-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بسبب تراجع دور العائلة الممتدة والبرودة العاطفية

مختصون يحذرون… أطفال يعانون الاغتراب الأسري !

آدم. ح
  • 1309
  • 0
مختصون يحذرون… أطفال يعانون الاغتراب الأسري !
أرشيف

يحذر مختصون في شؤون الأسرة والطفولة من تراجع دور العائلة الممتدة في الجزائر، وانتشار ثقافة الأسرة النووية “المعزولة”، ما يؤثر بحسبهم على التنشئة الاجتماعية للأطفال وبروز ظاهرة الاغتراب العائلي وسط الأبناء بسبب انقطاع صلة الرحم، وهو ما يؤثر في هوية وبناء شخصية الجيل الصاعد وبروز العديد من السلوكيات الشاذة التي تجعل من الصغار معزولين اجتماعيا، خاصة مع انتشار تداول الهواتف الذكية وما تسببه من تيهان ذهني ومخاطر افتراضية على القصر..
وفي هذا السياق، أكد الدكتور لحسن بوجناح، مختص اجتماعي وأسري وصاحب أول مركز لإصلاح ذات البين، أن الأسرة الجزائرية اليوم شهدت العديد من التحولات السلبية التي سيدفع الأبناء ضريبتها في السنوات القادمة، حيث اختفت بحسبه العديد من القيم والمبادئ تدريجيا في الوسط العائلي، “ما جعلنا نفتقد التكافل واللحمة العائلية، وهذا راجع على حد تعبيره إلى العديد من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي جعلت من الأزواج الجدد يبحثون عن التحرر والانعتاق من الأسرة الكبيرة ويعلنون مقاطعة غير علنية لجميع الالتزامات والضوابط العائلية”، “حيث بات سكن الزوجة بمفردها في الوقت الحالي أحد شروط الزواج المعلنة، التي تسببت في بروز أسر مشتتة بعيدة عن حكمة الأولياء وتكافل الإخوة وهو ما جعلها هشة تنهار في أول خلاف..” .

العائلة الممتدة لا يجب أن تكون في بيت واحد
وأضاف محدثنا أن مفهوم الأسرة الممتدة حاليا لا يعني إقامة جميع أفراد الأسرة في بيت واحد، فهذا الأمر قد تجاوزه الزمن، بسبب التحولات الاجتماعية والاقتصادية، ولكن يكمن مفهوم الأسرة الممتدة في استمرارية التواصل وصلة الرحم بين أفراد الأسرة الكبيرة، فينشأ ويكبر الطفل على التعرف على أجداده وأعمامه وأخواله وأقاربه وهو ما يبعث عنده أمانا اجتماعيا وعاطفيا، ويجعله يخزن في ذهنه مكانة كل واحد منهم رغم قلة الاجتماعات واللقاءات، عكس الطفل الذي ينشأ معزولا عن عائلته الكبيرة وتنعدم عنده الكثير من القيم والمبادئ والأخلاق التي لا يتعلمها الطفل إلا وهو في فضاء العائلة الكبيرة..
وتعمل الأسرة الممتدة بحسب بوجناح على خلق جيل واعٍ ومستقر، وأسرة سعيدة متماسكة، فالأسرة الممتدة التي يعيش أفرادها في البيت الكبير، ويضم عادة مجموعة أفراد يعيشون تحت سقف واحد، أو في بيوت متقاربة تجمعهم صلة القربى، لا سيما أن هذه الأسرة تلعب دوراً كبيراً في حماية النّشء من الناحيتين النفسية والأخلاقية، وتتسم بتعاضد أفراد العائلة وتلاحمهم، وبشكل خاص في حال غياب الأب.

هجمة عالمية على الأسرة الممتدة
وأكد محدثنا أن تراجع دور الأسرة الممتدة يأتي، في إطار حرب عالمية شرسة على مقومات وكيان الأسرة، “حيث نجحت التكنولوجيا في عزل أفراد الأسرة الصغيرة وهم داخل البيت، فمابلك بالعائلة الكبيرة، التي لم يعد لها أثر في الكثير من الأسر أين غابت كلمة جدي وجدتي وعم وخالي في أفواه الأطفال، وهو ما يؤثر حسبه حتى على الصحة النفسية والعقلية للأجداد الذين وجدوا أنفسهم معزولين في بيوت فارغة بعيدا عن الأبناء والأحفاد وهو ما يجعلهم عرضة للكثير من الأمراض العصرية على غرار الزهايمر..”
وأضاف بوجناح أن عزل الأسرة النووية عن الممتدة يجعلها هشة وضعيفة وعرضة للانهيار، وهذا ما يفسر حسبه الارتفاع الكبير لمعدلات الطلاق في الجزائر، وهذا ما يتطلب بحسبه إعادة التوازن للأسرة من خلال تمتين الروابط والتزاور وتربية الجيل الصاعد على صلة الرحم وحسن الجوار..

