ما هي إنجازاتك في هذا العام؟

هي إذَن الأيام الأخيرة من عام هجريّ آخر يطوى من عمر أمّة الإسلام، ويطوى من عمر كلّ حيّ في هذه الدّنيا.. ولعلّ من المناسب لكلّ واحد منّا أن يجلس مع نفسه في مثل هذه الأيام ليحاسب نفسه ويتلمّس حصاده، وينظر ماذا قدّم وماذا أخّر؟ فيم اجتهد وفيم قصّر؟ العبد المؤمن الذي يحسب للموت حسابه ويخاف الله واليوم الآخر، يحاسب نفسه كلّ يوم عندما يأوي إلى فراشه، لأنّه يعلم أنّه حينما ينام سيموت الميتة الصغرى وتقبض روحه قبضا جزئيا ويبقى يربطها بجسده رباط خيف، وقد ترجع الرّوح مرّة أخرى بعد النّوم وقد لا ترجع.. وإن قصّر فكلّ أسبوع في ليلة الجمعة، وإن قصّر فيفترض أن يحاسب نفسه كلّ شهر، وأضعف الإيمان أن يحاسب نفسه كلّ عام في نهاية العام الهجريّ.
من واجب كلّ عبد مؤمن أن يحاسب نفسه: ماذا قدّم لنفسه خلال هذ العام الذي يستعدّ للرّحيل؟ هل ارتقى بنفسه قليلا في العلم والفهم والوعي والعمل، أم إنه لا يزال يراوح مكانه في عالم يتحرّك بسرعة؟ ماذا أضاف إلى حياته؟ ماذا أضاف إلى دنياه وإلى دنيا النّاس من حوله؟ ماذا أضاف لقبره وآخرته؟ عمره قد ازداد عاما آخر، وقد ازداد خطوة أخرى نحو قبره، فهل ازداد قربا من الله أم تراه ازداد بعدا عن خالقه ومولاه، وازداد قلبه قسوة وازدادت نفسه ظلمة وغفلة وإعراضا؟
في هذا العام، سمع الأذان 1775 مرّة؛ فكم مرّة أجاب النّداء وصلّى في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه؟ كم مرّة تحرّك قلبه للنّداء وصلّى الصّلاة في وقتها بطهورها وخشوعها؟ وكم مرّة مضى في شؤون دنياه كأنّ الأذان لا يعنيه؟ كم صلاة نقرها بعد خروج وقتها؟ كم مرّة صلّى الصّبح في وقتها؟ وكم مرّة صلاها بعد طلوع الشّمس؟ خلال العام ينادي المؤذّن 52 مرّة لصلاة الفجر يوم الجمعة، لصلاةٍ هي أفضل وأحبّ صلاة عند الله بعد صلاة الجمعة؛ فكم مرّة قام من فراشه وانطلق ليصلّي الفجر مع جماعة المسلمين بعد أن أيقظ زوجته وأبناءه؟ 52 جمعة خلال العام؛ كم جمعة منها صلاها يرجو الأجر من الله؛ اغتسل فيها وتطيّب وبكّر واستمع الدّرس والخطبة يرجو أن ينفعه الله بما يسمع؟ وفي المقابل كم جمعة أتاها في آخر ساعة يجرّ قدميه كسلان مثقل الرّوح والبدن، وجلس في آخر المسجد أو في الساحة ينتظر على أحرّ من الجمر أن يريحه الإمام من هذا الواجب الثّقيل على نفسه؟
كم مرّة ختم القرآن خلال هذا العام؟ 12 مرّة؟ 10 مرات؟ خمسا؟ مرّة واحدة؟ هل أثّر القرآن في قلبه وروحه؟ هل أثّر في حياته؟ كم مرّة أدخل الفرحة على قلب أمّه وأبيه؟ كم دينارا تصدّق به في بناء بيوت الله؟ وكم دينارا بذله في إعانة المحتاجين؟ كم قدّم لإعانة إخوانه في غزّة؟ كم منكرا أنكره؟ كم معروفا أمر به وحظّ عليه؟
في المقابل: كم مسلما اغتابه وتحدّث فيه بالسّوء وربّما بالكذب؟ كم مسلما آذاه وظلمه؟ كم مسلما أدمى قلبه وقهره؟ كم مسلما أخذ حقّه؟ كم دينارا من الحرام دخل إلى حسابه وإلى جيبه؟ كم صورة محرّمة نظر إليها في الهاتف وكم عورة تتبّعها ببصره في الشّارع؟
ما أطول العام حينما نحصي ذنوبنا وسيّئاتنا! وما أقصره حينما نحصي أعمارنا وأعمالنا الصّالحة! فالمغرور من غرّه شبابه، والمخدوع من خدعته صحّته.. في كلّ أسبوع نزور المقابر، ولو أنّنا تأمّلنا ساكنيها لأدركنا أنّهم جميعا كانت لديهم آمال لم يدركوها ومشاريع لم يتمّوها، وكثير منهم كانوا يعيشون فوضى في حياتهم كالتي نعيشها نحن الآن في حياتنا، وكان كلّ واحد منهم يؤجّل الإصلاح والتّوبة والتغيير حتّى مات ولم يصلح شيئا.. لو سألنا أيا من ساكني القبور لقال: لقد كنت أظنّ العمر أطول من ذلك! ما كنت أنخيّل أنّ العمر قصير إلى هذه الدّرجة!
كثير من أقاربنا وأصدقائنا وجيراننا الذين دفنّاهم كانوا يؤجّلون محاسبة أنفسهم يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وعاما بعد عام، حتى تراكمت عليهم الذّنوب وقست منهم القلوب، وصاروا في آخر أعمارهم متشبّثين بالدّنيا وشهواتها كأنّهم في سنّ العشرين!
في دنيانا هذه، نرى أنّ هناك فرقا كبيرا بين من يسكن فيلا فاخرة وبين من يقطن مسكنا ضيّقا في عمارة من العمارات؛ فكيف الفرق بين أهل الآخرة؟ كيف الفرق بين من يسكن قصور الجنّة وبين من يلقى في النّار في حميمها وأغلالها وعذابها؟
ألا فلتكن هذه الأيام الأخيرة من العام الهجريّ، أيام حساب ومحاسبة وعتاب للأنفس ومراجعة، لينظر كلّ منّا كيف يعيش أيام هذه الأعوام التي يبتلى فيها إخوانه المسلمون ويزلزلون زلزالا شديدا؟ فليس يليق بمسلم أن يرى إخوانه يجوّعون ويشرّدون ويقتّلون وهو غارق في شهوات نفسه، همّه لا يتعدّى ما بين سرّته وركبتيه!