-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مع رسائــل الإمام ابن باديس

حسن خليفة
  • 769
  • 0
مع رسائــل الإمام ابن باديس
ح.م

زمنا بعد آخر.. تكبر وتفخَّم الصورة الاستثنائية الرائعة عن هذه الشخصية الفذة، شخصية الإمام العلامة عبد الحميد ابن باديس؛ خاصة بعد الانخراط في قراءة تأملية لنصوصه، وتتبّع دروب سيرته وحركته التغييرية الدعوية المباركة..

نعم تكبرالصورة.. وتبدو أكثر جمالا ونقاءً واقتدارا وتفرّدا، بظهور البعض من تفاصيلها المميزة  ـ كل مرّةـ والتي قد تغيب أثناء الاستعراض العامّ لحياته وجهوده وجهاده.

إنه نسيجٌ وحده، وإنه شخصية مصطفاة مُخزّنة بألوان من التوفيق والتيسير، وبذلك يسّر الله تعالى له هـذا الإحياء الذي حقّقه لهذه الأمة وهذا الإعلاء لهذا المجتمع؛ من خلال جهاده الكبير المنتظم، الموصول،  المتنوع، على مدار حياته القصيرة رحمه الله تعالى وتقبّله في الصالحين.

ثمّة ما يستدعي التوقّف والتأمّل وأعني الرسائل التي كتبها الإمام، وهي مجموعة كبيرة متنوعة المضامين، متعددة الشكل طولا وقصرا، ولكنها جميعا تنبّئ عن نفاسة المعدن الذي صيغت منه شخصية الإمام، معدن الصلاح والتقوى والصدق والربّانية، في الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة وسداد وعلى نحو لا نجد له مثيلا في التاريخ الدعوي لأهل الإصلاح، وما أجدر أن تُكتب الدراسات والمقالات في الموازنة والمقارنة بين جهاد الأستاذ الإمام ابن باديس وغيره، مشرقا ومغربا، للتعرّف ـ أكثر فأكثرـ على دقائق منهج التغيير الذي درسَه وتدبّره واختار السّير فيه قاصدا، متحققا ومتيقنا من ثمراته ونتائجه، وهو ما تجسَّد ـ فعلا لا قولاـ في الاستقلال، وصيانة ميراث النبوّة والإيمان في هذه الديار الجزائرية الحبيبة.

نشير إلى بعض من تلك الرسائل، ثمّ نستعرض منها عددا يكشف عن قوة تبصّره وارتقاء طموحه وعلوّ همّته، وسداد نظره، وتشوّقُه الدائم إلى المعالي. ومن يقرأ تلك الرسائل سيجد لا محالة ما يستنتجه ويستخرجه ويفيده في معرفة أوثق بشخصية الإمام ورؤيته في العلم الإصلاحي،  وهمّته العالية، وتشوّقه إلى خدمة دينه ووطنه بكل سبيل.

راسل الإمام ابن باديس الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر محمد مصطفى المراغي؛ وراسل رئيسة جمعية دوحة الأدب، في دمشق؛ وراسل العلامة الشيخ سيدي أبي الطيب الطاهر العبيدي؛ وغيرهم كثير.

الرسالة الأولى:

كما راسل العشرات هنا وهناك، ومنهم أعضاء وأبناء الجمعية، موجها ومنبِّها كهذه الرسالة القصيرة التي كتبها سنة 1937 (9 رجب 1356هـ) إلى الشيخ محمد خير الدين، قال فيها:

الأخ الكريم الشيخ محمد خير الدين أيده الله وحفظه،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعدُ:

فأنبهكم إلى ما يجب من العناية بالشيخ حمزة بوكوشة، فليس مثله ممن يُتهاون به. أنشكو من قلة الرجال ثم نتغافل عن مثله؟!

أين منشور المؤتمر؟ فهذه خيبة والله وعار، إذا لم يقم المكتب بواجبه فإننا نحكم عليه علنا.

عجبا كيف أتيتَ إلى قسنطينة ولم تعمل على الاجتماع بالشيخ مبارك؟!

كانت زيارة البيضاء، خنشلة فترات ناجحة، تمام النجاح، والحمد لله. والسلام من أخيك عبد الحميد ابن باديس.

