.. مع شكيب خليل ظالمًا أو مظلومًا!
نسمع في الجزائر منذ سنوات عن إصلاح العدالة وعصرنتها، ولكنّ بلوغ المرام في ذلك لن يكون إلا بتكريس استقلاليتها بصفة نهائية عن السلطة التنفيذية وتجسيد دولة القانون، حيث يسود الفصل الفعلي بين السلطات.
وبهذا الصدد، فإنّ قضية الوزير الأسبق للطاقة شكيب خليل ستظلّ نقطة سوداء في مسار العدالة الجزائرية، سواء كان الرجل ظالما أو مظلومًا، بعد ما زُجّ بجهاز القضاء في صراع العُصب والزُّمر، فإن كان المعنيّ جانيًا، فكيف نجا وخرج كالشعرة من العجينة، حسب رجاء عمار سعداني لدى وزير العدل المُبعد محمد شرفي!
وفي حال كان “شكيب” مجنيّا عليه، فتلك طامّة أكبر، جرّت معها أروقة العدالة إلى معركة المواقع والمصالح القذرة، على حساب القانون ونزاهة القضاء ودولة الحق.
نطرح هذه التساؤلات التي ستبقى من دون إجابات دقيقة، حتّى نلج عصر الأمم المتمدّنة التي يخضع فيها الجميع لسلطان القانون، مهما سمت منازلهم بين النّاس، لأنّ بعض السياسيين ظهروا هذه الأيّام في ثوب المحامين، لم يكتفوا بالدفاع عن “ضحيّة مفترَضة”، بل راحوا يطعنون في عمل القضاء بصفة مبطّنة، وهو ما لا يُسمح به لغيرهم ومع ضحايا آخرين، لأنّ الاستخفاف بأحكام العدالة مجرّم قانونًا وعرفًا!
عندما يصرِّح أحدهم أنّ “شكيب خليل” مظلوم، ويؤازره نصيرٌ ثانٍ بأنّ الوزير “محقور”، فهل يُعدّ مثل هذا الكلام السياسي تعليقًا على قضيّة قضائية وتدخّلاً في اختصاص العدالة بأثر رجعي، بينما لم يطلّع الرأي العام على تفاصيل ومجريات الملفّ، ذلك أنّ المعلوم هو إعلان مذكّرة توقيف دوليّة في حقّ “المتهم” سابقا، وبرغم ما شاب القضيّة من أخطاء إجرائية وفق أهل القانون، فإنّه كان حريّا بمن قرّروا غلق الملفّ أن يُطلِعوا الشعب على الحقيقة كاملة، وفق ما تقتضيه قواعد الشفافيّة في التقاضي، لأنّ الأمر يتعلّق بالتصرّف في المال العام، ولا يندرج ضمن قضايا الأحوال الشخصيّة!
قد يكون “شكيب خليل” مظلومًا بالفعل، أو هو “كبش فداء” في معركة ليّ الأذرع التي يحترفها السياسيون في البلاد منذ الاستقلال وحتى قبله، ولكن الأسئلة التي ينبغي طرحُها: كم عدد المظلومين في الجزائر؟ وهل يحتاج كلّ مظلوم إلى خليل يسنُده ومنْ لا خليلَ له ضاع حقّه وشرفُه في داهية الإشاعات والاتهامات الجائرة؟
بهذه المقاييس، فإنّ “شكيب” محظوظ في جزائر الكرامة، لأنه وجد لنفسه أكثر من خليلٍ، أمّا المظلومون في قطاعات كثيرة، قد لا تبرأ منها حتّى العدالة، فليس أمامهم سوى “الموت البطيء” تحت وطأة اليأس من العدل والإنصاف، أو الهروب الجماعي إلى حيث لا يُظلم أحدٌ في بلاد الكفر والعجم!
ثمّ إنْ كان المدلّل شكيب خليل “محقورا” ويجب أنْ يُعاد لشخصه الاعتبار مثلما نادى هؤلاء، فمنْ يجبُر خاطرَ آلاف الإطارات التي قضت في زنزانات السّجون ويلمّع سمعة عائلاتها المشوّهة تحت شعار “الأيادي النظيفة”، وإن كان ذلك في حكم الفائت المستحيل، فمنْ يُحاسب جلاّديهم المتلذّذين بتعذيب خدّام الدولة؟