-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا بعد وداع الشّطر الأوّل من رمضان؟

سلطان بركاني
  • 781
  • 0
ماذا بعد وداع الشّطر الأوّل من رمضان؟
ح.م

قبل أيام قليلة كان الحديث عن استقبال رمضان وحسن استغلال أيامه ولياليه، وها نحن اليوم نعيش ساعات اليوم السّابع عشر من أيامه الغالية، بعد أن ودّعنا عند أذان المغرب من يوم قبل الاثنين الشّطر الأوّل منه؛ شطر مضت أيامه لكأنّما هي ساعات! وصدق المولى–سبحانه- حينما قال عن أيام رمضان إنّها أيام معدودات ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)).

ثابتون.. عيونهم على الختام والحصاد

انقضى الشّطر الأوّل من رمضان، وها نحن نستعدّ لاستقبال العشر الأواخر منه عشية يوم السّبت المقبل بحول الله.. ولا شكّ في أنّ سعينا ونحن نقترب من هذه العشر لشتّى؛ فبيننا من عباد الله ثابتون على العهد، حالهم وهم يودّعون الشّطر الأول من رمضان كحالهم في أوّل ليلة من لياليه؛ همّهم المسابقة على الصّفوف الأولى في صلاة التراويح، لا تغريهم الكاميرا المخفية ولا يلتفتون إلى برامج الضّحك والإثارة في وقت الإفطار، لأنّهم يعلمون أنّ هذه البرامج إن لم تضرّ العبد المؤمن في دينه وتشغله عن طاعة ربّه، فهي لن تنفعه، ويعلمون أنّ ما فيه فائدة من هذه البرامج لن يفوت وأنّ ساعات رمضان الغالية هي التي تنقضي وتفوت وربّما لا تعود عليهم مرّة أخرى. من هؤلاء الثّابتين من يكتفي ببضع تمرات يأكلها عند أذان المغرب في المسجد ليجلس في بيت الله يتلو القرآن ويذكر الله ليحظى بفضل الصف الأول في العشاء والتراويح، ومنهم من ينطلق بعد صلاة المغرب إلى بيته ليفطر سريعا ويعود سريعا ليظفر بمكان في الصّفوف الأولى.. لا يزالون يصلون الصبح في بيت الله، ويسجدون ويستغفرون بالأسحار، ولا يزالون يثنون الرّكب لتلاوة كتاب الله قبل وبعد كلّ صلاة.

خطّى متثاقلة مع اقتراب موسم الجني والحصاد!

في مقابل هؤلاء الثّابتين، هناك من عباد الله من بدأت خطاهم تتثاقل ونفوسهم تتذبذب وتتمايل. بدأ يتسرّب إليهم الفتور شيئا فشيئا، بدأوا ينصرفون من بيت الله بعد السّلام من الصّلاة بعدما كانوا يجلسون لقراءة القرآن، ثمّ بدأوا يتسلّلون من صلاة التراويح بعدما كانوا يصبرون مع الإمام إلى آخر تسليمة، وأصبحوا يكتفون بركعتين أو أربع منها ثمّ ينصرفون، وربّما لن تمضي العشر الثانية من رمضان حتى يتركوا صلاة التراويح.. ما كاد ينقضي الشطر الأوّل من رمضان حتى أصبحوا يصلّون الفجر في بيوتهم، بعد أن كانوا في الأيام الأولى من رمضان يصلّونها في بيت الله، وربّما لن تحلّ العشر الأواخر من رمضان حتى يناموا عنها كما كانوا يفعلون قبل رمضان.. وهكذا.. لا تكاد تنقضي العشر الثانية من رمضان حتى يعودوا إلى ما كانوا عليه قبل رمضان، والسّبب أنّهم لم يتنبّهوا لنوازع النّفس مع أوّل خطوة، ولو تنبّهوا وقطعوا عليها الطّريق عند أوّل خطوة ما طمعت في الخطوات التي بعدها.

فلماذا نرضى بهذه الحال كلّ عام؟ لماذا نستسلم لأنفسنا بهذه السّهولة؟ أيّ شيء هذا الذي يستحقّ أن نترك لأجله التراويح وقراءة القرآن ونضيّع لأجله صلاة الفجر؟ النّوم لن يفوتنا وجلسات المقاهي لن تفوتنا، ولكنّ ساعات رمضان الغالية سترحل سريعا وربّما يعود رمضان العام القابل ونحن في دار الحساب والجزاء.. اسأل نفسك -أخي المؤمن- إلى متى تطيع نفسك وتتبع هواها وتضيّع رمضان وترغم أنفك؟ إلى متى وأنت تضيّع العشر الأواخر من رمضان؟ إلى متى ونفسك تضيّع عنك ليلة القدر كلّ عام؟ تنبّه لنفسك وتدارك تقصيرك، واعقد العزم الآن في هذه اللّحظة على أن تؤدّب نفسك وتَعود إلى ما كنت عليه في أوّل ليلة وأوّل يوم من رمضان، وتجدّد توبتك، وعينك على العشر الأواخر وعلى ليلة القدر.. خالف نفسك وتحدّاها بأن تَثبت إلى آخر ساعة من رمضان، بل إلى آخر لحظة من عمرك.

