-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

متى ينتهي الجدل حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي؟

محمد بوالروايح
  • 8692
  • 12
متى ينتهي الجدل حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي؟

كلما اقترب المولد النبوي بعث من جديد الجدل حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي، بين من يحرمه مطلقا لكونه محدثه وبدعة منكرة، و بين من يجيزه مطلقا لكونه مظهرا من مظاهر الاحتفاء بالمولود وليس بالمولد، و بين من يجيزه بشروط، ومن ذلك ألا يختلط بما يخالف أحكام القرآن والسنة.

قرأت لهؤلاء وهؤلاء حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي، ولكن استوقفتني فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله التي يحرم فيها الاحتفال بالمولد النبوي ولو كان لتدارس السيرة لكون ذلك مشمولا بقوله صلى الله عليه و سلم :”من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”. لم أقتنع بفتوى الشيخ رغم اعترافي بعلو كعبه في الفتوى لأنه لم يرد دليلا نصيا قويا وصريحا شأنه في ذلك شأن كثير من المفتين.

لست فقيها ولا مجتهدا ولكنني قرأت من كتب الفقه وكتب أهل الاجتهاد ما أنار بصيرتي ومدني بالحد الأدنى المتاح من علم الفقه، ومن ذلك هذه الخلاصات التي أقدمها بين يدي القراء و التي أعلم أن بعض إخواننا سيسارعون إلى رفضها بل سيمعنون في التشنيع و التبديع ما وسعهم ذلك.

1- لا ترد في القرآن الكريم و الحديث النبوي عبارة زائدة لا تترتب عليها فائدة ، و بناء على ذلك فقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بأن الترغيب في الحديث :” سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن صوم الإثنين فقال :” فيه ولدت و فيه أنزل علي “، ينصرف إلى الترغيب في صوم الإثنين لأنه –مع يوم الخميس –اليوم الذي تعرض فيه الأعمال على الله و لا تعلق له بمولد النبي صلى الله عليه و سلم و لا ببعثته قول ضعيف لا يرقى إلى أن يؤسس عليه حكم بتحريم الاحتفال بالمولد النبوي .

2- علل الشيخ ابن باز رحمه الله تحريم الاحتفال بالمولد النبوي بأنه مشمول بالنهي النبوي:” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”، و الحقيقة أن الاحتفال بالمولد النبوي لا تعلق له بأحكام الشرع التي تستوجب الأخذ و عدم الرد مصداقا لقوله تعالى :” و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم” ، و قوله تعالى :” و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا”. إن الاحتفال بالمولد النبوي إنما هو من مظاهر توقير النبي صلى الله عليه و سلم و ليس في القرآن و السنة ما ينهى عن ذلك ، فالمحتفلون بالمولد النبوي- لمن يقولون بجوازه- لم يخالفوا بفعلهم هذا أمرا إلهيا أو نبويا فلا يستوجب هذا رميهم بالبدعة و مخالفة السنة إلا من خرج منهم عن مراد الشرع و اتخذ الاحتفال مطية لنشر البدع.

3- إن الاحتفال بالمولد النبوي احتفاء و ليس إطراء و بالتالي لا يشمله نهي الرسول صلى الله عليه و سلم :” لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله و رسوله” ، فالاحتفال بالمولد النبوي إن لم يصاحبه مظهر من مظاهر الإطراء المنهي عنها في الحديث فلا ضير فيه بل قد يصبح مرغوبا فيه في بعض الأحيان.

4- نحن في زمن كثرت فيه الإساءات لنبي الإسلام صلى الله عليه و سلم و اتسعت فيه دائرة العداء للإسلام و فلا ضير تحت دافع الاضطرار للرد على الكفار و شد أزر الأنصار أن يظهر المسلمون حبهم للرسول صلى الله عليه و سلم بنشر سنته في يوم ميلاده صلى الله عليه و سلم ،إعلاء لشأنه و إرغاما لأنوف أعدائه ، عملا بقوله تعالى : ” محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله و رضوانا”.

