-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
المسجد الجامع بقصبة بجاية:

معلم ديني وتاريخي يقف شاهدا على جمالية خالدة

صالح عزوز
  • 900
  • 0
معلم ديني وتاريخي يقف شاهدا على جمالية خالدة
ح.م

المتجول في مدينة “بجاية” وضواحيها، يجد أنها أولت اهتماما كبيرا للمساجد، لهذا لا تخلو قرية أو “دشرة”، كما يقال، إلا وفيها هذا الصرح المعماري الديني المقدس، بل كان من الأولويات في وضع حجر الأساس، قبل أي منشأة أخرى، مها كان نوعها.. لهذا، يعبر الكثير من سكانها في ذكر أهمية هذا الصرح الديني، على أنه ضرورة كضرورة توفير المياه في القرية أو الدشرة، كما أن الملفت للانتباه، أن هذه المنشأة الدينية في الغالب تحتل قلب القرية، كنقطة مركزية تدور حولها باقي المنازل والهياكل المعمارية الأخرى.

تنقسم المساجد في هذه المدينة الساحلية إلى نمطين اثنين، نمط سليل الحضارات الإسلامية المختلفة، وهو ما يعرف عنه بالمساجد الجامعة، التي من خصوصيتها أنها ذات أعمدة ودعامات طويلة، تحتوي على محاريب وأعمدة وقبب، وعقود، على غرار ما هو في قرية “أمالو”، التي يعود تأسيسها إلى 9ه/15م، وكذا نموذج منها في قلعة بني عباس، القرن 6ه/12م. وفي مقابل هذا، نجد نمطا آخر من المساجد، تكون في الغالب خارج الحواضر، وهي المساجد الريفية، التي تختلف اختلافا كبيرا عن النمط الأول من المساجد في هذه المدينة الساحلية.. وميزتها، أنها موحدة من حيث الطراز والتشييد، وكأنه مجسم واحد يتكرر في كل الأرياف، اعتمد المؤسسون لها على نمط جديد في تشييدها على هندسة جديدة، بحيث خصصوا لها رواقا أماميا مسقوفا، يتقدم جدار القبلة، خصصت على جانبيه دكانتان من أجل الجلوس عليها، كما أن في هذا الرواق محرابا صغيرا يسمى بالعنزة. يؤدي هذا المدخل مباشرة إلى بيت الصلاة، التي صممت بشكل بسيط في عمارتها، المتكونة من محراب، ومنبر على شكل درجات، في بعض المساجد منها، كما جعلت هناك بعض الحنايا الجدارية، التي تستعمل لوضع الكتب ولوازم المسجد. أما فيما يخص تسقيف هذه المساجد، فيكون في الغالب من جذوع البلوط والصنوبر ومواد البناء من الحجر والطين، وكذا الجبس. بعد هذا التقسيم، نستطيع من خلاله أن نميز بين نمطين اثنين من المساجد، نستطيع من خلالها، أن نقف على خصوصية كل نمط على حدة، في جولتا هذه عبر هذه المنشآت والتحف الدينية في مدينة بجاية.

جمالية المسجد الجامع بقصبة بجاية:

قبل التطرق إلى تفاصيل هذا الصرح، وجب علينا التطرق إلى تاريخه، لأنه يقف على إشكالية تاريخية. فاستنادا إلى قول الغبريني، يفترض أن المسجد الجامع بالقصبة، هو ذلك المسجد الأعظم الذي ذكر في مورد زحف الموارقة على مدينة بجاية، وهذا انطلاقا من أن القصبة في بجابة شيدت في القرن 6هـ/12م بما فيها المسجد الجامع الأعظم.

وهناك قول آخر لابن خلدون، حينما لبى دعوة الأمير الحفصي أبي عبد الله محمد، إلى بجاية سنة 766هـ ، جاء في حديثه عن هذه الدعوة: “قدمني للخطابة بجامع القصبة، وأنا مع ذلك عاكف بعد انصرافي من تدبير الملك، غدوت إلى تدريس العلم أثناء النهار بجامع القصبة”. ولعل المتصفح لمختلف كتب التاريخ التي تحدثت عن المنطقة، يجد أنها تجمع على أن القصبة كان بها مسجد جامع، ذكر في مختلف الكتب، وعلى مر العصور الإسلامية، ولكنه عرف بعض التعديلات والزيادات في العصور الإسلامية الأخرى التي مرت بها بجاية.

