-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مجلة برازيلية تستهوي باحثينا ! لماذا؟

مجلة برازيلية تستهوي باحثينا ! لماذا؟

لا نعرف سوقا يعرف الفوضى التي يعيشها الآن سوق المجلات الأكاديمية لِما فيه من تجاوزات لا يلاحقها القانون ومن مخاطر على البحث العلمي والإنسانية. ذلك أن جلّ نتائج ما ينشر اليوم بأقلام الباحثين الجامعيين عبر العالم صارت غير وثيقة. وما يترتب على ذلك أن الكثير من البحوث اللاحقة ستبني دراستها وتحاليلها على نتائج واهية مما نشر قبلها. وهكذا، من الجائز أن يقوم تصنيع تجهيزات أو تركيب مواد كيميائية ونحوها على تلك الأخطاء فتكون المصيبة أعظم. وهذا ما يخشاه العلماء منذ مدة ويحذرون منه أكثر فأكثر. وما سبب هذا التهافت على النشر في المجلات الأكاديمية؟ إنه سلوك تُمْليه قواعد الترقيات السارية في الجامعات ومراكز البحث في معظم بلدان العالم التي تقول: “إن لم تنشر لن تترقى في وظيفتك”.

والباحثون في الجامعات الجزائرية ماضون في هذا الطريق بشكل غير مقبول تجاوز كل الحدود كما سنبيّن أدناه: قبل نحو أسبوع وصلتنا برقية من أحد الجامعيين يشير فيها إلى مجلة برازيلية سيئة السمعة صارت تجلب عددا لا يصدق من الباحثين العاملين في جامعاتنا المختصين في الحقول العلمية. كنا نحسب أن الزميل ربما أخطأ التقييم، فحاولنا التأكد مما ذهب إليه، ومن ثمّ وقفنا على عملية نصب يندى لها جبين كل من يحترم أخلاق التعامل مع العلم والنشر في مجاله. دعنا نتعرف على هذه المجلة، وعلى سلوك المئات من بحاثينا العلميين.
المجلة البرازيلية
إنها مجلة إلكترونية برازيلية لا تصدر عن هيئة علمية وإنما هي مجلة تديرها سيدة يُذكر أنها تحمل شهادة ماجستير، ولها هيئة تحرير تتكوّن من 10 أساتذة كلهم من البرازيل عدا واحد من البرتغال وآخر من جامعة بشّار(الجزائر). تحمل المجلة عنوان “دراسات في الهندسة والعلوم الدقيقة” (Studies in Engineering and Exact Sciences)، ولذا فهي تنشر -حسب تعليماتها- في كل فنون العلوم حيث نقرأ: “تنشر مقالات أكاديمية وعلمية حول المواضيع المتعلقة بمجالات الهندسة والعلوم الدقيقة، بالإضافة إلى التخصصات الفرعية مثل الهندسة المدنية، والهندسة التعدينية، وهندسة المواد، والهندسة المعدنية، والهندسة الكهربائية، والهندسة الميكانيكية، والهندسة الكيميائية، والهندسة الصحية، وهندسة الإنتاج، والهندسة النووية، وهندسة النقل، والهندسة البحرية والمحيطية، والهندسة الفضائية، والهندسة الطبية الحيوية، والرياضيات، والاحتمالات والإحصاء، والمعلوماتية، والفلك، والفيزياء، والكيمياء… وهي موجهة إلى الأسرة الأكاديمية من أساتذة، وباحثين، وكذلك الطلبة في مرحلة البكالوريوس والدراسات العليا، فضلا عن المتخصصين في المجالات ذات الصلة”.
من هنا يبدأ التساؤل: كيف لمجلة أن تتطرق إلى كل هذه الاختصاصات وهيئة تحريرها تقتصر على 10 أفراد لا تغطي تخصصاتهم كل هذه الحقول العلمية؟ ثم إن المجلة تؤكد على أن “جميع المقالات المقدمة لها ستخضع للفحص والتقييم، وسيتم الحكم على جودتها من قبل مقيمين خارجيين من الأقران”. كيف لهذه الهيئة أن توجه البحث الذي يصلها إلى المقيم المناسب إن كان لا يوجد من بين أعضائها مختصون في مجال المقال المرسل؟
من جهة أخرى، تزعم المجلة أنها “تعتمد على نظام التحكيم المزدوج التعمية، مع حد أدنى من مقيميْن اثنين لكل مقال. وسيتم استشارة مقيم ثالث إذا كانت هناك اختلافات في رأي المقيميْن الأوليْن” ! والأغرب من ذلك أن المجلة تضيف أن أقصى مدة تفصل تاريخ تقديم المقال عن تاريخ صدوره، هو30  يومًا!! عندما نعلم أن المجلة نشرت خلال سنة 2024 نحو ألف مقال وتنشر بمعدل 3 أسابيع بين تاريخ استلام المقال وتاريخ نشره ندرك أن كل مزاعمها -من حيث جديتها في التعامل مع البحوث التي تصلها- مزاعم كاذبة.
الباحثون الجزائريون… ما أكثرهم !