5- ليس في نصوص القرآن الكريم و السنة النبوية ما يمنع المسلمين من إظهار الفرح و من ذلك فرحهم بمولد نبي الهدى صلى الله عليه و سلم، يقول الله تعالى: ” قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون”. و في سيرة ابن هشام رضي الله عنه أن الأنصار رضي الله عنهم استقبلوا النبي صلى الله عليه و سلم عند هجرته إلى المدينة المنورة بنشيد “طلع البدر علينا من ثنيات الوداع” تعبيرا عن ابتهاجهم بنصرة الإسلام و بمقدم خير الأنام صلى الله عليه و سلم بعد معاناة و مكابدة طويلة ، فكيف يمنعنا بعضهم من الاحتفال بالمولد النبوي مع أننا لا نروم من هذا الاحتفال إلا احتفاء بسيرة المصطفى عليه الصلاة و السلام ، الذي احتفى أمير الشعراء أحمد شوقي بمولده على طريقته الشاعرية بقصيدة مطلعها :” ولد الهدى فالكائنات ضياء ..وفم الزمان تبسم و ثناء”.

6- يقول الله تعالى على لسان عيسى عليه السلام من سورة”مريم” :” و السلام علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حيا” ، فهل بمقدور من يمعنون في تحريم الاحتفال بالمولد النبوي تفسير سر إشارة عيسى عليه السلام إلى يوم مولده و يوم موته و يوم بعثه فإذا لم يفعلوا فلا اعتبار لفتواهم كذلك حول تحريم الاحتفال بالمولد النبوي.

7- إن العلم ليس وقفا على عبد العزيز بن باز رحمه الله ، و في العالم الإسلامي كوكبة من العلماء المشهود لهم بالعلم، و منهم الشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي ، الذي ساق كل الأقوال الواردة بشأن حكم الاحتفال بالمولد النبوي،و قد نقلتها-للأمانة- عن منشور فايسبوكي للأستاذ سليمان بخليلي . يقول ولد الددو :” لاحتفال بالمولد النبوي الشريف على ثلاث صور راجعة إلى اعتقاد الإنسان فيه :

1- من اعتقده عيدا كعيدي الفطر والأضحى فقد ابتدع.

2- من اتخذه ذكرى للنبي صلى الله عليه وسلم باعتباره نعمة من نعم الله، وشكر هذه النعمة بالأعمال الصالحة، فهذا مأذون فيه بل هو مطلوب لأنه أمر بالصيام فيه شكرا لله على ميلاده.

3- من اتخذه مناسبة لبعض الأمور المباحات كإظهار الملابس الجديدة والمطاعم ونحو ذلك فهذا في الأصل من الأمور الجائزة لأنه ليس مما يدخل حيز البدع فالبدع لا تدخل في العادات ولا في اللباس.

9- يقول المحرمون للاحتفال بالمولد النبوي إنه بدعة و لا تقليد لأحد في بدعة كائنا ما كان:” و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم” و يضيفون بأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يحتفل به و لا أمر أو رغب أحدا في الاحتفال به و لا احتفل به الصحابة و لا التابعون و هذا حق و لكن ألا يفسر الاحتفال بالمولد النبوي للمقاصد التي ذكرتها قبلا على أنه سنة حسنة في نصرة النبي صلى الله عليه و سلم ” من سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة و من سن سنة سيئة فعليه وزرها وزر من عمل بها إلى يوم القيامة”و إن مقام النبي الأشرف صلى الله عليه و سلم يتعرض لحملة شعواء من “أحفاد”كعب بن الأشرف الأشرم ألا يشفع لنا ذلك للاحتفال بمولده صلى الله عليه و سلم إعلاء لشأنه و شدا لأزر المسلمين و إغاظة للكفار و المستهزئين ؟؟.

