-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مخابر البحث العلمي: ما لها وما عليها!

مخابر البحث العلمي: ما لها وما عليها!
ح.م

قررت المديرية العامة للبحث العلمي مؤخرا غلق 72 مخبر بحث وإيقاف تمويلها لأنها قدمت “حصيلة سلبية”.
وكانت المديرية قد وضعت مقاييس تقييم عامة لتصنيف المخابر وتحديد الناجحة منها وتلك التي ينبغي أن تغلق.

البداية مع بداية القرن

من المعلوم أن مخابر البحث في مؤسساتنا الجامعية قد رأت النور في مطلع هذا القرن. ويبلغ عددها الآن حسب ما صرح به وزير التعليم العالي 1400 مخبر. ويتمّ دوريا تقييم إنجازات هذه المخابر، وتبعا لذلك أُغلق خلال السنوات الثلاث الماضية نحو 100 مخبر. وهذا ليس “حدثا” يستحق الإشادة أو الإدانة لأن غلق مخابر وفتح أخرى أمر طبيعي يأتي منطقيا نتيجة التقييم.
من جهة أخرى، فإن من عادتنا جميعا التباهي بالعدد بينما التباهي الحقيقي ينبغي أن يركز على النوعية والإنجازات. فمن حق وزارة التعليم العالي أن تأمر –كما فعلت بلدان غربية- المخابر التابعة لنفس المؤسسة أو المنطقة بالتجمّع في مخابر موحدة فيصبح عدد هذه الهيئات 500 بدل 1400 مخبر !أو على العكس من ذلك، يمكن أن تضع الوزارة قانونا يدعم التكاثر فيتجاوز عدد المخابر بين عشية وضحاها 2000 مخبر.
في مطلع هذا القرن راسلت وزارة التعليم العالي الجامعات داعيةً سلك الأساتذة إلى فتح مخابر للبحث مموَلةً من قِبَل الدولة وذلك بهدف تحفيز البحث العلمي في الجامعات. نتذكّر في ذلك الوقت أن بعض الزملاء – ولم يكونوا من صغار السن- انفجروا ضحكًا عندما اطلعوا على دعوة الوزارة! لماذا؟ لأنهم لم يكونوا يعلمون أن الجامعات يمكن أن تضم مراكز بحث في كل العلوم يطلق عليها اسم مخبر! فالمخبر في أذهان هؤلاء كان هو المكان الذي تجرى فيه التحاليل الطبية والكيميائية لا غير، ورفضوا تجسيد ما سعت إليه الوزارة.
أما الآن فسلْ أي أستاذ وأي طالب في الدراسات العليا وستجده ملمًا بدور مخابر البحث في كل الاختصاصات. وهذا يعتبر تطوّرا مهمّا في ذهنيات الجامعيين أدى إلى فتح مخابر بحث في كل مدينة جامعية، بما فيها مدن إليزي وتندوف والطارف والنعامة والبيّض… وفي العاصمة وحدها ناهز عددها 250 مخبرا. كل ذلك لتلبية متطلبات نحو 37 ألف أستاذ باحث وطلاب الدراسات العليا.
وقد أزعجنا في المدة الأخيرة حوار مطوّل في إحدى القنوات الخاصة حيث كان المنشط وبعض مرافقيه يؤكدون أن كل مخبر تحصل على ملياريْ سنتيم، وأن المخابر التي أغلقت لا بد أن يُحاسب أصحابها على تبذير 144 مليار سنتيم!! وكأن الأمر يتعلق باختلاس مثل هذا المبلغ من خزينة بنك، بل أشار أحدهم إلى أن بعض هذه الأموال صرفت في السفريات السياحية باسم طلب العلم!
والمقام هنا ليس لاستعراض القوانين التي تسيّر المخابر ولا لنكران وجود تجاوزات من قبل مسيّري المخابر… دون أن ننسى بأن الآمر بالصرف هو في كل الأحوال مدير المؤسسة وليس مسؤول المخبر. لكننا نستطيع الإشارة إلى عدة جوانب تبيّن أن التجاوزات -وإن حدثت- ليست كما قد يتصورها القارئ.
لعلنا نقول في البداية بأننا لسنا متأكدين من أن كل المخابر تحصلت على ملياريْ سنتيم خلال وجودها. ثم إن الجزء الأكبر من التمويلات تذهب للتجهيز المختلف الأشكال (من الطاولات والكراسي ولوازم المكاتب إلى التوثيق والأجهزة الإلكترونية والآليات اللازمة لتخصص المخبر). والمنتسب للمخبر لا يتقاضى أي أجر أو علاوة، ولا يحظى بأي تكفّل مادي من المخبر عند التنقل إلى الخارج للمشاركة في المؤتمرات أو لإجراء تجارب في جامعات أجنبية يعتذر عليه القيام بها في جامعته. وأقصى ما يمكن الحصول عليه هو تذكرة طائرة إن توفرت الأموال.