نهتم هنا بهذه المجلة لأنها تمثل ظاهرة غريبة بالنسبة للجزائريين. فقد انطلقت المجلة سنة 2020، وهذا مسارها:
سنة 2020: صدر للمجلة عدد واحد بمقال واحد.
سنة 2021: صدرت 3 أعداد بمعدل مقال واحد في العدد 1، وأيضا مقال واحد في العدد 2. أما العدد الثالث فضم 6 مقالات.
سنة 2022: صدرت 4 أعداد، عدد مقالاتها على التوالي هو: 22، 7، 9، 13.
سنة 2023: صدر عدد واحد بمحتوى 27 مقالا، منها 3 مقالات بأقلام 11 باحثا جزائريا من جامعة الجلفة في مجال الفيزياء.
سنة 2024: صدرت 3 أعداد كالتالي: العدد الأول بـ 175 مقالا كلها لباحثين جزائريين عدا 15 مقالا من جامعات محلية برازيلية أو في محيطها. أما العدد 2 فكان بعدد لا يصدق من المقالات يعادل 650 مقالا، كلها بأقلام جزائرية عدا النادر منها! وفي الأخير نشر العدد 3 بـ 130 مقالا (لحد الساعة) كلها لجامعيين جزائريين عدا 5 مقالات محلية. نشير إلى أنه بعد الانتهاء من كتابة هذا المقال ارتفع عدد المقالات إلى 139 مقالا بأقلام 28 باحثا جزائريا !
وهؤلاء الجامعيون ينتسبون إلى أزيد من 50 مؤسسة من مؤسساتنا الجامعية المنتشرة عبر الوطن من تمنراست إلى العاصمة ومن تلمسان إلى تبسة. والعدد الإجمالي للباحثين الجزائريين الذين نشروا في هذا العدد الأخير من المجلة يناهز 430 باحثا لأنه من النادر أن نجد مقالا بمؤلف واحد، بل المعدل هو 3 مؤلفين لكل مقال، وأحيانا يصل العدد إلى 6 و 8 مؤلفين للمقال الواحد. كما نجد أسماء متكررة في أكثر من مقال في نفس هذا العدد.
أما الجامعات العشر الأولى التي لجأ باحثوها إلى النشر في العدد 3 من هذه المجلة، فهي: جامعة بشّار (38 باحثا… نذكر هنا أن العضو الجزائري في هيئة تحرير المجلة ينتسب إلى هذه الجامعة)، وجامعة بسكرة (34)، وجامعة أدرار (31)، وجامعة قسنطينة (25)، وجامعة باتنة (24)، وجامعة الواد (22)، وجامعة تبسة (22)، وجامعة المدية (16)، وجامعة سكيكدة (16)، وجامعة خنشلة (16). وهكذا يكون مجموع هؤلاء الباحثين 244 باحثا! وما يشد الانتباه أن هذه المجلة صارت مجلة لا ينشر فيها إلا الجزائريين إذا استثنينا عددا ضئيلا جدا من المحليين. وهنا نتساءل: ألم يشعر هؤلاء بأن هناك خللا في المجلة كان من المفترض التفطن إلى ضرورة الابتعاد عنها مادام لا يقصدها إلا بنو جلدتهم؟
لماذا التهافت على هذه المجلة بالذات؟ لأنها بكل بساطة تنشر كل مقال مقابل 55 دولار ولا يهمها موضوع البحث ولا قيمته العلمية. وهذا ما يحلّ مشكل ترقية باحثينا: هم يدفعون هذا المبلغ الزهيد (عموما 15 أو 20 دولارا لكل باحث) فتتم ترقيتهم في سلك التدريس. وما المبلغ الذي جنته المجلة بهذه الطريقة من جيوب الجزائريين خلال 2024؟ حسب هذه الأرقام، فهو يتجاوز 50 ألف دولار!! إنها عملية “بسنسة” يبلغ بها الجميع مآربه عدا الجامعة الجزائرية.
لو تفطنت وزارة التعليم العالي إلى مسيرة هذه المجلة مبكرا وأزالتها من قائمة المجلات المصنفة عندها لحلت المشكلة ولتخلّى باحثونا عن التوجه إلى مجلة من هذا القبيل. ونحن واثقون بأن هناك العديد من المجلات المصنفة في قائمة وزارة التعليم العالي تنتمي إلى هذه الفئة. ولذا فمن واجب الوصاية العمل بجد متواصل على تطهير حقيقي لهذه القائمة التي تسيء لسمعة البلاد قبل أن تسيء لسمعة الباحث الجزائري.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!