10- ليس في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يؤسس عليه بعض إخواننا حكمهم في تحريم الاحتفال بالمولد النبوي ما يفيد ذلك إلا إذا أصروا كعادتهم على تصحيف كلامه و لي أعناق عباراته ، يقول ابن تيمية رحمه الله : “… ومن خص الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات كيوم الميلاد، ويوم التعميد، وغير ذلك من أحواله.وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه جماعة يتبادرون مكانًا يصلون فيه فقال: ما هذا؟ قالوا: مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك من كان قبلكم بهذا, فمن أدركته فيه الصلاة فليصل، وإلا فليمض”.لسنا ممن يتخذ الاحتفال بالمولد النبوي مناسبة للعبادات فكيف يحاججنا بعض إخواننا في ذلك بكلام ابن تيمية و هو حجة لنا لا حجة لهم؟.

11- نوافق القائلين ببدعية الاحتفال بالمولد النبوي ما كان منه على طريقة المبتدعين الذين اتخذوه وسيلة لإشباع نهمهم و تحقيق أهوائهم ، و كل من سار في ذلك على طريقة الفاطميين العبيديين الذين خلطوا به من المناكر و المظاهر ما ليس من الشرع ، و نأخذ في ذلك بقول المقريزي رحمه الله:” “وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي: موسم رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب، ومولد الحسن، ومولد الحسين.. حتى عد أعيادا كثيرة”.( الخطط 436-2)”. أما أن يكون تحريم الاحتفال بالمولد النبوي حكما مطلقا فهذا مما نرفضه و نشدد على رفضه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
12
  • حماده

    لقد عبرت عن بعدك عن أبسط أمور الفقه في هذا المقال ! أنت من يأتي بالدليل وليس ابن باز لأنك أنت الذي شرعت الإحتفال إذن أنت من تأتي بالدليل ولو كان ابن باز شرع شيئً جديدا نطالبه هو بالدليل.
    هذا الاحتفال لم يفعله لا الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعون ولا القرون المفضلة فكيف يكون مشروعا اليوم؟ كما قال الإمام مالك: ( ما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا ) أضف إلى هذا أنه لم يثبت أنه وُلد في 12 ربيع الأول! صلى الله عليه وسلم
    وينتهي الجدل يوم نفهم الإسلام كما فهمه الصحابة الذين عايشوه غضا طريا
    ينتهي الجدل يوم نقف في يوم العرض ونحاسب على ما قصرنا وعلى ما ابتدعناه في ديننا

  • okbq

    بغض النظر عن كل ما ذكره الكاتب . ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم ليس متفق عليه وكل ما ورد في تاريخ مولده انما هي ظنون وشكوك وليس ثابت. والثابت هو وفاته صلى الله عليه وسلم وقد توفي في ال 12 من ربيع الاول . وقد كان اشد يوم على الصحابة رضوان الله عليهم.
    فلم يحتفل بوفاته ؟

  • عبدالرحيم

    الفكر الوهابي هو طامة الأمّة الإسلامية...عندما يتمُّ اكتشاف خبثهم(الوهابيون).. ستعود الأمّ الإسلامية إلى عزّتها..

  • عبدالرحمن الجزائري

    إن كان التحريف واردا فمن الكاتب غفر الله له، فالأمر واضح جلي، يكفيك أنك قفزت فوق أقوى أدلة المانعين ألا وهو عدم احتفال خير القرون به، ثم ألا نخجل أن نكون متابعين لمن أحدثه (الفاطميون)، وهل عميت أبصاركم عما انجر عن هذه البدع من مخازي يخجل منها المسلمون، من ادعى المحبة فسبيلها الاتباع للسنة، وهي شاقة إلا على من هداه الله وأعانه، نسأل الله أن يجعلنا مستمسكين بخير الهدي هدي نبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
    كلمة أخيرة للمعلقين: كفوا ألسنتكم وأقلامكم عن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، كفاكم سبا وشتما له ولأتباعه، ومن كان رادا فليحاول بالدليل كما حاول كاتب المقال. سلامي لكم جميعا

