معاناة أصحاب المشاريع الحرفية في الجزائر

يلجأ الكثير من الشباب اليوم، بمن فيهم خريجو الجامعات وحاملو الشهادات العليا، إلى إنشاء مشاريع مصغرة والاعتماد على تعلم الحرف وامتهانها، كبديل عملي لغياب فرص الشغل والاستسلام للبطالة، وبالرغم من المحاولات الجبارة، يستمر أغلب هؤلاء في مواجهة واقع صعب ومحبط.
بغض النظر عما يدعى فعليا بالمشاريع الموسمية كصناعة الهدايا، أو الآيس كريم، وكذلك بعض المنسوجات الصوفية، هناك تخصصات حرفية اقتحمها أصحابها ليصنعوا منها مهنتهم الدائمة، ليس لمجرد كونها مصدر رزق جانبيا، أو هواية. لهذا، فإن الضغوطات الداخلية والخارجية التي يتحملونها في سبيل الاستمرار في مشاريعهم، يمكن أن تحبطهم وتحد من إنتاجيتهم، خاصة إذا استمر الآخر في التعامل معهم كهواة، بدل كونهم مسهمين في إنعاش الاقتصاد وسوق العمل.
المنافسة والتدافع على المجال
يعرف سوق المنتجات الحرفية ازدهارا غير مسبوق، بفضل الشباب الذي اكتسب وعيا جديدا، خلال السنوات العشر الأخيرة بالتحديد، فقد سيطرت فكرة إنتاج محلي بجودة عالية يضمن فرص شغل ويوفر لأصحاب المشاريع دخلا محترما، لكن الكثير من الشباب الذين تبنوا هذا وعملوا عليه واجهوا عقبات لم تكن في الحسبان.. عماد الدين، صاحب ورشة للطرز الإلكتروني بالبليدة، وهو من الشباب الذين استفادوا من دعم وكالات التشغيل لكسب ماكنات مختصة، يروي تجربته مع المنافسة غير الشريفة: “كنت أول شاب ينشأ هذا المشروع في الولاية، عائد من تركيا بخبرة سنتين في صناعة الملبوسات النسائية. سار عملي بوتيرة ممتازة سمحت لي بتسديد ديوني خلال ثلاث السنوات الأولى، وكنت أنصح الشباب بالعمل في الطرز، لتغطية النقص الفادح في السوق المحلية آنذاك. لكن، بمرور الوقت، لاحظت انتشارا جنونيا لورشات الطرز، والعيب فيها، أنها تسرق موديلات علامتنا، دون أي ابتكار، وتقوم بتحطيم الأسعار مقابل جودة أقل بكثير”.
يشير الأستاذ بربري أمين، خبير اقتصادي، إلى أن: “التهافت على مجال ما فقط لأنه مربح ومشروع استطاع آخر أن ينجح فيه، خطأ يقع فيه الكثير من المستثمرين الشباب، خاصة المشاريع الحرفية التي تتطلب من صاحبها
إبداعا وابتكارا دائما وتكوينا ودراية بالميدان، ليتمكن من إحداث التميز”، يضيف الأستاذ في علم الاقتصاد: “نحو 78 بالمئة من المشاريع الحرفية المتعثرة لديها سبب رئيس واحد، وهو غياب استراتيجية واضحة لدى المستثمر، وعدم اعتماده على دراسة الجدوى والسوق، فالاكتفاء بالمقارنة النظرية والتقييم السطحي لنجاعة المشروع للبدء في مثيله، يمكن أن يفاجئ صاحبه بجملة من العراقيل الميدانية غير المتوقعة”.
توقف الطلب رغم استمرار الإنتاج
الموسمية تقتل عزيمة المستثمرين الشباب
دلال، 39 سنة، صانعة معجنات تقليدية، على خلاف الكثير من الحرفيات في مجالها، استثمرت المرأة في مشروعها ما يقارب مئتي مليون، استأجرت محلا واسعا ومهيأ، واشترت آلات متطورة جدا، من بينها thermomix وآلات تقطيع وتجفيف وطبخ أخرى، وانطلقت في صناعة مختلف العجائن من رشتة، شخشوخة، عجينة مورقة وفيلو.. وحتى إعداد الفطير والكسرة وبعض المخبوزات.. كان هذا ابتداء من رمضان 2024، حينها لقيت منتجاتها إقبالا جنونيا، واستطاعت أن تستقطب زبائن حتى من ولايات مجاورة، وصدرت بعضها إلى الخارج، لكنها تقول: “فور انقضاء رمضان، انطفأ كل شيء، نسي الناس منتجاتي فجأة واستغنوا عنها، حتى أصحاب المحلات قلصوا طلباتهم كثيرا، وبعضهم أوقف معاملاته، وبالرغم من نشاط صفحاتي على المواقع وابتكار أنواع جديدة من المخبوزات والمعجنات، يمكن القول إني لا أبيع إلا في مناسبات، مثل يناير والمولد النبوي وطلبيات أعراس أحيانا، حتى عاد رمضان وانتعشت تجارتي من جديد، فمع أن الناس يأكلون على مدار السنة، إلا أن المناسبات هي التي تدفعهم إلى الإقبال على منتجاتي.. أصبحت تاجرة موسمية، عكس ما توقعته من دراسة جدوى مشروعي”.