-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مروة.. قتلوها مرتين

مروة.. قتلوها مرتين

في الوقت الذي كانت فيه مروة هناك في العالم الآخر، مسلّمة روحها لبارئها، مُدفّأة برحمة الرحمان الرحيم، بعد أن تعرّضت للقتل والتنكيل والدّفن، كانت خناجر مرضى النفوس، من الذين تعاطوا الفايس بوك بكِيره وعفنه حدّ الثمالة، تمزِّقها وتشرب من شرف البريئة، طلبا لإعجاب أو قلب أحمر مزيف، في جريمة أخرى لا نظنّها أقل إيلاما من جريمة القتل والتنكيل والدفن التي تعرضت لها صغيرة والديها وصغيرة كل الجزائريين.

لقد تاهت بنا سفينة مواقع التواصل الاجتماعي، من دون رياح، بعيدا جدا، وبدلا من أن تكون وسائط للتواصل الاجتماعي، صارت وسائط للنميمة والمكائد والتنافر.

وكل الهبّة التي أعلنها أهل الخير عبر نفس الوسائط، غداة اختفاء الصغيرة، قابلها مرتزقة العالم الأزرق بقلوبهم السّود، فنالوا من “الموءودة” هناك في جبل الوحش، قتل وقتل، من دون أن تدري مروة: بأي ذنب قتلت.. ثم قتلت؟!

المشكلة ليست فقط في هؤلاء المغرّدين عفوا النابحين الذين مزقوا قلب أم مكلومة بفراق ابنتها وأب ما عاد يفرّق بين نبض ودمع وشجن، وإنما بالخصوص في الذين يتابعون هؤلاء المرتزقة، فيعلقون ويُعجبون ويساعدون في نشر التفاهات، التي جعلت أصحاب بعض الصفحات، مخبرين ونفسانيين وعلماء اجتماع، يعيثون في صفحاتهم فسادا باسم “حرية التعبير”.

قد نجد أعذارا للذين يتنابزون في حق أقوام أثرياء ويسخرون من فنانين ونجوم كرة، وعامة الناس، عبر صفحات الفضاء “الأسود”، ولكن أن تطول الألسنة والأقلام، طفلة بريئة أشبه بالملاك لم تبلغ بعد سن الخطأ ولا نقول الخطيئة، وأن تطعن إحساس أب ضيّعه فراق ابنته وأمّ فقدت شهية الحياة إلى الأبد، بل الحياة نفسها، فالأمر هنا يحتاج إلى ثورة على العبث الأزرق، لأن جرائم المواقع صارت أشد خطورة من جرائم الواقع.

ما حدث للصغيرة مروة التي كانت تحاول العودة ذات خميس مسرعة إلى بيتها لتبشّر أمها بتمكنها من أسئلة امتحان التاريخ، فما عادت وما أخبرت أمها، هو أمرٌ فظيع جدا، ردّنا وما كنا نظن أننا سنعود إلى أخبار الاختطاف والقتل والتنكيل بالجثث، لكن ما حدث من إشاعات وتجاوب البعض معها، هو أمرٌ أفظع وجب البحث السريع في سبل توقيفه وتجريمه والزج بمقترفيه في غياهب السجون مع المجرم الذي خطف الصغيرة وخطف معها سعادة الجزائريين ودسَّها في التراب، بعيدا عن قلب أمها وقريبا من قلب مرتزقة مواقع التواصل الاجتماعي.

طوبى لك مروة؛ فقد نلت الشهادة مرتين.. طوبى لك فقد رفضت أن تعيشي مع ممزقي الأجساد في الواقع، وممزقي الأفئدة في المواقع، طوبى لك فقد كشفت الوجوه البشعة والملطخة بالعار والمقنَّعة في صفحات النذالة والوقاحة والحقارة.. لقد أخجلت من لا حياء له، وأحييت بموتك الحياء.

من حقك مروة، أيتها الموءودة، أن تسألي: بأي ذنب قُتلتِ.. مرتين؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!