-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
حديقة التجارب بالحامة:

متحف مفتوح على الطبيعة يمتد حتى خليج الجزائر

صالح عزوز
  • 1982
  • 2

نرحل عبر هذه الرحلة التي قادتنا إلى حديقة الحامة أو حديقة التجارب عبر فضاءات عديدة نلامس فيها طبيعة خلابة مترامية الأطراف، نعيش من خلالها تواريخ وعصور مضت، تاركة وراءها متحفا مفتوحا على الطبيعة، يستطيع زائرها الوقوف على جمالية الثروة النباتية والحيوانية بكل أنواعها، وأن يكتحل بكل شبر في هذا المكان، الذي يحمل في كل زوايا من زواياه، صورا طبيعية أبدعتها يد الخالق، ولن يستطيع كل ناظر إليها أن يعدل بينها حتى ولو حرص، فكل مكان ينسيك حسن سابقه، متحف تدغدغ أطرافه خليج الجزائر، فينقلك من اليابسة إلى البحر الذي يمتد على طول البصر، مساحة كبيرة تصل إلى 32 هكتارا تتوسط حي بلوزداد وترسل طولها حتى مياه البحر.

زرنا المكان مرات ومرات، غير أن الحكم بقي ثابتا، وهو أن هذا المتحف يزداد نضجا ويتسع جمالا من سنة لأخرى، وتصل إليها جينات أخرى من الحيوانات والنباتات وهو ما جعله يحافظ على مرتبته عالميا، من حيث التاريخ وكذا الشساعة بين حدائق العالم، أما التدفق البشري نحوه فهو شبيه بسير الجيوش نحو ساحات القتال، غير أن الاختلاف بينهما، أن زائريه مختلفون في السن والجنس وكذا الأصل، فلا تكاد تسير عدة أمتار حتى تجد سائحا من دولة ما يرتعد في حضرة جمال هذا المكان ومنبهرا بسحره، وكذا تفاصيله الدقيقة التي حافظت على وجودها، واستنادا إلى الإحصائيات الأخيرة، يصل زائرو هذه الحديقة إلى مليون زائر سنويا من كل الولايات وكذا دول العالم وهو رقم ضخم.

صديقتا الحرب عدوتا السلام.. بريطانيا وفرنسا.. تتقاسما المكان

هي تفاصيل لا ينتبه إليها الكثير منا، لأن أغلبنا يبقى مشدودا إلى الشيء المادي وهو الجمال الذي يحيط به، أما الميزات التاريخية وأصل هذا المكان فلا ينتبه إليه إلا أهل الاختصاص. مكتبة نباتية يعود تاريخها إلى 1832. مباشرة عند ولوجك هذا المتحف الطبيعي، تجد نفسك بين شطرين منفصلين، كل له ميزاته وأصوله التي يحرص عليها، حيث ينفتح المكان على الطراز الفرنسي الذي اختار الوقوف أمام واجهة البحر، الناظر إليها ينبهر بهندستها الدقيقة التي وقفت على أدق التفاصيل، حيث انك تعجز على وجود الخطأ في تناسقها، ومدخلها يرميك في أحضان رواق طويل تقف أشجار النخيل فيه جنبا إلى جنب تغازل بعضها طوال الفصول، وحين ترفع رأسك للسير بنظرك نحو أعلاها تكاد تتعب لطولها، أما النمط البريطاني الذي أخذ القسم الثاني فكان عكس الأول، فبدل أن يختار الدقة في الحضور لينافس به الشق الفرنسي سار عكس هذا كله، وارتمى في نمط أشبه بالمناطق الاستوائية التي تتداخل فيها النباتات بينها، لذا تجد النباتات من كل الأنواع تحاكي بعضها في مساحات كبيرة اختلفت في طولها وقصرها وشكلها، لكنها اجتمعت في ألوانها الزاهية.

طرزان مرّ من هنا…

تعتبر حديقة التجارب بالحامة مساحة مقطتعة من الغابة الاستوائية، هذه الأخيرة تتسم بتشابك أشجارها ونباتاتها من كل الأنواع، وهذا ما زاد في جمالها، لذا فقد استنجد بها مخرج الفيلم الشهير “طرزان” في مطلع القرن الماضي، وجعل منها أستوديو طبيعي، من أجل تصوير مقاطع من هذا الفيلم، وكان بذلك جمال الجزائر حاضرا في السينما العالمية من خلال هذا العمل الضخم، وحديقة التجارب قطعة منه.

ما علاقة التجارب بالحديقة؟

ربما يسأل سائل، هي حديقة للنزهة والاستجمام، فلماذا ارتبط اسمها بالتجارب، حقيقة تاريخية ترجع إلى الحقبة الاستعمارية التي مرت بها الجزائر، حيث كانت محطة للتجارب استعملها المستدمر من أجل إجراء تجارب علمية على مختلف النباتات التي يأتي بها من مختلف المستعمرات التي كان يسيطر عليها، وعندما تتأقلم هذه النباتات مع إقليم البحر المتوسط يعاد تحويلها إلى القارة الأوروبية، وهو الأصح في إطلاق هذا الاسم على هذه الحديقة.

