-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
يرفضه المجتمع بعد شفائه:

مدمن المخدرات… الرجل الذي لا توبة له

فاروق كداش
  • 2415
  • 2
مدمن المخدرات… الرجل الذي لا توبة له
أرشيف

 الشباب، نعمة قد تنقلب إلى نقمة أحيانا، سمّه نزقا أو طيشا أو لامبالاة، لكن هفواته فضيحة لا تكفر إلا بجلد الروح ألف جلدة، ونزواته تهم تلتصق بالجسد كالعلق.. قد يصحو الشباب يوما بعد زوال الرحيق، ويصحو معه من أدمن على الأفيون والقنب والهيروين والصاروخ والأمفيتامين.. ولكن، هل هي اليقظة ذاتها. الشروق العربي، تفتح ملف العائدين من الإدمان ونظرة المجتمع إليهم.

هناك عديد القصص والشهادات لشباب عاد إلى جادة الطريق، وغير حياته كليا، بعد أن كان غارقا حتى عنقه في إدمان الكيف والزطلة والحبوب المهلوسة والكوكايين، وغيرها من المخدرات المربكة للعقل، الموهنة للجسد، على غرار نسيم، شاب في مقتبل العمر، بدأ رحلة الإدمان منذ سن السادسة عشرة، لأسباب يعرفها الجميع، وهي الفاقة والصحبة السيئة والمحيط المسموم، وكانت وفاة صديقه المقرب بسبب جرعة زائدة من الصاروخ سببا في قلب حياته رأسا على عقب، كان جسده المسجى أمام عينيه صفعة من الحياة.. ولما فاته قطار التعليم أعاد ترتيب أوراقه ودخل تكوينا في النجارة، وهاهو يحضر نفسه لفتح ورشة مع شريك له.

وعلى خطى نسيم، نكص شاب آخر على عقبيه، وعاد من رحلته مع المخدرات، التي دامت أكثر من عشر سنوات، قضاها في التسول والسرقة من أجل شراء الحبة التي تولجه جنة الدنيا، ولكنه استقيظ على جهنم أكثر استعارا… وكان قاب قوسين أو أدنى من الموت، كانت مرحلة علاجه طويلة، ودخل مصحة خاصة بالعلاج من الإدمان، ونجح أخيرا في الخروج من النفق الكالح.. وبقي أمر واحد ينغص عليه حياته، وهو نظرة الناس إليه.. فقد عهدوه مدمنا عربيدا، ولم يصدقوا أنه أقلع عن الإدمان، ولا يزال إلى حد الآن باعة الصاروخ يلاحقونه كي يشتري منهم، ولو قرصا، وهو يكابد عناء الرفض.. وحاله تقول: “دعوني في سلام”.

قصة أيمن انتهت مع الإدمان منذ خمس سنوات، وكان مدمنا على الزطلة، التي يعتبرها البعض مخدرا هينا ولا يضر أحدا، كما يقول أحدهم، غير أن أيمن عانى الأمرين، ولولا أسرته، وخاصة أخاه الأكبر، لضاع وضاعت مع “ڤاروه” حياته.

يعترف أيمن بأن نظرة والدته هي أشد ما يهابه اليوم، نظرة متوجسة من أن يعود إلى إدمانه في أي لحظة.. أيمن بعد أن خفت نظرات أمه إليه، واجه نظرات المجتمع الأكثر قسوة، فبعد تحصله على منصب عمل جيد، أراد إكمال نصف دينه، لكنه قوبل بالرفض مرات عدة، وما حز في قلبه انقلاب أبناء الحي ضده، بعد أن خطب زميلة له، فوشى به بعضهم إلى والد زميلته، وفسخت الخطوبة.. لكن الله منّ عليه بعدها بفتاة صالحة، تقبلت الأمر بصدر رحب، وهو الآن زوج سعيد وأب لطفل… “إن بعد العسر يسرا”.

أردنا معرفة رأي هذا المجتمع من خلال سؤال بعض العينات منه، منهم منير، الذي يقول في مسألة الإدمان: “التخلص من الإدمان صعب للغاية، أعرف جارا لنا في الحي لم يكف عن الإدمان إلا بعد تجاوزه الخمسين، بعد أن تآكلت أسنانه واسودت سحنته، وهذا رغم زواجه وإنجابه طفلين.. إذن أنا لا أؤمن بهذا التغيير إلا أن يتبع بأفعال”. من جهته، يرى عبد الرحمن أن على المجتمع ألا يطلق أحكاما مسبقة على المدمن السابق: “عفا الله عما سلف”.. سارة، لا ترى الأمر هينا، وترفض أن يكون زوجها المستقبلي مدمنا سابقا، ولو تاب: “قد يعود في أي وقت إلى إدمانه، هذه مخاطرة لست مستعدة لخوضها”. أما كوثر، فلا تجد مانعا من الزواج من رجل أدمن في شبابه وتاب بعدها: “الإدمان طيش سرعان ما يزول مع التقدم في العمر والزواج والإنجاب إلا من أبى التوبة”…

وهنا تضع كوثر سكينا على جرح غائر لأن جزءا من الذين سألتهم يرون أن هذه الفلسفة هي سبب مصائب الكثير، خاصة إن أضفنا إليها إيعاز الوالدين، اللذين يؤمنان بمقولة: “كي يتزوج يستعقل”.. ولكن، شتان بين المغامرات الشبابية وإدمان الكاشي والصاروخ والعقاقير بألوان الطيف القاتلة.

ويقودنا هذا اللغط إلى قص حكاية نايلة، التي تزوجت رجلا رأته صالحا، لكنها اكتشفت أنه مدمن مخدرات، ولم يقلع رغم إنجابه طفلين. اضطرت نايلة إلى مصارحة والدته كي تجدا حلا معا، لكن “العجوزة” اتهمتها بأنها سبب تعاطيه، لأنها لا توفر له عشا زوجيا مريحا… ولكن طار الحمام من العش، ولم يعد، وتفاقمت المشكلة بينها وبين زوجها بتحريض من أمه إلى أن تم الطلاق.. بعدها، أعادت نايلة ترتيب سلم أولوياتها، وأكملت دراستها وتحصلت على الدكتوراه وعملت أستاذة معيدة في الجامعة، بينما ساءت حال طليقها إلى أن مات بسكتة قلبية بعد أن أضعفت المخدرات قلبه وغرزت والدته آخر المسامير في نعشه.

قد تكون رحلة العودة من جحيم المخدرات صعبة وطويلة، وما يزيدها صعوبة نظرة المجتمع إلى المدمن السابق، ولو تكاتف الجميع لإنقاذه لنجا وعاد يتنفس الحياة من جديد، ولكننا نعرف سرائرنا وما تخفيه.. فرفقا يا ناس بهؤلاء، فكلمة قد تنجيهم، وكلمة قد تهوي بهم في دياجير الضياع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • نذير

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه.

  • رشيد

    الإدمان كلمة ذات معنى كبير وعميق، لن يفهمها الا من عانى ويلات الدوبامين والادرينالين وما شابههما.