ما الذي رأيتموه من خالقكم حتى تكرهوا شريعته؟

تداول بعض النّاشطين على مواقع التّواصل الاجتماعيّ صورة تذكارية التُقطت في حفل استقبال رسميّ لمجموعة من النّساء يفوق عددهنّ 20 امرأة، بمناسبة الثامن من مارس الماضي، وكان لافتاً أنّه لم توجد بينهنّ سوى محجّبة واحدة، ما جعل بعض خفيفي الظلّ من الشّبان يطلقون على هذه المحجّبة تندّراً لقب “ممثّلة الجالية المسلمة المقيمة في الجزائر”!.
زحفٌ ممنهج على الثّوابت الإسلاميّة
مهما اتّفقنا أو اختلفنا مع هذا التّوصيف الذي ذهب إليه هؤلاء الشّباب، إلاّ أنّنا ربّما لا نختلف في أنّه يعكس حالة التذمّر الشّديد التي تنتاب قطاعا عريضا من الجزائريين إزاء الحَظوة التي أصبحت تتمتّع بها الأقلية التغريبية في هذا البلد المسلم، إلى درجة مكّنتها من تصدّر المشهدين السياسيّ والثّقافيّ، وجعلتها تقدّم نفسها على أنّها الطّرف الوحيد الذي يحقّ له التحدّث باسم الشّعب الجزائريّ، من دون أن تحتاج إلى استشارته وأخذ رأيه في القضايا السياسية والثقافية والاجتماعيّة، وسوّلت لها الاستعانة بجهات ضغط غربية للوصول إلى أهدافها في طمس عناصر الهوية الإسلاميّة لهذا الشّعب؛ فمن التّضييق على المحجّبات في وسائل الإعلام العموميّة التي يدفع الشّعب فاتورتها، حيث يُمنع ظهور أيّ محجّبة مقدّمةً للأخبار أو البرامج، وتُتحاشى استضافةُ المحجّبات في اللّقاءات المختلفة إلا فيما ندر، إلى الزّحف الممنهج والمركّز على قانون الأسرة الذي يراد تخليصه من بقايا النّصوص المرتبطة بالشّريعة الإسلاميّة، إلى الإجهاز على البُعدين الإسلاميّ والعربيّ للمنظومة التربوية، إلى رفض وقف إنتاج واستيراد الخمور، إلى الإصرار على المعاملات الربوية التي يكتوي بها الفقراء، ولا تمسّ علية القوم الذين يستفيدون من القروض الميسّرة والمنح المتصاعدة، وليس انتهاءً بتمويل مهرجانات الغناء وهزّ البطون، ورفض حجب المواقع الإباحيّة، ومواصلة التّرخيص لمواخير الزّنا وحانات الخمر…
هذا فضلا عن الزّحف غير المنظّم الذي يراد فرضُه كأمر واقع، من خلال إسناد المناصب الحسّاسة في مختلف المؤسّسات العمومية للأقلية التّغريبية، لتفرض توجّهاتها وتحاصر عناصر الهوية عبر تعليمات شفوية، تنفّذ في ظلّ غياب أيّ دور فاعل للمؤسّسات الرقابية، وفي هذا الإطار يمكن إدراج التّعليمات التي تصدرها بعض المصالح لمنع الحجاب، بحجّة أنّه يتعارض مع الزيّ الرّسميّ، وهي الحجّة التي لم تتذرّع بها جهاتٌ غربية كثيرة، اختارت أن تُدخل بعض الاستثناءات في قوانينها لأجل السّماح للنّساء المسلمات بارتداء الحجاب في أسلاك الأمن والجمارك والحماية المدنية وغيرها.