أطفال معزولون وأولياء يشتكون

ومن جهتها، كشفت المحامية مليكة بن شيخة، المسؤولة عن برنامج “أنا أسمعك” التابع للشبكة الجزائرية لحماية الطفولة “ندى” في تصريح للشروق أنها تستقبل على الرقم الأخضر “333” الكثير من شكاوى الأولياء حول التصرفات العدوانية والشاذة لأطفالهم بسبب العزلة الأسرية، أين بات الطفل بحسبها حبيس غرفة يبحر داخلها في عالم افتراضي مجهول عن طريق الهاتف الذكي أو الجلوس طويلا مقابل التلفاز، وهذا ما تسبب بحسبها في إصابة هؤلاء الأطفال بنوع من العزلة النفسية والاجتماعية وتجدهم يفضلون الانطواء والانزواء عن الناس ولا يحبون الاندماج وكل ما له علاقة بالجماعة، “ومن الأبناء من يرفض حتى الحديث مع أوليائه..”

مصطلحات انقرضت من قاموس الجزائريين
وأضافت محدثتنا أن هناك العديد من المصطلحات التي كبرنا عليها، على غرار “الدار الكبيرة” التي تعني البيت الذي كان يحتوي الآباء والأمهات والأجداد والأعمام وهو الأمر الذي كان سائدا في الجزائر بعد الاستقلال وإلى غاية التسعينات، والتحول الكبير تضيف مليكة شيخة عرفته الجزائر خلال 15 سنة الأخيرة، بانتشار ما يسمى بالأسرة النووية، أين يفضل أغلب المتزوجين الجدد استئجار بيت خاص منذ اليوم الأول من الزواج عكس الماضي أين كان يقطن المتزوج في غرفة مع أهله ثم ينفصل عنهم، وهذا ما تسبب في ولادة الأبناء وعيشهم بعيدا عن حنان الجد والجدة ” فلم نعد نسمع كلمة “جدي الكبير” و”ماني” أو عمي وغيرها من المصطلحات التي كانت تعبر عن الأسرة الممتدة..
وعن مميزات الأسرة الممتدة، أكدت شيخة “تتميز بتعاضد أفراد العائلة وتلاحمهم، وترسيخ القيم والعادات والتقاليد في نفوسهم خلال فترة التنشئة، وتلقّي النصيحة والمشورة من الأكبر سناً، فضلاً عن تعزيز روح التعاون بين الجميع، وترسيخ سمات المحبة والإخاء والتسامح داخل أفرادها وخارجهم، من خلال زيارة الأقارب ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم”، مؤكدة أن المشكلات الأسرية قديماً كانت تحل بصورة أسرع، بوجود كبير العائلة ينصح ويرشد الجميع، ويتمتع باحترام أفراد العائلة له وتوقيره.

أطفال يعانون من برود عاطفي تجاه أوليائهم
ومن أهم المشاكل والسلبيات التي أفرزها النظام العائلي الحديث التي عادة ما تتفرغ فيه الأم والأب للعمل على حساب تربية الأبناء، هو البرود العاطفي للأطفال اتجاء أوليائهم، حيث تقوم المربية أو الروضة بمهمة تربية الطفل غلال السنوات الأولى لانشغال الأم بالوظيفة، وهو ما جعل الصغار ينادون المربية بأمي، وبعدها تكتشف الأم وجود هوة وبفراغ عاطفي كبير لدى أطفالها، ” وهو ما نستقبله في الكثير من المكالمات عبر الخط الأخضر لشبكة ندى أن يشتكي الأولياء من تبلد عواطف أبنائهم وميلهم نحو العزلة والعدوانية لدرجة أن العديد من الأطفال الذين تحدثت معهم شخصيا في مقابلات علاجية وتحسيسية لا يبدون أي مشاعر حب وعاطفة إتجاء أوليائهم ويميلون أحيانا إلى التمرد.
وأضافت محدثتنا أن العائلة الممتدة كانت تمنح حالة نفسية صحية للأطفال الذين ينهلون طوال الوقت من خبرة الأكبر سناً وحكمتهم، “ولن تغيب القدوة والمثل الأعلى من بيت العائلة حتى إذا غاب الأب لأي سبب، لا سيما أن أبناء المطلقة أو الأرملة أو حتى المرأة العاملة، يتمتعون باستقرار نفسي أفضل إذا كانوا يعيشون في أسرة ممتدة، فالأب يلعب دوراً كبيراً لا يقل أهمية عن دور الأم في تكوين وتنشئة الأبناء، حيث أن أصول التنشئة السليمة تقتضي وجود الأب والأم خلال فترة تربية الطفل، فهو بحاجة إلى من يرشده ويوجهه إلى السلوك القويم، فإن لم توجد هذه السلطة الموجِّهة الضابطة لتصرفاته، فإنه ينشأ ضعيف الإرادة والشخصية، وهنا يأتي دور العم والخال لتعويض ذلك النقص والقيام بتلك المهمة في مشوار التربية “.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!