ممرات ثلاثة… فاختر ما شئت منها

..وأنت في هذا المكان تجد نفسك مخيرا في اختيار أحد الممرات التي تفصل كلا الشقين الفرنسي والبريطاني، ممرات ثلاثة تختلف فيما بينها، أولها ممر تصطف أشجار “التنين” على جوانبه، متشابكة ببعضها كأنها تمسك بعضها بعضا من الأيدي، منحنية تكاد تلامس الأرض فيخيل للمار عبرها أنها تنحني احتراما وترحيبا بقدومه، بالإضافة إلى هذا الممر، ممر أشجار “الشنار” التي ترتفع قامتها إلى أمتار عديدة، حتى أن الناظر في شموخها لا يكاد يكمل الوصول إلى قامتها، أما ممر أشجار “اللبخ” فقط حجبت الشمس ومنعتها من الوصول إلى الأرض، نظرا لكثافة أغصانها وكأنها تعجل قدوم الليل في وضح النهار.

ألفا نوع من النباتات.. وأشجار يصل عمرها إلى قرينين من الزمن

لم تحقق هذه الحديقة التميز عالميا بالمجان، ففيها ما لا يوجد في غيرها، حيث أنها تضم أكثر من ألف نوع من النباتات من كل الأشكال والأصناف، خلقت بذلك جنة خضراء طوال أيام السنة، وأغلب أشجارها معمرة وتتصل بأزمنة بعيدة تصل إلى قرنين من الزمن، كما أنها تضم الكثير من الأشجار والنباتات المنقرضة. وللحفاظ على هذا التنوع، يقوم القائمون على هذه الحديقة بتزويدها في كل مرة بنباتات مختلفة سواء بجلبها من دول أخرى، أو من الحدائق المحلية هنا بالجزائر، تنقسم الأصناف الموجودة في هذه الحديقة بين الطبية والزهرية وغيرها، كما ساعد كذلك المناخ المميز نمو هذه النباتات والحفاظ على جمالها، حيث يتصف بالرطب البارد شتاء وبالرطب الحار صيفا، نتيجة لقربها من البحر الذي لا يتجاوز المسافة بينها مئتي متر. الزائر لهذه الحديقة حين يدقق في تفاصيلها يجد أنها حديقة تنام تحت تلة عالية، ساعدتها هذه الأخيرة  لجنب مختلف الظروف الطبيعية القاسية.

..وللحيوانات سحرها

يعتبر ملحق تربية الحيوانات، الشطر الأهم عند الزائرين، خاصة الأطفال، الذين يتدافعون من أجل الوقوف على أنواع عديدة من السلالات، خاصة التي وصلت إلى مرحلة الانقراض، غير أن الحديقة مازالت تضم بعضا منها، يصل عددها تقريبا إلى مائة نوع من الحيوانات.

فضاء للسياحة والتعليم

لم يقتصر دور هذه الحديقة على الترفيه والسياحة فحسب، فقاصدوها ليسوا فقط ممن يريدون التنزه وشم الهواء، بل تحولت إلى فضاء للزراعة المخبرية بكل أنواعها، كما أن الحديقة تضم عدة فروع وملاحق مختصة في علم النباتات والحيوانات بمختلف أنواعها، فنجد منها مدرسة البستنة، مدرسة للتربية البيئية، ومدرسة لتربية الأسماك، وأخرى للنحل والعصافير، كما خصص القائمون على الحديقة ملحقا لتدوير بقايا النبتات والأوراق والتي تحول بعد المعالجة إلى أسمدة تستفيد منها الحديقة وهو استثمار داخلي مفيد.

هي رحلة تقودك إلى ملامسة سحر الطبيعة، بمختلف أنواعها، تكتشف فيها عالما استثنائيا موجودا في الجزائر، وليس ببعيد عنك، كلما زرت هذا المتحف كلما جذبك الشوق إليه وحب الاطلاع  عليه مرة أخرى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • karim

    al mostadmir" qui vous a créé ce bel espace. Pourquoi vous êtes si négatif? la guerre est finie, tournez la page"

  • Omar one dinar

    PENDANT LA PERIODE DE CHADLI LES ANNEES 80.CE BEAUT HERRITAGE .ETE PARTAGE EN 15 LOT POUR QUELQUES HADRAOUISTE .ILS ONT U LEURS PERMIT SO DE CONSTERUIR DEAR PALAIS POUR LOUER ET A HABITER MALHEUREUSEMENT POUR EUX UN TELEX VENANT DE PARIS PARK LINTERMEDIERE DU CONSULAT FRANÇAIS DORAN .TOUT EST ARRETE M SEST POUR SA QUE CE JARDAIN ETAIT FERMER POUR DES ANNEES .ILS ONT DIS A CAUSE DES ANNEES VERTES