-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماكرون.. هل هو آخر رئيس للجمهورية الفرنسية الخامسة؟

ماكرون.. هل هو آخر رئيس للجمهورية الفرنسية الخامسة؟

إن حظر الأهلية على المرشحة للرئاسيات 2027 مارين لوبان، وكذلك الرسوم الجمركية المدمِّرة للسوق الفرنسية والتي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليست سوى التحديات الجديدة التي ستعصف بالعهدة الثانية  للرئيس الفرنسي ماكرون، رغم أن ترامب أجّل يوم 9 أفريل 2025، العمل بهذه الرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يوماً.

مع هذا، بدأت اليوم المرحلة الرهيبة والصعبة، للرئيس ماكرون، مع منافسته اليمينية المتطرفة رئيسة التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقًا) مارين لوبان، إذ ضرب زلزال في أحد أعمدة الديمقراطية الفرنسية، وانتهى بعد حوالي أسبوع بمؤشر الأسهم الرئيسي لفرنسا، إذ انخفض كثيرا ودخل في المنطقة الحمراء.

لكن حظر مارين لوبان عن الترشح للمنصب وتعريفات الجمركية لترامب التي دمّرت السوق الفرنسية ليست سوى أحدث التحديات التي تهدد بقلب الولاية الثانية للرئيس الفرنسي.

الإعلامية الجزائرية الكبيرة نبيلة رمضاني، هي من مواليد فرنسا، ولكنها لم تستطع العمل في ميدان الإعلام كصحفية مستقلة وحرة بسبب العنصرية وتهميش أبناء الجاليات خاصة الجزائرية، لأنها تحمل اسما ولقبا جزائريا، ما دفعها للهجرة من فرنسا إلى بريطانيا، فأصبحت من الوجوه الكبيرة والبارزة في الإعلام الناطق بالإنجليزية وأيضا على مستوى العالم، ولكنها مجهولة أو لنقل غائبة عن إعلامنا في الجزائر.

تبدو ركائز الجمهورية الخامسة الفرنسية البالغة من العمر 66 عامًا غير مجهَّزة بشكل أساسي لتحمُّل هذا الهجوم المحلي غير المسبوق والأزمات الدولية التي تعرضت لها فرنسا وخاصة مع روسيا والجزائر والولايات المتحدة الأمريكية وإفريقيا.

ومنذ العهدة الثانية قُلصت مساحة ماكرون للمناورة، ووزراؤه جلهم ضعفاء وبعضهم لهم سوابق قضائية وفي مقدمتهم الوزير الأول فرانسوا بايرو.

لقد ألّفت نبيلة رمضاني، كتابا قيما وباللغة الإنجليزية منذ الولاية الثانية للرئيس الفرنسي ماكرون، عنوانه: تثبيت فرنسا.. أو كيفية إصلاح الجمهورية المكسورة (Fixing France, how to repair a broken republic)، هذا الكتاب لقي رواجاً كبيراً في بؤيطانيا وفي العالم. وقد تنبأت نبيلة رمضاني بجل المصائب التي تتعرض لها الجمهورية الفرنسية الخامسة اليوم.

تعدّ نبيلة رمضاني من العارفين بخفايا نظام الحكم في فرنسا، وتعرف كل مفاصل هذا النظام المتآكل اليوم، والذي يعيش مرحلته الأخيرة. ولو قارننا من ناحية الشكل فقط، بين مؤسس الجمهورية الخامسة شارل ديغول والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون لاستخلصنا بأن ماكرون هو آخر رئيس للجمهورية الخامسة الفرنسية.

قلت إنّ الحرب التجارية اندلعت في غرب أوروبا، بينما تتفاقم حرب حقيقية في شرقها وقد دخلت عامها الرابع. والبرلمان الفرنسي ممزَّق بشكل ميؤوس منه. ولا يزال عَجْزُ الميزانية الفرنسية مرتفعًا بشكل جنوني، مع احتمال ضئيل لخفضه إلى تحت المستويات المؤلمة في الإنفاق أو الزيادات الضريبية التي تخنق النمو. في غضون ذلك، قد يكون رابع رئيس وزراء لفرنسا في الأشهر 18 الماضية، فرانسوا بايرو، في طريقه للسقوط،  إذا نفذ نواب اليمين المتطرف التهديدات الأخيرة بإسقاط حكومته.

