تسكن في مفاصل السياسة الملتبسة بالإرادة الخفية في إرجاع الكلمة للشعب من عدمها، ليقرر مصيره بكل سيادة.

إذا كان الحكم على النيَّات مرفوضا والأصل هو الأخذ بظواهر الأعمال، فإنّ عبد العزيز رحابي قد كتب: “لمست لدى رئيس الجمهورية نية وإرادة أتمنى أن تلقى تجسيدا ميدانيا بما فيه الخير للبلاد والعباد”.

ذلك هو الامتحان العسير أمام كلّ الجزائريين، رئيسًا ونخبة ونظاما سياسيّا، في تحقيق الحلم بطيّ حقبة قاتمة، جثمت قرابة 60 سنة على صدورهم، لتكتم أنفاس شرعية شعبية صارعت لأجل التأسيس منذ مؤتمر طرابلس صيف 1962.

فهل يكتب التاريخ اليوم لرئيس من الجيل السياسي لعهد الاستقلال تصفية ميراث ظلّ متنازعًا عليه من رفاق الثورة والسلاح؟ الإجابة لا أحدَ يملكها، بل وحده الميدان من يصدّقها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • عبدو

    من سنن الله في خلقه ان الاصلاح و البناء صعب و الافساد و الهدم سهل و نحن لدينا فساد 20 عام حيث تفرع الفساد و ضرب له جذور في كل الوزارات و الادارات بل اصبح الفساد رياضه يزاولها حتى المواطن بالاحتيال و النصب على الدوله و على من حوله كل هذا لا يمكن مسحه بعام او اثنين علينا بالصبر و حسن النيه و التوجه لله ليخلصنا من وباء الفساد و قبل هذا نمنعه على انفسنا ومن حولنا لان الامر بحاجه الى تكاثف من الجميع للنهوض بالبلد .اما ان بقينا بموضع المنتقد و المعترض لاجل الاعتراض فهذا لن يخرجنا من المشكل و كلنا سيدفع حينها الوضع صعب و يجب علينا جميعا التحلي بالمسؤوليه

  • مامون

    املنا في الرئيس الذي انتخبناه كبير لاعادة القطار الى سكته التي حرف عنها والجاحد من لا يرى التغيير الايجابي في كل المستويات الداخلية والخارجية وعليه نذلب من شعبنا الانتظار ومنح الفرصة للرئيس تلون للعمل وضرورة المساعدة كل من موقعه لإنجاز عمله على الوجه الاكمل وسترون النتائج بإذن الله.

  • جزائري حر

    لا تعول فهده ليست مشاورات ولا حوارات إنه النظام السابق الفاقد للشرعية يحاول إستعادة مجده القديم بمباركة إعلامه الوفي.