الحاضنة الفعلية

في الواقع، ينبغي ملاحظة أن الأموال التي تستخدمها المخابر تساعد الجامعة التي تؤويها لأن مسؤولي المؤسسة غالبا ما يرفضون الطلبات الآتية من هيئة التدريس المنتسبة لمخابر البحث بحجة أن المخبر كفيل بذلك… وكثيرا ما يحدث توتر في العلاقات بسبب هذه النقطة. أخيرا، ننبّه إلى أن في حال توقف عمل المخبر فكل ممتلكاته تعود تلقائيا إلى الجامعة التي تؤويه.
لا بد أن نعرف أن أكبر عمل تقدّمه مخابر البحث هو أنها تعتبر في كل جامعاتنا الحاضنة الفعلية لطلبة الدراسات العليا. ففيها يتم إعداد مشاريع البحث وبرامج الماستر والدكتوراه، وفي مرافقها تجرى التجارب وتُنجز المشاريع. أما الإبداع الجاد ونشر الأبحاث وإنجازها فلعلها تأتي عندنا في المحل الثاني أو الثالث. وهذا هو واقع الحال في الوقت الراهن. وليس من حقنا أن نستهين بدور المخابر ولا أن نضخم منجزاتها.
ومن سلبيات القوانين التي تحكم المخابر أنها لا تسهّل أبدا زيارة الباحثين الأجانب. فقضية غلاء التذاكر عبر الخطوط الجوية الجزائرية مثلا، غالبا ما تطرح بشكل ملحّ منذ عقود لأنها تستنزف ميزانية المخبر والمؤسسة. ثم إن الباحث الأجنبي عندما يأتي إلى الجزائر فإننا لا نقدم إليه سوى المبيت في الفندق والإطعام. ولا يُدفع له دينار واحد! فلو أراد تناول قهوة أو ركوب طاكسي فعليه أن يدفع الثمن بنفسه! وهذا منطق لا يقبله عاقل ولا يشجع الأجنبي على التعاون معنا!!
وتوضيحا لهذا الوضع نسرد المثال التالي : فقد استضاف مخبرنا (مخبر المعادلات التفاضلية الجزئية-القبة) خلال الشهرين الماضيين 5 أساتذة أوروبيين، أتوا في فترات متوالية لمدة أسبوع، عدا واحد قضى يومين كمشرف على طالب ناقش رسالته. أما الأربعة الآخرون فكانوا يأتون صباحا بين الثامنة والتاسعة ويظلون يعملون إلى ما بعد السادسة مساء مع طلاب الدكتوراه من أعضاء المخبر، وكذا مع بعض الزملاء.
بل منهم من قدِم إلى المخبر حتى يوم الجمعة لاستكمال أعمال مع الطلبة والزملاء قبل سفره! ومن يقوم يوميا بنقل هؤلاء الزوار من وإلى الفندق، ومن وإلى المطعم؟ هم الزملاء أعضاء المخبر بوسائلهم الخاصة. لقد قُدّر ما صَرف هؤلاء من أموالهم الخاصة في سبيل السير الحسن لإقامة هؤلاء الزوار نحو 5 ملايين سنتيم. هذا دون أن ننسى الوقت الذي قضوه في أداء هذه المهام.
لذلك نتصور أنه لو تقوم الوزارة بتقييم عدد الزوار الأجانب للمخابر لوجدته في تناقص لأن هذا الأمر أصبح لا يطاق… لا يطاق بسبب بعض القوانين العرجاء التي تحكم المخابر والمؤسسات الجامعية ! وما مشكل الزوار، في آخر المطاف، سوى واحد من المشاكل التي تقف حجر عثرة أمام تطوّر البحث العلمي عندنا. فمتى ستعالج الوزارة هذا الوضع؟!!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
16
  • Ammar

    j'apprécie la pédagogie utilisée par l'auteur de ce texte pour simplifier un sujet complexe d'une manière simple est accessible.
    la jeune expérience des laboratoires de recherches nécessite plus d'attention et de respect. Les résultats suivront inchallah