جمالية التشييد الخاصة بالجامع…

يتكون هذا لصرح الديني من أربع واجهات، تتألف الواجهة الجنوبية الشرقية من مدخل معقود يتوسطها، تتقدمه درجة، أما الواجهة الجنوبية الغربية، فتبدو على شكل أربع وحدات مدببة الشكل، تتبع اتجاه البلاطات الموازية للجدار الجنوبي، وتتكون الوحدة الأولى من نافذة مستطيلة، تعلوها ثلاث فتحات معقودة، أما الوحدة الثانية فتتمركز فيها نافذة مستطيلة أيضا، بينما تتألف من باب تعلوه نافذة صغيرة الحجم، ذات شكل مستطيل، أما من حيث التخطيط الداخلي، فتقدر أبعاده بـ 19.35 م طولا، و16.54 عرضا، على مساحة تقدر بـ 320.05 متر مربع، يتميز على غيره من المساجد بصحن أوسط تحيط به أروقة.. ويتكون هذا المسجد من خمس بلاطات عمودية على الجدار الجنوبي، وهو جدار القبلة، عرض كل واحد منها 3.10م، ما عدا البلاطة الوسطى فعرضها 3.76م، تحمل ثلاث قبب ثمانية الشكل.

يحتوي هذا الصرح الديني على ثلاث قبب، ثمانية الشكل، يتخذ التسقيف شكلا هرميا من لوحات وعوارض من الداخل تغطيه، أما من الخارج، فتغطيه صفائح من القصدير، تتخلل جدرانه الداخلية فتحات ونوافذ وأبواب، ولعل ما يلفت النظر حين الوقوف على هذا المعلم الديني الأثري، أن عرضه أكبر من عمقه، لذا، فإن تشييده يشبه المساجد التي بنيت في المشرق، على غرار المسجد الأموي في دمشق، الذي أسسه الوليد بن عبد الملك، سنة 86 /705 م، وكذا جامع الأزهر، أي يشبه في هندسته المساجد التي ظهرت في العصر الإسلامي. ويختلف عن النظام المعروف القائم على توزيع الوحدات على الصحن، تميزه الكثير من الخصائص الفنية القادمة إلينا من القيروان، وكذلك جمالية الحمادية التي أتت من القلعة، لهذا نقف على الكثير من فن العمارة الحمادية في بجاية التي تعتبر عاصمة الحماديين الثانية، وهذا ما يفسر استمرار الفن الحمادي في بجاية. ويخلو هذا لمسجد من المحراب، ويرجح أغلب الظن أنه تعرض لتغيير أو تشويه، لحقه في العصور اللاحقة، لأن سمك الجدار الذي يقدر بـ 0,80م يمكننا من الحصول على تجويف يؤدي وظيفة المحراب، وكذا موقع هذا الأخير باتجاه القبلة. وبالإضافة إلى هذا، فالمسجد تنعدم فيه المئذنة، غير أن الوقوف على الانكسار الموجود في الواجهة الجنوبية الغربية يمكن أن يفسر هذا. وعليه، يمكن لهذا المكان أن يشغل مئذنة مربعة المسقط على غرار المآذن المغربية، وما يمكن التذكير به كذلك أن هذا المسجد، يخلو من الزخارف.. لهذا، كان من الصعب تحديد الأسلوب الفني الزخرفي الذي شيد به، لهذا نستطيع أن نصف المسجد من الجانب المعماري دون التطرق إلى الجانب الزخرفي، ما يصعب من إلقاء نظرة شاملة على هذا المعلم الديني الأثري.

حدثت له تغييرات عديدة عبر العصور

استنادا إلى بعض الدلائل المعمارية، نجد أن هذا المسجد تعرض لتغييرات كثيرة عبر العصور، خاصة في العهد الحفصي، وعند دخول الإسبان إلى هذه المدينة، تعرضت معظم مبانيها الإسلامية بما فيها القصبة، وجامعها للتخريب تنفيذا لوصية (إيزابيلا) الكاثوليكية، التي كانت تهدف إلى تمسيح منطقة شمال إفريقيا كليا. وعند وصول العثمانيين، قاموا بعدة تجديدات في معالمه، تظهر للعيان وبوضوح في العقد على شكل مقبض القفة الذي لا نجده في العمارة المغربية قبل مجيء العثمانيين، الذي انتشر في كل ما شيده العثمانيون بالجزائر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!