ما بعد 31 أوت !
عودتنا الفئران السياسية أن تخرج من جحورها كلما جدّ الجد في هذه البلاد، إلى درجة لم نعد نستغرب لماذا تعبث هذه الفئران بحقول السياسة والاقتصاد والثقافة والأمن في الأوقات الحاسمة وعند المنعرجات الخطيرة.
نسيم لكحل
لم يعد غريبا أبدا على الجزائريين أن يتدهور الوضع الأمني في البلاد بحجة اقتراب انتهاء الآجال التي حددها ميثاق السلم والمصالحة للمسلحين ليضعوا أسلحتهم، ولم نعد في الجزائر أيضا نكلف أنفسنا عناء التساؤل عن سبب تزايد حدّة الاعتداءات والجرائم في مثل هذه الظروف وقبيل مثل هذه المناسبات، بل لم نعد نرى أن الذي حدث أو يحدث يمكن تصنيفه في خانة القضايا التي تستوجب الوقوف عندها بالدراسة والتحليل، وليس خافيا على أحد تفاصيل كل المسرحيات السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد كلما تهيأت لاستحقاقات انتخابية معينة أو لمواعيد استراتيجية مهمة لأمن ومستقبل البلاد، على غرار ما سيحدث نهاية الشهر الجاري، بانقضاء المهلة التي حددها ميثاق السلم والمصالحة لعناصر الجماعات المسلحة لكي تضع أسلحتها وتندمج في المجتمع.
التدهور الأمني الخطير الذي تشهده مختلف مناطق الوطن في الأسابيع أو الأيام الأخيرة وعلى عدة مستويات، شكل إجماعا بأن ميثاق السلم لا يمكنه لوحده أن يحل المعضلة الأمنية للبلاد حتى ولو ألقى كل المسلحين أسلحتهم وحتى ولو خلت الجبال من الإرهابيين. ومن هذا المنطلق، فإن المطالبين بتمديد آجال المصالحة من السياسيين، فإنهم يطالبون بتمديد أمد الأزمة وتعقيد الحلول، وسواء قصدوا ذلك أم لا، فإنهم لا يطالبون في الحقيقة سوى بإعطاء فرصة أكبر للذين امتهنوا الاصطياد في المياه العكرة.
سنكون مفرطين في التفاؤل إن اعتقدنا أن ميثاق المصالحة الوطنية سيحقق كل أهدافه، ولهذا، فإن عملا كبيرا ما يزال ينتظر مصالح الأمن في هذه البلاد في مرحلة ما بعد 31 أوت، فالإرهابيون لم يعودوا متمركزين فقط في الجبال، والمجرمون الصغار والكبار في تزايد مخيف، والسلاح (بجميع ألوانه) أصبح في أيادي كل من هب ودب، والعمليات الإجرامية التي حدثت في هذه الأيام شاهدة على ذلك.. كل هذا وذاك يؤكد أن مهمة استتباب الأمن لا يمكنها أن تنجح بمجرد القضاء على مجموعة من الإرهابيين هنا وهناك.. ولا يجب أن تنتهي يوم 31 أوت، بل من هناك وجب أن تبدأ، فالإرهاب لم يعد هو الإرهاب الذي بدأ مطلع التسعينيات، والجريمة المنظمة وغير المنظمة بلغت مستويات ليس من السهل التحكم فيها، أما السلاح، فقد تسرب إلى أيادي غير آمنة، وهذه هي تحديات معركة الأمن الحقيقية التي لا يجب أن تحدد لها مهلة أو تكون لها آجال.
هذه المعركة كبيرة وشائكة، لا تناط برجال الأمن فقط، وإنما يجب أن يشارك فيها الجميع، خاصة مسؤولو الجماعات المحلية من البلدية إلى الولاية إلى الحكومة، بجميع مستوياتها، للقضاء على أسباب الجريمة، لاستتباب الأمن والطمأنينة في ربوع الوطن.