تبدو ركائز الجمهورية الخامسة الفرنسية البالغة من العمر 66 عامًا غير مجهَّزة بشكل أساسي لتحمُّل هذا الهجوم المحلي غير المسبوق والأزمات الدولية التي تعرضت لها فرنسا وخاصة مع روسيا والجزائر والولايات المتحدة الأمريكية وإفريقيا.

ومنذ العهدة الثانية قُلصت مساحة ماكرون للمناورة، ووزراؤه جلهم ضعفاء وبعضهم لهم سوابق قضائية وفي مقدمتهم الوزير الأول فرانسوا بايرو. كما يبدو أن الحصول على الأغلبية في الجمعية العامة (البرلمان الفرنسي) بعيد المنال، وليس لدى الرئيس خيارات كثيرة لمعالجة المأزق السياسي سوى الدعوة إلى انتخابات مبكرة أخرى بداية هذا الصيف، والتي قد تنتهي به إلى برلمان آخر معلق.

نعم الأمور سيئة حقّا الآن، خاصة بعدما انخفض المؤشر القياسي “كاك 40” نتيجة لتعريفات ترامب الجمركية. كما أن تباطؤ السوق العالمية قد تكون علامة نحو الأسوأ في المستقبل. فعندما تبدأ الأزمة في ضرب الاقتصاد الحقيقي، وتبدأ الشركات في رؤية دفاتر الطلبات تنخفض، سيصبح الأمر معقدًا حقّا.

لقد كان يُنظر إلى الرئيس الفرنسي ماكرون في السابق على أنه قوة قيادية خارقة، وهو الآن أصبح غير موثوق به، إذ أن ثلاثة أرباع الفرنسيين يتمنون رحليه من الحكم في أقرب وقت.

وقرار ماكرون برفع سن التقاعد إلى 65 سنة، على الرغم من المعارضة الواسعة النطاق، أدى إلى فرار الكثير من  الناخبين. كما أدى قراره بالدعوة إلى انتخابات مبكرة في الصيف الماضي إلى برلمان منقسم أَثّرَ بشكل أكبر على مصداقيته. ويعتقد الأغلبية من الناخبين الآن أنه غير قادر على نزع فتيل أزمة برلمانية أخرى، ناهيك عن اتخاذ إجراءات حاسمة بشأن الحرب في أوكرانيا أو مواجهة غرائز ترامب المجنونة أو حل النزاع القائم منذ مدة مع الجزائر، ومشاكله مع إفريقيا المتعددة.

بالنسبة للكثير من الفرنسيين، أثارت زلات ماكرون الإحباط العامّ من السياسة، بما في ذلك تعيينه لرؤساء وزراء غير منتخبين ورفضه السماح للائتلاف اليساري، الأكبر في البرلمان، بإدارة البلاد. في حين يواصل اليمين المتطرف التقدم في الانتخابات ولكنه ممنوع بشكل منهجي من الوصول إلى السلطة، وهنا تطرح الأسئلة التالية: هل هذه هي الديمقراطية الفرنسية اليوم؟ إما أن الديمقراطية الفرنسية مختلة ومعتلة أم أصبحت غير صالحة؟

يظل حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف أكبر حزب منفرد في الجمعية الوطنية، ويتمتع بدعم غير مسبوق. تظهر استطلاعات الرأي أن لوبان هي المرشحة الأولى للرئاسة في عام 2027 إذا ترشحت. ومع ذلك، فقد أدين حزبها و23 عضوا من بينهم 8 نواب بما فيهم هي نفسها، بل أكدت المحكمة بأنها هي المخ المدبِّر لهذه العصابة الحزبية، والتي قامت باختلاس أكثر من 4  مليون أورو من أموال البرلمان الأوروبي.

فقد قامت اللجنة المكونة من ثلاثة قضاة بإصدار حكم قضائي –وهو حكم  غير مسبوق- بقرار يمنع على الفور زعيمة حزب التجمع الوطني من الترشح لمنصب رئيسة الجمهورية  لمدة خمس سنوات، بدلاً من تأخير العقوبة حتى بدء عملية الاستئناف، كما هو معتاد في فرنسا. ويمنع القرار مارين لوبان فعليّا من الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2027، ما لم يلغى عند الاستئناف.