الفتور والنّكوص والوهن في رمضان وبعده ظاهرة تتكرّر -مع كلّ أسف- في رمضان من كلّ عام، ولعلّ من عباد الله ممّن يقرؤون هذه الكلمات من مضى عليهم 20 رمضان أو 30 أو أكثر من ذلك وهو على هذه السّيرة كلّ عام.. لا يعرف الاجتهاد إلا في الأيام الأولى من رمضان، يتكرّر عليه ذات المشهد كلّ عام ولم يفكّر مرّة واحدة في أن يسأل نفسه: لماذا يحصل معي هذا كلّ عام؟ وإلى متى وأنا أخسر رمضان بهذه السّهولة؟ إلى متى ورمضان يصعد إلى الله في كلّ عام وهو يشهد عليّ ويشكو إلى الله حالي معه وتضييعي أيامه ولياليه؟

 لا يعنيهم رمضان!

الأسوأ من هؤلاء حالا، مسلمون صاموا 20 أو 30 أو 40 أو 50 رمضان والواحد منهم لم يخطر على باله ولم يفكّر في أن يجعل رمضان بداية لحياة جديدة.. لا يهتمّ بدرس ولا خطبة ولا موعظة، ولا يعرف في رمضان غير الجوع والعطش والتعب والغضب والسّهر.. يصلّي في رمضان ويترك الصّلاة بعد رمضان.. يطلق العنان لبصره في رمضان –كما في غيره- بتتبّع العورات والنّظر إلى الغاديات الرّائحات، ويطلق لسانه في أيام رمضان بالغيبة والثّلب والشّتم والسبّ، وربّما يلفظ في نهار رمضان أقذع الكلمات وأشنع العبارات، ويصل به الأمر إلى حدّ سبّ الله جلّ في علاه، وربّما لا يتأخّر في خوض المعارك الطاحنة في زحمة الأسواق والطّرق لأتفه الأسباب… حاله في كلّ عام كما قال النبيّ العدنان عليه الصّلاة والسّلام: “رُبّ صائم ليس له حظ من صومه إلا الجوع والعطش”.. فيا من هذه حالك.. إلى متى وأنت على هذه الحال بالله عليك؟ إلى متى وربّك الحنّان يمتّعك بالصحّة والعافية وأنت معرض عنه؟ إلى متى ومناديه يدعوك في هذا الشّهر لتتوب وتؤوب وأنت معرض عنه؟ أما تخشى فجأة الموت؟ أما سمعت بموت الأقران والخلان؟ أما سمعت بذلك الشابّ الذي ذهبت والدته توقظه للسّحور، فوجدته قد فارق الحياة؟ أما سمعت بالعشرات الذين ماتوا في أيام رمضان الماضية في حوادث الطرقات؟ ألا فتنبّه ما دامت الأنفاس تخرج وتعود، قبل أن تفاجأ بملك الموت يقف أمامك من غير ميعاد، ليستلّ روحك وأنت مصرّ على الغفلة والإعراض.

إلى كلّ من أحسّ بالتّقصير وكلّنا كذلك

انقضى الشّطر الأوّل من رمضان، وكذلك ستنقضي العشر الأواخر، وسيرحل رمضان عمّا قريب، والسّعيد من اتّعظ بسرعة انقضاء أيامه الغالية، واجتهد في حسن استغلالها، وتزوّد فيها من الصّالحات، لعلّه يحظى بعفو مولاه وبعتق رقبته من النّار.. فإلى كلّ من أحسّ بأنّه قصّر وفرّط فيما مضى من أيام وليالي رمضان، ولا شكّ في أنّنا جميعا نحسّ بالتّقصير والتّفريط.. لا يزال في عمر رمضان بقية باقية، ولا تزال بين أيدينا أيام غالية، ينبغي لكلّ عبد مؤمن أن يزيد فيها اجتهاده لعلّه يوفّق للعشر الأواخر فيدركها بقلب ليّن خاشع، ويفتح الله له فيها أبواب دعائه ورجائه، ويغدق عليه من فضله وعطائه، ويبلّغه ما يتمنّاه من خيري الدّنيا والآخرة.. من أحسّ بالتّقصير فيما مضى من أيام رمضان، فليستغفر مولاه من تقصيره، وليتذكّر أنّه لا تزال بين يديه 13 يوما من رمضان، وفي إمكانه أن يعوّض فيها ما فاته بإذن الله، إن هو عقد العزم على أن يصحّح أخطاءه، ويترك الكسل ويقطع التّسويف، ويأخذ نفسه بالحزم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!