  • أبو بكر خالد سعد الله

    إلى أحمد
    لا شك أنك تعلم بأن ليس كل أعمال البحث تتم عن بعد مع ما توفره التكنولوجيا من وسائل. للعلم فالمناقشة عن بعد لا بد لها من موافقة وتحضير تقني في الجهتين مرتبط بالزمن لا يتوفر دائما في الوقت الذي نريده.
    وللعلم أيضا فمخبرنا استعمل هذه التقنية خلال الـ 18 شهرا الماضية في 7 مناقشات لأن الظروف كانت متاحة. والأستاذ الزائر لم تكن تلك هي مهمته الوحيدة في الزيارة.
    ثم إن بعض الاتفاقيات مع الجامعات الأجنبية في باب مناقشة الرسائل الجامعية عندما يتعلق بدبلوم مشترك تلزم أن يكون عضو على الأقل من الخارج موجودا في مكان المناقشة.
    أنت ترى بأن الأمور أكثر تعقيدا مما تتصور.
    شكرا.

  • ahmed

    لماذا اضاعة كل هاذ الجهدوالمال والوقت لياتي استاذ من الخارج لمدة بومين. يمكن الاستغناء عن كل هذا بالفيديو كونفرس , اذا كان الغرض الاشراف والتوجيه. ربما الاساتذة الذين ضحكو فهمهم لكلمة مخبر وجيه.

  • الأيديولوجي

    الى المعلق 11
    الكارثة هو أنت... لأنه من الواضح أنك لم تفهم حتى موضوع المقال. فلا تتطفل.
    ولعلمك فإن من يسير البحث في الجزائر قوم لا يفقهون في العربية شيئا.

  • Said said

    بالله عليك كيف نتكلم عن المخابر والجودة ومسيروها من بعض الأساتذة بعيدون عن التخصص كبعد السموات عن الأرض ومثال ذلك مخبر اللغة وفن التواصل بجامعة يحي فارس بالمديه يسيره أستاذ خريج الخروبه تخصص عقيدة . شخصيا أوافق حجار في قراره حتى لا تكون وزارته منفذا لاهدار المال العام.

  • بوليفه

    سياسه التعريب كارثه علي العلم في الجزائر

  • أستاذ

    ملاخظة مهمة أيضا هو أن ماكنة البحث العلمي تسير بالتوازي مع ماكنة الإنتاج الوطني الصناعي والزراعي والخدماتي كلها معطلة !!
    نحن بعد الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي و اتفاقيات الصداقة مع عديد الدول لم نجن منها إلا استيراد منتوجاتهم مع خفض الرسوم الضريبية عليهم ! بالمقابل تعرض الانتاج الوطني إلى مضايقات من رسوم على المواد الأولية و عراقيل عديدة ومنه انتقلنا من استيراد ما قيمته 6 ملايير $ إلى 66 مليار $ سنويا في 20 سنة الأخيرة بالتالي أصبح بلدنا بلد استيرادي معتمد على ريع النفط !
    إذن جل مواضيع البحث اصبحت أكاديمية ولا تمت صلة بالاقتصاد بسبب تعطل الانتاج الوطني

  • جزائري حر

    هدا نتيجة هات تخطي راسي. المهم أنا ناكل مليح.

  • زرزايحي الطاهر

    صدقت ، كلام في الصميم.

  • أستاذ

    أضيف لما تفضل به الأستاذ والله أن المبلغ المذكور لن يصرف !!! معضمه يعود إلى الخزينة في ديسمبرلا لأن عراقيل كثيرة في وجه الباحثين ورئيس المخبر لصرفه ! (إمضاءات مناقصات تأشيرات)
    الإدارة تنظر إلى الباحث أنه سارق مع سبق الاصرار والترصد لذلك مئات العراقيل وفي النهاية يعود المبلغ ولا يصرف !!!
    لا تجهيزات مخبرية ومواد كيميائية ولا مؤتمرات و استقبال خبراء و لا صيانة أجهزة ولا منح للذي يجتهد ويسهر الليالي و يغيب عن عائلته و لا شيئ !
    في الأخير لا يعطى للمخبر إلا بضع ملايين و بعملية حسابية ربما يتم صرف 2 ملايير دج على كل المخابر وهي لا تمثل 0.00001% من ميزانية الدولة !!!
    المندبة كبيرة والميت فأر

  • أستاذ

    في أوروبا لمدير المخبر الحق في توظيف باحثين Post Doc أو ما بعد الدكتوراه كمتقاعدين وله الصلاحية في طلب ما يحتاجه المخبر من وسائل في 24 ساعة و في طلب صيانة الأجهزة المعطلة و في تنظيم الندوات والمؤتمرات و استدعاء الخبراء والأساتذة و تنظيم دروس الدعم !
    الأستاذ لابد أن يكون متفرغا خارج أوقات التدريس للبحث وتوجيع طلبة الدكتوراه و قراءة المقالات وحظور الملتقيات وكل هذا الجهد المضاعف خارج أوقات التدريس يتطلب من الوصاية تشجيعه بالمنح والعلاوات
    نحن منذ 2001 لم يغير مرسوم الساعات الإضافية الذي كان يغير كل 10 سنوات! الآن هو في سنته 18 !
    يتقاضى المتعاقد 500 دج للساعة أي 16000 دج شهريا فقط !!