ردّا على ذلك، شنّت لوبان هجوماً كبيرًا على ما تعتبره نظاماً وقضاءً مزوَّرا، وحتى وزير الداخلية برونو روتايو، هذا الزنديق الذي ينتمي إلى اليمين، صرَّح بأن القضاة الذين حكموا على مارين لوبان، هم قضاة حُمُرٌ (شيوعيون)، وهي إستراتيجية تهدد بتقويض الثقة في النظام الديمقراطي الفرنسي. وهذا الحكم سيزيد من استقطاب المجتمع الفرنسي، المنقسم بالفعل والذي سيصبح أكثر انقسامًا.

ومن بين المشاكل التي تواجه المؤسسة السياسية الفرنسية أنه في حين أن الأدلة ضد لوبان مقنعة، إلا أن المتهمة تقول  في ادّعاءاتها بأن «النظام» ضدها. وقد حاولت في الماضي بشكل روتيني للحصول على قروض مصرفية من داخل فرنسا لتمويل الحملات الانتخابية، ولم تستطع، ما دفعها إلى استعمال مثل الحيل للحصول على المال.

والغريب في الأمر أن وزير العدل الحالي دارمنيان، وهو أيضا ينتمي لليمين، تحدّث في نوفمبر 2024، قبل أن يتولى منصبه الجديد وزيرا للعدل، إنه سيكون «صادما» إذا حُظرت أهلية لوبان، وأنه يجب هزيمتها «في صناديق الاقتراع، وليس بالقضاء».

لا يوجد نقصٌ في بؤر التوتر المحتملة في الأفق، فإما انهيار الحكومة أو أزمة مالية أو حتى عودة احتجاجات المزارعين، أو السترات الصفراء تلوح في الأفق. إن فرنسا اليوم تعيش أكبر أزمة سياسية في الجمهورية الخامسة. لم يُنظر إلى رئيس الجمهورية ماكرون قط على أنه ضعيف للغاية في إمكاناته للنفوذ السياسي الحقيقي.

لقد تمكّنت الحكومات المتعاقبة لماكرون من إخماد الحرائق من خلال تخفيف حدة الأزمة، لكن هذا الخيار ربما يكون غير مطروح على الطاولة اليوم نظرًا لديون فرنسا الكبيرة وخططها لاستثمار مزيد من المليارات في الإنفاق العسكري.

فرنسا اليوم على وشك السقوط من AA إلى A [التصنيف الائتماني]. وعند هذا المستوى، لن يُسمح للكثير من المستثمرين رسميّا بإقراضها. كما أن رئيس الوزراء الحالي، ليس هو الوزير الأول التي تحتاجه فرنسا اليوم، وهي تعيش كل هذه الأزمات، كونه أحمق، إذ صرح مؤخرا وبحضور وزيرة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، وأمام الصحافة، بأن المجموعة الشمسية تحتوي على ملايير الشموس (جمع شمس) ولم يعتذر بعد ذلك، والحقيقة هي أن المجموعة الشمسية تحتوي على شمس واحدة فقط، وثانيًّا فهو مماطل يؤجل العمل لتجنب المواجهة. لكن الحالة الرهيبة للمالية العامة هي قضية لن يتمكن من تجاهلها لا هو أو خليفته. كما أن وضع ميزانية 2026 سيكون معقدًا للغاية بالنظر إلى تأثير تعريفات ترامب والدين العامّ لفرنسا الذي بلغ 3.2 تريليون أورو (3200 مليار أورو) في العام الماضي، والانقسام الداخلي بالإضافة إلى مستوى تفكير حكامه. وكما تقول نبيلة رمضاني في إحدى مداخلاتها: «ستنفق فرنسا قريبا 100 مليار أورو على تكاليف الاقتراض سنويًّا.. إنه أمرٌ مذهل وغير مقبول وغير معقول». كما أن موقف اليمين المتطرف عبر العالم، وخاصة موقف ترامب مع لوبان سيسرّع في سقوط الجمهورية الخامسة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!