  • معاوية

    مصادر التشريع في الإسلام هي: القرآن و السنة و الإجماع و القياس.
    لا تقل لي لا يوجد نص يقضي بتحريمها، فأنت ذكرت كلام كبار علماء الإسلام رحمهما الله، الشيخ ابن تيميم و الشيخ ابن الباز.
    ما داما قدما فتوى بأن الاحتفال بالمولد بدعة فلماذا التفلسف إذن؟
    فطالب الحق يكفيه دليل و طالب الهوى لا يكفيه ألف دليل

  • الجزائر وطني

    أنت ترى أن عامة الناس لا يأبهون بهؤلاء...وإثارة مثل هذه المسائل إنما هو من أجل صرف الناس عما يحدث..ففي الوقت الذي ترى فيه الأمة منشغلة بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ترى هؤلاء منهمكين في الدعوة إلى مقاطعة تركيا!...مما شجع فرنسا على التمادي في غيها والزعم أن المقاطعين قلة من المتعصبين..

  • حواس

    أنا لم أحتفل ابدا في حياتي بالمولد. لعدة أساب منها لا يوجد دليل صحيح ان الرسول صلى الله عليه و سلم ولد يوم 12 ربيع الأول. لكن توفي صلى الله علي وسلم يوم 12 ربيع الأول هذا مؤكد. يعني في الحقيقة نحن نحتفل بوفاته صلى الله عليه وسلم وليس بمولده.
    بإضافة لأنها بدعة إنتشرت فقط في القرن العشرين الميلادي. المسلمون لم يكونوا يفعلونها من قبل.

  • Karim

    الاحتفال بالمولد النبوي هو يوم من أيام الله مثل يوم عشوراء الإسراء و المعراج فتح مكة يوم بدر .......تربطنا بهويتنا الإسلامية كشجرة طيبة و الذين يدعون العكس يريدوا لنا أن نكون كشجرة خبيتة .

  • قناص بلا رصاص

    عندما تنتهي كل الدول من التطبيع مع العدو الغاشم و الأبدي، سيخرج علينا من تعرفون ليفتوننا في جواز الإحتفال. أنا لا أعرف و لم أقرأ لمحمد عبد الوهاب و لن أتجن عليه، و لكن من يدعون إتباعه أفسدوا علينا ديننا و حياتنا و غضوا الطرف على الأمور المصيرية بل أصبحوا يبررون و فقط لكل ما يقوم به ولي العهد المدلل.

  • مسلم بن عقيل

    نحن نحتفل به ولانابه لاتبا بن سلمان وهيئة الترفيه الوهابية
    مالفرق بين من يقولون بعدم الاحتفال و يكفرون المحتفلين بالمولد رغم انها مناسبة لجمع الشمل و تدارس السيرة لاصلاة على النبي وبين شارلي ايبدو نفس الافكار والمنبع الصهيو وهابي

  • مشاشي

    في عقول الكثير من الجزائر الجدل حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي لن ينتهي لأنه ببساطة لم يبدأ بعد أي هذا الجدل لا وجود له أصلا أي لا حدث أما البقية من الذين تحول الاحتفال من عدمه قضية الساعة بل قضية القضايا فان استعصى عليهم الحسم في هذه القضية فعليهم بالاستنجاد بعلماء وعباقرة الأزهر : سعاد صالح والزمزمي وصبري عبد الرؤوف وخالد الجندي ... وغيرهم فهؤلاء يستطيعون تغيير وجهة شروق وغروب الشمس وفي رمشة عين

  • ناجي بن العيد الطريفي

    وهناك قوم حرموا الاحتفال بالمفرقعات و الالعاب النارية مع انها مظهرمن مظاهر الاحتفال الجلية وذلك بدعوى التبذير و الاحداث الماساوية فنقول لهم : انتهوا عن ملء البطون و الرقص والمجون وننتهي عن المفرقعات و القنابل والبارود وتختفي البدعة ويتهنى الفرطاس من حك الراس - وان عدتم عدنا-