وما تخفي صدورُهم أكبر
الأقلية التغريبية لا تستطيع التّصريح بعداوتها لكلّ ما يمتّ إلى الإسلام بصلة، وإنّما تستخفي وراء العداوة لمن تسمّيهم ”الإسلامويين”، ولا تصرّح بحربها للحجاب، وإنّما تتخفّى خلف الحرب على النّقاب والجلباب والحجاب المستورد، ولا تجهر بالدّعوة إلى نبذ أحكام الشّريعة المتعلّقة بالزّواج والطّلاق والميراث، وإنّما تتخفّى خلف الدّعوة إلى إعطاء المرأة حقوقها ومساواتها بالرّجل، وخلف محاربة الرّجعية والظّلاميّة، ولا تُعلن نبذها لتشريعات الاقتصاد الإسلاميّ، بل تتخفّى خلف الدّعوة إلى إبعاد الدّين عن السياسة، على مذهب قوم شعيب قديما حينما قالوا (يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ)، هذه الدّعوى التي أرست للعلمانية المتطرّفة، طوّرها دعاة التغريب الذين يقول قائلهم الآن: هل دينكم يمنعنا أن نترك ما يفعله الغربيون أو أن نفعل في أموالنا وأجسادنا ما نشاء؟ ونطعم بطوننا ما نشاء ونتكلّم بما نشاء؟ وصدق الله إذ يقول: (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر).
لماذا كلّ هذا الإصرار؟
* الأقلية التغريبية لا تستطيع التّصريح بعداوتها لكلّ ما يمتّ إلى الإسلام بصلة، وإنّما تستخفي وراء العداوة لمن تسمّيهم “الإسلامويين”، ولا تصرّح بحربها للحجاب، وإنّما تتخفّى خلف الحرب على النّقاب والجلباب والحجاب المستورد، ولا تجهر بالدّعوة إلى نبذ أحكام الشّريعة المتعلّقة بالزّواج والطّلاق والميراث، وإنّما تتخفّى خلف الدّعوة إلى إعطاء المرأة حقوقها ومساواتها بالرّجل.
إذا كانوا لا يرفعون رأسا للدّراسات المستفيضة التي أصدرها المفكّرون الإسلاميّون حول إعجاز وإحكام الشّريعة الإسلاميّة، فلماذا لا يصغون لشهادات المنصفين من مفكّري وقانونيّي الغرب؟ لقد وصل الأمر ببعض القانونيين المنصفين في الغرب بعد أن درسوا مبادئ الشّريعة الإسلاميّة دراسة متأنيّة أن يستغربوا لماذا لا يطبّق المسلمون دستورهم الإسلاميّ؟! فهذا مثلا القانوني الكبير “فمبري” يقول: “إنّ الفقه الإسلاميّ واسعٌ إلى درجة أنّني أعجب كلّ العجب كلّما فكّرت في أنّ المسلمين لم يستنبطوا منه الأنظمة والأحكام الموافقة لزمانهم وبلادهم”، وهذا المفكّر “شبرل” عميد كلية الحقوق بجامعة “فيينا” في مؤتمر الحقوقيين سنة 1927م، يقول: “إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمّد إليها، إذ رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً؛ أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمّته بعد ألفي سنة”.
ارحموا هذا البلد
* لقد وصل الأمر ببعض القانونيين المنصفين في الغرب بعد أن درسوا مبادئ الشّريعة الإسلاميّة دراسة متأنيّة أن يستغربوا لماذا لا يطبّق المسلمون دستورهم الإسلاميّ؟! فهذا مثلا القانوني الكبير “فمبري” يقول: “إنّ الفقه الإسلاميّ واسعٌ إلى درجة أنّني أعجب كلّ العجب كلّما فكّرت في أنّ المسلمين لم يستنبطوا منه الأنظمة والأحكام الموافقة لزمانهم وبلادهم”.
لقد آن الأوان للأقلية التّغريبيّة في هذا البلد أن تصغي لصوت العقل، وتكفّ عن اللّهث خلف نزواتها الاستئصاليّة لكلّ ما هو إسلاميّ، وعن استفزاز الأكثرية المسحوقة التي أصبحت تشعر أنّ الاستئصال لم يعد يستهدف حزبا أو طائفة أو جماعة، وإنّما يستهدف الدّين بمبادئه وتشريعاته، وقد آن الأوانُ للوطنيين المخلصين في هذا البلد أن يتنبّهوا إلى أنّ الانصياعَ لإملاءات المنظّمات الدّولية المشبوهة التي تريد لهذه الأمّة أن تتخلّى عن دينها، (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)، والرّضوخَ لنزوات الأقليات الاستئصاليّة التي تعاني عقدا مستحكمة تجاه كلّ ما يمتّ إلى الدّين بصلة، سيقود البلاد إلى فتن هي في غنى عنها.. البلد لم يعد يتحمّل مزيدا من الفتن والتجاذبات، فارحمونا يرحمْكم الله.