مشاهد تسليم الأسيرات تنسف ادعاءات نتنياهو

يؤكد الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني محمد الأخرس، أن مشاهد تسليم المقاومة للمحتجزين الصهاينة، أصاب دولة الاحتلال في مقتل ونسف زيف الادعاءات التي لطالما رددها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أنه تمكن من القضاء على المقاومة.
وشدد الأخرس في هذا الحوار مع “الشروق”، أن تلك المشاهد لها تأثير بالغ على دولة الاحتلال، حيث تؤكد بقاء وقوة المقاومة بعد مضي 15 شهرا من حرب الإبادة.
كيف قرأت مشهد تسليم المحتجزين الصهاينة نتحدث عن الدفعة الأولى التي شملت أربع مجندات، من قبل المقاومة للصليب الأحمر في وسط غزة؟
المشهد الذي أظهرته المقاومة في عملية تسليم المجندات الأربع، هو يختصر الصراعات، صراع الإرادات الذي حكم هذه الحرب الطويلة التي امتدت أكثر من 15 شهرا، لأن هنالك عدة دلالات خلال عملية التسليم تشير بشكل واضح أن المقاومة تعمدت بعث بعض الرسائل التي تحاول فيها كسر سردية النصر المطلق الذي قدمه نتنياهو للمجتمع الصهيوني وقدمها لحلفائه حول العالم للتعويل على القوة الغاشمة للعقاب والانتقام من الشعب الفلسطيني.
ما الرسائل التي أرادت المقاومة بعثها إما للداخل الفلسطيني وللخارج تحديدا دولة الاحتلال؟
أولا، كون عملية التسليم جرت في منطقة تُعد في شمال الوادي، وهي منطقة تكثّفت فيها في الأشهر الأخيرة العملية العسكرية في مدينة غزة ومحيطها، هذا بحد ذاته له معنى سياسي على اعتبار أن الاحتلال كان يعول طيلة الفترة الماضية أن هذه المنطقة أصبحت تحت السيطرة العملياتية، وأنه يستطيع أن ينفذ فيها أية عملية عسكرية بالصورة التي تتواءم مع الأهداف التي وضعها.
لذلك، إن المقاومة تستطيع إخراج هذا الكم من المقاتلين وأن تصدر هذه الصورة وأن تشير إلى قدرتها الاستخباراتية بالحفاظ على العدد من الأسيرات أحياء في هذه المنطقة التي اعتبر العدو أنه مسيطر عليها، هذا له معنى سياسي كبير يشير إلى مدى استحكام المقاومة على الأرض وقدرتها على إدارة المشهد الذي تريد من خلاله جباية ثمن سياسي من العدو الصهيوني.
ويتمثل هذا الثمن في وقف الحرب في قطاع غزة والإفراج عن أسرى كان يعدهم الاحتلال من الخطوط الحمراء الذين لا يمكن أن يفرج عنهم، بالإضافة إلى انسحابه من مناطق واسعة من القطاع في انتظار الانسحاب الشامل ككل.
هذه العوامل تؤكد أن المقاومة رسخت في الصورة أن لها يدا عليا في هذه العملية التفاوضية، لاسيما أن الاحتلال خلال الفترة الماضية كان يؤكد أنه لن يدخل في هذا النوع من المفاوضات مع المقاومة، وكان يتحدث عن الصفقات الجزئية، حتى أنه تحدث عن مقايضة الأسيرات والأسرى بالمال، كما كان العرض الذي قدّمه نتنياهو في سبتمبر وأكتوبر الماضي، عندما وضع على رأس كل أسير وأسيرة إسرائيلية 5 مليون دولار.
كان نتنياهو يعتقد أن المقاومة وبعد اغتيال عدد من قياداتها والضربات التي تعرضت لها، أنها فقدت القدرة على القيادة والسيطرة على أساس أن هنالك مجموعات بدون قيادة يستطيع نتنياهو أن يتفاوض معها.
ما حدث خلال تسليم المحتجزين يشير إلى انهيار هذه الفرضيات التي قامت على الحرب في غزة وقامت عليها العملية العسكرية.
لذلك، يشير إلى انهيار الفرضيات التي قامت عليها تطلعات اليمين الإسرائيلي على اعتبار أن اليمين الإسرائيلي، كان له هدف سياسي مركزي غير معلن من هذه الحرب يقوم على تفريغ شمال غزة من سكانه وإنشاء معازل جغرافية تكون مدخلا لعودة المستوطنين إضافة إلى عودة الاستيطان إلى مناطق في شمال غزة تكون متصلة بالمستوطنات و”الكيبوتسات” الموجودة في منطقة الغلاف، هذه بشكل عام الرسائل التي يمكن القول إن عملية التسليم أشارت إليها.
