-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مسار انقلابٍ مدني على سلطة الشعب

حبيب راشدين
  • 2618
  • 0
مسار انقلابٍ مدني على سلطة الشعب
ح

بقليلٍ من التدبُّر العاقل المُنصف، سوف يكون بوسع المواطن الفطن أن يحسم أمره مما هو مقترَح من حلول ومخارج للأزمة تحت عنوانين رئيسيين: الانتقال تحت سقف الدستور وعبر مؤسساته لملء موقع السلطة الأول بالرئاسة كما هو وارد في خارطة مؤسسة الجيش، ومسار آخر يتستر خلف عبارة “الانتقال الديمقراطي” لتنفيذ عملية سطو موصوف على السلطة التأسيسية للناخب، والتي تمرُّ حتما عبر الصندوق.

المتابع لنشاط قوى المعارضة، وبعض جمعيات المجتمع المدني، يكون قد استوقفه كثرة المبادرات الفردية والجماعية، تتقاطع جميعها عند إلحاح مريب على الخروج السريع من الدستور وإسقاطه، مع اقتراح تنصيب هيأة رئاسية “توافقية” بـ”الكولسة” ونظام “الكوطات” يسلَّم لها ما كان من سلطات واسعة بيد الرئيس لقيادة مرحلةٍ انتقالية مفتوحة على المجهول، لا أحد يعلم من هي الجهة المالكة لسلطة إسقاط الدستور، وحل مؤسساته، ونقل صلاحياتها التشريعية والتنفيذية لهيأة رئاسية مستقطبة، سوى ما خبرناه في تسعينيات القرن الماضي مع صيغة المجلس الأعلى للدولة، والمجلس الوطني الانتقالي برئاسة بن صالح، وعضوية أغلب الأحزاب العلمانية واليسارية التي كان الصندوق قد لفظها.

بعيدا عن التدقيق في المعوقات الموضوعية لتنفيذ مرحلةٍ انتقالية خارج الدستور، وهي كثيرة، ليس أقلها رفض مؤسسة الجيش مرافقتها كما يراد لها أن تكون كـ”حارس بوابة” فإن موطن التعويق الأول لهذا المسار نراه اليوم قائما في صعوبة إنتاج توافق بين أصحاب المبادرات، بين من يريد السيطرة خارج الدستور والقانون على مؤسسات الحكم، ثم الإفصاح لاحقا عن خارطة الطريق للعودة إلى المسار الانتخابي، ومن يريد المرور بالقوة عبر مسار “المؤتمر التأسيسي” الذي يستحوذ على سلطة إعادة كتابة الدستور، وبناء جمهوريةٍ وهمية على مقاسه، تجهز على التوافق الهشّ القائم في الدستور حول ملفات الهوية.

أغلب المبادرات الصادرة عن عائلة فكرية واحدة، فاقدة للقواعد الاجتماعية، لم تخف تطلعاتها لتسخير المرحلة الانتقالية خارج الدستور لفرض قواعد لعبة جديدة، تعيد إنتاج مضمون الشعار الإقصائي الذي رفعته في تسعينيات القرن الماضي يقول: “لا حقَّ في الديمقراطية لأعداء الديمقراطية”، وقد أضافوا إليه اليوم شرط اقصاء جميع القوى السياسية التي وُظفت كواجهة سياسية للنظام، ثم لا يحقُّ بعدها لأي كيان سياسي المشاركة في المسارات الانتخابية ما لم يوقع على وثيقة تحرِّم عليه معارضة مشاريع ضرب القيم الوطنية والدينية، والقبول مسبقا بحق الأقلية في فرض قيمها على الأغلبية.

من الواضح أن هذا المسار محكوم عليه مسبقا بالفشل باستحالة بناء توافق حوله، إلا إذا استعان بالقوة لفرضه، وليس له لا القوة الاجتماعية والسياسية الداعمة، ولا يمكن له أن يعول على مؤسسة الجيش، التي ترفض أن تشارك في “مسار انقلابي” آخر فضلا عن المعارضة المتوقعة من القوى التي يريد هذا المسار إقصاءها، لنتوقع منذ الآن قيام شارع آخر من رحم الشارع الحالي يحاصر هذا المسار، وندخل وقتها في نفق مظلم وفراغ في جميع مؤسسات الحكم يسهِّل قيام العصيان المدني المُنتج للفوضى.

أغرب ما في هذه المقاربات، ليس أنها تصدر عن أقلية موصوفة تعلم أنه لا نصيب لها في السلطة عبر الاحتكام للصندوق، بل التحاق بعض الكيانات الوافدة من عائلات فكرية، يُفترض أنها على طرفي نقيض مع القوى العلمانية، وأعني بها: بعض الأحزاب “الإسلامية” وجمعية العلماء المسلمين، ومنظمة المجاهدين، وبعض “إيقونات” ثورة التحرير، في ما يشبه زواج المتعة لبعض ساعات، مع “ذوات الرايات” التي تنصب “خيمها” كل جمعة أمام البريد المركزي وساحة أودان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!