ماكانش الدراهم!
وزير المالية “وعد” بصرف مكافآت مالية لكلّ من يُودع أمواله في البنوك، ومثل هذا “الوعد الصادق”، يستدعي التساؤل عن أساب رفض الجزائريين أو تخوّفهم من إيداع أموالهم بالبنوك العمومية والخاصة؟
من المفروض، وهذا هو المعمول به في كلّ بلدان العالم، أن البنك هو الحصن الأمين والمضمون للتاجر والمستثمر ورجل الأعمال والموظف والزبون والبائع والمشتري، لكن لأسباب مكشوفة، يعلمها العام والخاص، تحوّل البنك عندنا إلى مصدر للقلق والفرار!
بعض البنوك ـ شفاها الله وعافاها ـ وهي عمومية وخاصة، تـُصيب قاصديها بالسكـّري والنرفزة، ويكاد الواحد يسقط أرضا من القنطة. والمشكل قد يكون في الموظف المستهتر الذي يجلس إلى الشباك، أو في المنظومة البنكية برمتها، أو بتفصيل من تفاصيلها!
الطابور الفوضوي والعشوائي لا يمكنه أن يبني بنكا، وكلمة “ماكانش الدراهم“، لا يُمكنها أن تغري الناس بالتوجه إلى البنوك، والخدمات الرديئة والمستفزة لا يُمكنها أن تستقطب مداخيل مالية لهذه البنوك!
الأمر يا جماعة الخير مرتبط بالتفسير البيروقراطي لتسيير البنوك، كغيرها من المصالح الإدارية، التي يتنصل فيها الموظف من مواطنته وأحيانا حتى من إنسانيته ويرتدي برنوس المستهتر الذي ينفـّر ولا يستقطب، لا بتطبيق القانون ولا بالكلمة الطيبة!
المكافآت المالية قد تستدرج بعض الزبائن و“الطمّاعين” إلى البنوك، لكنها تبقى بالنسبة إلى آخرين مجرّد “فخ” لاصطيادهم واصطياد أموالهم، خاصة أولئك الذين تعوّدوا على دسّ أموالهم في “الوسادة” كضمان يعتقدون أنه الأسلم لحماية سيولتهم وتفادي مشاكل البنوك وتأخير الدفع!
انتحار الثقة وعدم وجود “ضمانات” مؤكدة وثابتة إلى الأبد، وغير قابلة للمراجعة والإلغاء، هي التي حرّضت وتحرّض “البقارة” وأصحاب “الشكارة” والموظف “الكحيان” وصاحب “البومليار” والمستأجر بالدينار والأورو والدولار، على عدم دخول البنوك ومقاطعتها!
المطلوب إعادة النظر في التفكير البنكي، والتسيير البنكي، وفي كلّ المنظومة البنكية، والتعاملات البنكية، وعلاقات البنوك بالمستثمر والتاجر والموظف والمواطن والخزينة العمومية، وقد يكون أقصر طريق إلى معالجة الخلل بأقلّ الأضرار وإقناع “الهاربين” و“المقاطعين” بالعودة!
عندما تحلّ “الوسادة” محلّ البنك، يجب التحرّك العاجل والعادل، حتى لا تضيع الملايير وتجمّد أخرى وتصبح البنوك تتسوّل لملء أرصدتها وحساباتها ضمانا للصيرورة العادية والطبيعية لعجلة الاقتصاد!