-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مجمّعٌ لا يزول بزوال الرجال

حسين لقرع
  • 286
  • 0
مجمّعٌ لا يزول بزوال الرجال
ح.م

سنة كاملة تمرّ على وفاة مؤسس مجمّع “الشروق”، الأستاذ علي فضيل، الذي فجأه الموت في 23 أكتوبر 2019، فكانت فاجعة كبيرة لأهله ولصحفيي المجمع وموظفيه وعماله، وللأحبّة في كل مكان، ولكنّه قضاءُ الله وقدره، والأجل الذي لا يتأخّر ولا يتقدّم.

خلال هذه السنة حدث الكثير، وبدأت سلسلة محاكمة أبرز رؤوس العصابة التي طغت في البلاد وأكثرت فيها الفساد، وكان مجمع “الشروق” أبرز ضحاياها، بعد تحجيم سحب “الشروق اليومي” وحرمانها من حقّها في الإشهار العمومي، ما جعل المجمع يعيش نحو 3 سنوات عصيبة ويعاني أزمة مالية خانقة كادت تودي به وتدفع بالمئات من عماله إلى البطالة، لولا لطف الله الذي قيّض لهذا الوطن شعبا ثائرا مخلصا لم يتحمّل ما يحصل للبلد من عبث بسبق إصرار وترصّد فنزل إلى الشارع لتخليصها من حكم العصابة الفاسدة وتتحرّك العدالة للزجّ بها في السجون لتنال جزاءها في الدنيا، في انتظار جزائها الأخروي عند الله.

وكان ذلك الاضطهاد المسلّط على مجمع “الشروق” السبب الرئيس في مرض علي فضيل وتفاقم حالته حتى أسلم روحه إلى بارئها، فليس من السهل علي إنسان أن يسيّر مجمّعا من مئات العمال، ويُحرم من السحب والإشهار، وتتراكم عليه الديون، من دون أن يتأثر صحِّيا بهذا الظلم والجبروت والاضطهاد الذي لا يطاق، وبذلك تتحمّل العصابةُ قسطا وافرا من المسؤولية في وفاته، وعند الله تجتمع الخصوم يوم القيامة، ولن يظلم ربُّك أحدا.

مخلّفات ظلم العصابة لـ”الشروق” بقيت تؤثر سلبا في المجمع إلى حدّ الساعة، لكنّه بدا يتعافى والحمد لله، لأنّ علي فضيل وضع له أسسا صلبة تجعله يواجه المحن ويصمد أمام الشدائد والأهوال ولا يموت، قد ينحني أمام العواصف الهوجاء ولكنه لا ينكسر لعُمق جذوره الضاربة في تربة هذا الوطن الأصيل..

هنا بيتُ القصيد، لقد مات علي فضيل، والموتُ حقّ على كل بني آدم منذ بدء الخليقة إلى قيام الساعة، لكنّه ترك وراءه مجمعا إعلاميا كبيرا لا يزول بزوال الرجال، مجمّع بدأ في 11 ماي 1991 بأسبوعية “الشروق العربي” التي سرعان ما حققت نجاحا باهرا جلب إليها اهتمام الجزائريين جميعا بفضل تفرّدها في خطها الافتتاحي وجمعها بين السياسة والمجتمع قضايا الشباب والثقافة والفنّ في جريدة واحدة، وحطّمت رقما قياسيا ببلوغها 335 ألف نسخة أسبوعيا في أواسط التسعينيات، ثم تلتها “الشروق اليومي” في 2 نوفمبر 2000، ثم “الشروق أون لاين” في 2005، فقنوات “الشروق تي في” و”الشروق نيوز” بداية من العام 2012، والبقيّة تأتي بإذن الله…

عرفت المرحوم علي فضيل في أواخر الثمانينيات حينما كان نائبَ رئيس تحرير “المساء”، وكنتُ أكتب في صفحة القراء بين الفينة والأخرى وأنا طالبٌ جامعي، ثم فتح لي آفاق الصحافة وضمّني إلى فريق تحرير أسبوعية “المنبر” لأعيش تجربةً إعلامية قصيرة تبعتها الانطلاقةُ الحقيقية في “الشروق العربي” في ماي 1991، وأنا لم أتخرّج بعد في الجامعة، فكان نعم الأستاذ في مساري الصحفي، ونعم الموجِّه والناصح.. حينما تشتغل مع علي فضيل تشعر بالطمأنينة لأنّك أمام إعلامي متميّز يقدّر المواهب، ويأخذ بأيدي الكفاءات، ويُحسن تقدير المستوى المعرفي لكلّ صحفي، ولا يبخس المجتهدين حقّهم، ويقوّم الأخطاء برفق، ويُجيد التوجيه وتقديم البدائل…

كم اشتقنا إلى الأستاذ علي فضيل، كان مميَّزا بطريقة إدارته شؤون العمل، فكان يمزج الجدّ بالهزل، ويُطلق ضحكاتِه ونكته وتعليقاته الطريفة لتخفّف روحُه المرحة من ثِقل أجواء العمل. حينما رأيناه آخر مرّة في منتصف أكتوبر 2019، في اجتماع عقده للصحفيين لطمأنتهم على أجورهم المتأخّرة بفعل جريمة العصابة بحقّ الشروق، كان يحاول أن يخفي آلامه، وهو الذي كان يعاني منذ مدة مرضا في القلب، بابتسامةٍ عريضة وقهقهات خفيفة كان يطلقها بين الفينة والأخرى، ووعدنا بأنّ “المجمع سيستمرّ، وأمورنا ستتحسّن”، ورحل بعدها بأيام إلى دار الآخرة من دون أن نودّعه، فلا أحد فينا كان يتوقع رحيله المفاجئ عن هذه الدنيا الفانية، ولكنها إرادة الله، واليوم تتحسّن فعلا أحوالُ مجمع الشروق باستمرار ولله الحمد والمنّة. رحمك الله يا علي فضيل ونم قرير العين، فالمجمع في أيدٍ أمينة، والجميع على دربك سائرون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!