الرسالة الثانية:

كتبها في قسنطينة في 16 ربيع الثاني 1356هـ (25 جوان/ يونيو1937 ووجّهها لصاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر محمد مصطفى المراغي، نوردها كما هي:

“إلى جناب صاحب الفضيلة مولانا الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر الأستاذ الإمام محمد مصطفى المراغي أدامه الله للمسلمين ركنا ركينا ولتراث الإسلام حافظا أمينا.

أما بعد، فإنَّ الخلافة الإسلامية العلمية عرشُها اليوم وقبل اليوم هو الأزهرُ، وفضيلتكم ـ بحق تبوّئكم هذا العرش الرباني ـ خليفة للمسلمين العلمي. ولو أن المسلمين ـ وهم كلهم يعترفون بهذاـ أبرزوا إلى حيّز العمل والتنفيذ لاستردّوا أعظم ما هم بأشدِّ الحاجة إليه من معاني الخلافة.

وأحسبُ أن من أحسن الوسائل لإبراز هذا المعنى، وتحقيقه اتصال الأزهر بالأمم الإسلامية من أقطاب الأرض بالمتفقدين يرسلهم إليها، وبالبعثات العلمية ترسلها إليه.

ومن فضل الله أن هذا قد شُرع فيه فعلا من بعض الأقطار كالهند، ونرجو أن يتمّ في بقيَّتها.

ولما كانت جمعيتُنا قد أخذت على نفسها خدمة المسلمين الجزائريين في دائرة العلم والدّين رأت أن واجبها أن تسعى في إيجاد بعثة لكرع (تحصيل) العلم من مناهل الأزهر الشريف.

ومما يسهّل علينا ذلك أن تعرف أن الأزهر يأوي تلك البعثة من البعثات الإسلامية الأخرى، فلهذا أتقدّم باسم الجمعية لفضيلتكم ملتمِّسا إبداء رأيكم السديد ونُصحكم الأبوي.

وإنني في انتظار التشرّف بجوابكم الكريم أدامكم الله للإسلام والمسلمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. رئيس الجمعية.

الرسالة الثالثة:

كتبها بتاريخ 9 جمادى الثانية، 1357 (1937م). وجاءت على النحو التالي:

“حضرة السيد الجليلة رئيسة جمعية دوحة الأدب المحترمة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

فاسمحي لي يا سيدتي أن أتقدّم إلى حضرتك بهذا الكتاب من غير تشرُّف سابق بمعرفتكم، غير ما تربطنا به الروابط العديدة المتينة التي تجمع بين القطرين الشقيقين الشام والجزائر.

يسرُّك سيدتي أن تعرفي أن بالجزائر نهضة أدبية تهذيبية تستمدّ حياتها من العروبة والإسلام، غايتها رفع مستوى الشعب العقلي والأخلاقي. ومن مؤسسات هذه النهضة جمعية التربية والتعليم بقسنطينة.

ولما علمت إدارتها بجمعيتكم المباركة بما نشرته عنها بمجلة “الرابطة العربية” رغبت أن ترسل بعض البنات لتعليمهنّ في مدرسة الجمعية، فهي ترغب من حضرتكم أن تعرّفوها بالسبيل إلى ذلك.

تفضلي بقبول تحيات الجمعية وإخلاصها والسلام من رئيس الجمعية عبد الحميد ابن باديس.

الرسالة الرابعة

والرابعة ـ على خصوصيتهاـ قويّة جدا. كتبها في 14 ذي القعدة 1350:

الأخ الكريم الشيخ سيدي محمد بن سيدي مولى القرقور العظيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد.. فقد أحاطت بي ديونٌ بسبب ما أنا قائمٌ به من مشاريع خيرية عامة، لا بسبب شخصي، ولمّا ثقُل عليّ حملُها التجأت ـ بعد الله ـ إلى خواصِّ أحبائي الذين أثق في مودّتهم وتقديرهم للأعمال وكتمهم للأسرار فجعلتُ على كل واحد منهم ألف فرنك إن شاء الله عطية وإعانة على الخير، وإن  شاء الله سلفة إلى مدة عام.

وأنا أنتظر جوابكم شاكرا سواء أجبتم أو اعتذرتم. دمتم سالمين.

والسلام من أخيكم عبد الحميد ابن باديس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!