مخططات الإنعاش
تعيش الاقتصاديات العالمية وخصوصا الاقتصاديات الرأسمالية المتطورة أزمة ـ مالية في بدايتها ـ تمس في الوقت الراهن الاقتصاد الحقيقي فكانت وراء تراجع النشاط الاقتصادي ومن ثَمّ الانحسار الذي يمس في الوقت الراهن مجمل أوروبا.والانحسار هو تراجع دائم للنشاط الاقتصادي.
-
وحسب جريدة (les Echos) فإن “المؤشر الرسمي للانحسار الأوروبي في فرنسا هو كالآتي: ثلاثيان متتاليان تراجع فيهما الناتج الداخلي الخام”.
وتعاني جميع الاقتصاديات الرأسمالية المتطورة حاليا من الانحسار، ويخشى رجال الاقتصاد انهيار بعضها، أي أن تجتاز صعيدا أكثر خطورة يتميّز بتراجع كبير في الاستهلاك والإنتاج، مما جعل نسبة نمو الناتج الداخلي الخام سلبيا على الدوام، كما حدث في أزمة 1929.
وللتصدي للانحسار الحالي، استنجدت الدول المتطورة بكينس ووضعت مخططات إنعاش لم تنجح في غالب الأمر. وفي هذا السياق يقول الأمريكي فيليكس روهاتين “نكره اليوم تدخل الدولة التي نعتبرها بيروقراطية على العموم، لكن الاختلالات التي نعيشها اليوم تؤكد بأنه لا يمكن أن نعتمد كليا على السوق”.
وها هي هذه البلدان تلجأ إلى الدولة عندما خذلها السوق، وهي البلدان ذاتها التي كانت تعاتبنا، نحن بلدان الجنوب، لأننا نعتمد على الدولة في إيجاد ديناميكية تنمية لاقتصادياتنا.فما هو محرم على الآخرين حلال عليها!
وفي الولايات المتحدة الأمريكية استنجد بوش بالأموال العمومية لإنعاش الاقتصاد، وكان الرئيس الجديد باراك أوباما قد أعلن أنه يحبذ تدخل الدولة في السياسة الاقتصادية قصيرة المدى.أما في المملكة المتحدة، فقد أعلن صراحة الوزير الأول، غردن براون، بأنه يدعم الإنعاش على الطريقة الكينيسية.
وفي أوروبا، تنوي الحكومات الأوروبية أن تحول البنك الأوروبي للاستثمار إلى صندوق مستقل لإطلاق مخطط استثمارات عمومية في البنى التحتية وبالتالي إنعاش التنمية. كما ينوي الاتحاد الأوروبي إلغاء ميثاق الاستقرار الذي يحدد العجز العمومي بـ3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في الدول الأعضاء.وفي اليابان، وافقت الحكومة مؤخرا على مخطط إنعاش بـ40 مليار أورو.
وما يجب تذكّره الآن هو أن الإنعاش الاقتصادي من خلال الطلب متزامن في العديد من البلدان التي تواجه سوية الأزمة الاقتصادية. وباعتبار أن هذه الأزمة عالمية، فإن ردة الفعل يجب أن تكون عالمية حتى وإن بقي المحتوى الفعلي لبرامج الإنعاش خاصا بكل بلد.
لكن، هل تعني العودة إلى كينيس نهاية الليبرالية وإعادة بناء رأسمالية خالصة وقوية؟
إن هذا اللجوء إلى الدولة والاستعانة بتدخلها مؤقتان في نظر حكام البلدان الرأسمالية المتطورة. والأمر لا يتعدّ مجرد مساعدة القارب على تخطي العاصفة، وليس تغيير القارب أو حتى القبطان. وكان جورج بوش قد قالها صراحة “لا يمكن الرجوع إلى الحمائية ولا التخلي للدولة عن المقود… القليل من التنظيم يكفي”. وتصريحات بوش هنا تذكّرنا بالعبارة الشهيرة لريغن “الدولة ليست الحل، بل المشكل”.
ومن جهتهم اهتز الحكام الأوروبيون لحجم الأزمة ودعوا إلى العودة إلى “الرأسمالية الجيدة”؛ رأسمالية الإنتاج المبنية على المؤسسة الخلاّقة للثروات، وليست الرأسمالية المالية المضاربة. كما أن البلدان الأوروبية تعلق أمالا كبيرة على الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما في إعادة بناء الرأسمالية وتنظيمها وإيجاد مكان للدولة فيها. ولكن، هل تقبل هذه الدول ـ في إطار التنظيم العالمي ـ بمكان للاقتصاديات النامية الهندية والصينية والبرازيلية والجنوب إفريقية في الوقت الذي تُبدي هذه الاقتصاديات تنافسية كبيرة وتكسب معارك في السوق العالمية؟
لا شك أن الاقتصاد العالمي دخل في مرحلة الشك الذي يمسّ في المقام الأول التنظيمات الجديدة للرأسمالية التي يجب أن توضع وتدفع بالقاطرة إلى الأمام. -
———
-
ترجمة ايمان بن محمد