  • أستاذ

    لقد عجز المخبر على استضافة 5 أساتذة فقط !! هذا دليل على عجز المخبر على أشياء أكثر من مصاريف الاستضافة و الندوات
    أضيف لما تفضل به الأستاذ : والله أن المبلغ المذكور لن يصرف كله !!! معظمه يعود إلى الخزينة لأن عراقيل كثيرة في وجه الباحثين ورئيس المخبر لصرفه !!!
    لأن الإدارة تنظر إلى الباحث أنه سارق مع سبق الاصرار والترصد لذلك مئات العراقيل وفي النهاية يعود المبلغ ولا يصرف !!
    في النهاية سنجد كل مخبر صرف بعض الملايين بالسنتيم نضربه في 1400 مخبر سنجد في حدود 100 أو 200 مليار سنتيم وبالدينار 2 ملايير فقط !! وهذه ستنمثل 0.001% من ميزانية الدولة فقط و هي أضعف ميزانية بحث في العالم !!!!

  • أستاذ

    المليارا سنتيم !! في نهاية السنة يعود جل المبلغ إلى الخزينة العمومية لأنه لن يصرف
    حسب التجارب السابقة ونظرا للعراقيل الادارية فإن كثرة الملفات والامضاءات و طول المدة التي ترهق كاهل مدير المخبر والنتظار من مصادقة المراقب المالي و شروط المناقصات و و و و تجعل أن مغظم الميزانية لن تصرف و تعود للخزينة في شهر ديسمبر و و في الأخير لا نسمع إلا بصرف 20 مليار دينار تقريبا !!!
    أن تكون الميزانية قليلة نعم فقط نطلب السهولة في صرفها أي المراقبة البعدية و الآنية من شراء أجهزة وصيانة أخرى و مصارف التسيير ونحو ذلك مثلما هو معمول به في أوروبا
    لم يتطرق الأستاذ إلى مخابر التجريبية وما تحتاجه من أجهزة

  • معاذ، الجزاءر

    مشكل المخابر يحتاج إلى دراسة جادة وحده من طرف خبراء حقيقيين.. الوضع لا يبشر بخير، و البحث العلمي في تناقص تم، و دليلنا عدد الابحاث المنشورة في كل سنة في كبريات الَجلات العلمية.. ليس هناك جدية من طرغ وزارة التعليم العالب، لتكفل بهذا الملف الشائك...

  • محمد

    إن كانت مخابر البحث العلمي لازمة فيما بعد الدراسة الجامعية فهذا طبيعي ومعقول لأن الجامعة في حد ذاتها مهيكلة للتكفل بطلابها وما يستحقونه من وسائل بيداغوجية انطلاقا من التجهيزات الضرورية وما يتصل بها من ضروريات للدراسة لأن المخابر المتصلة بكل اختصاص تعتبر جزءا لا يتجزأ من الجامعة.أما مخابر البحث التي يرأسها أساتذة مشرفون على رسائل الدكتوراه فهي عموما ممولة من طرف شركات خاصة وبصورة غير معلنة وتتحمل عموما مصارف المؤتمرات داخل الوطن وخارجه لكن دون مراقبة ولا انضباط مما يجعلها توجه نشاط البحث العلمي ولأن نظام توزيع الاعتمادات بوزارة التعليم العالي يخضع لهيمنة المافيات المسيطرة على الإدارة العمومية.

  • Hanaa Jijel

    الملياريي سنتيم المخصصة لشراء الأجهزة العلمية لمخبرنا تم تجميد صرفها من طرف الهيئات المختصة بسبب التقشف و ذلك بعد استكمالنا لكافة إجراءات الاقتناء منذ أكثر من ثلاث سنوات لكن المشكل الحقيقي هو تماطل إدارة جامعة جيجل في توقيع الأوراق ....و ذهبت جهود 7 سنوات في التحضير للمناقصات ادراج الرياح...أمر متعب حقا...