كيف تتوقع تأثير تلك المشاهد على عامة مكونات دولة الاحتلال، خاصة وأن القيادة السياسية وطيلة أشهر حرب الإبادة قد تعهدت بالقضاء على المقاومة الفلسطينية؟
هذا الأمر انعكاسه على دولة الاحتلال والمجتمع الإسرائيلي كبير، فهو يرسخ الفكرة التي توصلت إليها الكثير من الأوساط الإسرائيلية لاسيما على المستوى العسكري في الآونة الأخيرة التي تحدث بشكل واضح على أن الحرب على غزة تحولت إلى حرب عبثية لا طائل منها، وأن استمراريتها بهذا الشكل لا يُحصل منجزات، بل يأكل الإنجازات التي اعتبروا أنهم قد حققوها خلال الفترة الماضية، وهذا ظهر بشكل واضح في المعارك الأخيرة التي حدثت في شمال غزة وتحديدا في مخيم جباليا ومحيطه وفي منطقة بيت حانون.
هاتان المنطقتان قامتا بجباية ثمن كبير من العدو الإسرائيلي على مستوى الخسائر البشرية، واستطاعت المقاومة أن تسطر نموذجا قتاليا منفردا ومبهرا، المقاومة استطاعت أن تقلب التصورات الإسرائيلية التي يوهم الرأي العام بدولة الاحتلال أنه سيحققها، وكانت دولة الاحتلال تعتقد أن العمليات العسكرية التي بدأتها قبل أشهر في شمال القطاع سيتم بمقتضاها تطهير المنطقة وفرض السيطرة التشغيلية للجيش في تلك المنطقة، لكن المقاومة استطاعت أن تعكس العملية وأن تحولها إلى عامل ضغط على العدو أكثر من عامل ضغط على المقاومة الفلسطينية، وهذا الأمر أحدث هزة في داخل المؤسسة العسكرية لدرجة، أن مسؤول اللواء الذي كان يقود العملية في المنطقة في بيت حانون وهو من لواء ناحال قال بشكل واضح إن الوضع الأمني في بيت حانون كان قبل سنة أفضل من الوضع الحالي، أي أن معامل الزمن يسير بالعكس وليس لصالح العملية العسكرية.
تفاصيل دقيقة عرفت عملية التسليم، أسلحة عناصر المقاومة، صور لقادة الجيش في الأرض، رموز لبعض الفرق العسكرية الصهيونية المشاركة في حرب الإبادة، استذكار كبار قادة المقاومة، ماذا يدل الوقوف عند تلك الجزئيات من طرف المقاومة، بعد مرور 15 شهرا من الحرب؟
على صعيد التفاصيل الدقيقة التي أظهرتها عملية التسليم، حول أسلحة الأسلحة كما الحال مع سلاح “التافور” وصورة قادة الجيش على الأرض هذه تدل بشكل واضح أن المقاومة قادرة على قراءة العدو بشكل دقيق وتستطيع أن توجه الرسائل بالصورة التي تعكس مدى إدراكها وفهمها لطبيعة المجتمع الصهيوني وطبيعة التأثير على الرأي العام الصهيوني.
وهذا الأمر ظهر بشكل واضح في الفترة الماضية من خلال قدرة المقاومة على المزاوجة بين العمليات العسكرية والإعلامية والدعائية، استعملت فيها الكثير من الأوراق وكانت قادرة على توجيه الرسائل للمجتمع الإسرائيلي وعوائل المحتجزين حول عبثية الحرب التي يخوضها نتنياهو في غزة، وعدم قدرة الجيش على استرداد الأسرى إلا عبر اتفاقيات وتفاوض مع المقاومة الفلسطينية.
وهذا الأمر ظهر بشكل واضح في استطلاعات الرأي في المجتمع الإسرائيلي التي تشير إلى أن 75 بالمائة من المجتمع الإسرائيلي بات على قناعة بضرورة وقف الحرب في غزة مقابل الإفراج عن الأسرى لدرجة أنه حتى في حواضن اليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفا مثل جمهور سموتريش الانتخابي الذي بات في أغلبيته يؤمن أنه بات بحاجة لوقف الحرب بعيدا عن تصريحات سموتريش لدرجة أن 30 بالمائة فقط من جمهور سموتريش الانتخابي يؤمن بالحاجة للعودة للحرب بعد المرحلة الأولى.
هذا كله يشي بنجاعة الإستراتيجية الإعلامية والسياسية التي اتبعتها المقاومة في الفترة الماضية.