مفارقة غريبة لـ”الدينار”.. مكاسب رسمية وتراجع في السوق الموازية

اتجّهت سوق العملات في الجزائر، خلال الأسابيع الأخيرة، نحو مفارقة غريبة أهم ما ميّزها هو عودة مكاسب الدينار مقابل العملات الأجنبية في التداول الرسمي لدى البنوك وخصوصا العملة الأوروبية الموحّدة “اليورو”، بينما بلغت أسعار “الدوفيز” في السوق الموازية مستويات تاريخية لم تصلها من قبل.
ومن خلال الإطلاع على الموقع الرسمي لبنك الجزائر، يتضح أن العملة الوطنية حققت مكاسب لافتة مقارنة بالعملة الأوروبية الموحّدة “اليورو” في الفترة الأخيرة، مقابل استقرار في مستواها مقارنة بالدولار الأمريكي.
وتشير بيانات بنك الجزائر إلى أن سعر صرف 1 دولار ليوم الجمعة 29 سبتمبر 2023 بلغ 137.26 للشراء، و137.28 للبيع، في حين كان المستوى يتراوح، خلال الأسابيع الماضية، ما بين 134 إلى 137 دينار لكل واحد دولار.
ووفق البيانات ذاتها، فإن سعر صرف 1 يورو مقابل الدينار قد بلغ الجمعة 29 سبتمبر 2023، نحو 145.36 دينار للشراء، في حين قدّر سعر البيع بـ145.43 دينار لكل يورو واحد.
جمعة: طلب كبير على “الدوفيز” وعمليات شراء ضخمة من شركات أجنبية
وفي الفترة السابقة، وصل سعر اليورو الرسمي مقابل الدينار إلى ما لا يقل عن 149 دينار خصوصا فترة أواخر الربيع وبداية الصيف، وهي الفترة التي تميّزت، حينها، بتراجع لافت في أسعار النفط وانحسار نسبي لمداخيل البلاد بالعملة الصعبة في تلك الفترة.
لكن مع عودة أسعار النفط في السوق الدولية إلى الارتفاع مجدّدا بداية من الصيف الماضي، حتى عادت معها مكاسب العملة الوطنية في التداول الرسمي، علما أن أسعار النفط بلغت، الجمعة، في حدود الثانية زوالا 95.65 دولارا للبرميل فيما يتعلق بمزيج خام برنت بحر الشمال الذي يعتبر النفط المرجعي للبترول الجزائري “صحارى بلند”.
ومقابل مكاسب العملة الوطنية، خصوصا مقابل اليورو، في التداول الرسمي لدى البنوك واستقرارها مقابل الدولار، إلا أن أسعارها في السوق الموازية بلغت مستويات تاريخية لم تصلها منذ الاستقلال.
وفي اتصال لـ”الشروق”، الجمعة، بشباب ينشطون في صرف العملات الأجنبية بالسوق الموازية بباب الزوار والدار البيضاء بالعاصمة وحتى بالميلية بولاية جيجل، تبيّن أن سعر بيعهم لورقة 100 يورو وصل إلى 23 ألف دينار وأحيانا إلى 23 ألف و110 دينار، مؤكدين أن هذا المستوى المتراجع لم يسبق وأن بلغته العملة الوطنية منذ إقرار اليورو مطلع الألفية الجديدة.
وبالنسبة للدولار، فقد بلغ هو الآخر مستويات مرتفعة جدا إذ بلغ سعر الشراء لدى الصرّافين في السوق الموازية 21 ألف و400 دينار، مقابل 21 ألف و500 وأحيانا 600 للبيع بالنسبة لورقة 100 دولار.
وتأتي هذه المفارقة تزامنا مع مصادقة المجلس النقدي والبنكي، مؤخرا، على مشروع نظام يتعلق بشروط الترخيص وإنشاء واعتماد وعمل مكاتب الصرف، وهو المسعى الذي يهدف إلى توفير الظروف الملائمة التي من شأنها تعزيز إنشاء شبكة وطنية واسعة من هذه المكاتب.
وحسب بيان سابق لبنك الجزائر نشر في 23 سبتمبر 2023، فإن المصادقة على هذا النص تندرج في إطار “مسعى تدريجي يهدف، في مرحلة أولى، إلى توفير الظروف المناسبة التي من شأنها تعزيز إنشاء شبكة وطنية واسعة من مكاتب الصرف، من أجل تسهيل عمليات الصرف لفائدة الجمهور الواسع”.
خبير: “مؤشرات الاقتصاد الكلي الخضراء رفعت الدينار بالبنوك”
ويرى المحلل الاقتصادي والمالي، نبيل جمعة، أن تحقيق الدينار الجزائري مكاسب في سوق التداول الرسمي مقابل تراجعه لأدنى مستوى تاريخي له بالسوق الموازية، مرده لعدة أسباب، لكن أهمها يتعلق بأداء الاقتصاد الكلي من خلال ارتفاع الناتج الداخلي الخام وسعر البرميل واحتياطات الصرف وتحسّن التنافسية التجارية، والثاني بالعرض والطلب في السوق الموازية للعملات.
ويشرح الخبير نبيل جمعة في اتصال مع “الشروق”، السبت، أن هناك طلبا كبيرا على العملة الصعبة في السوق الموازية، ما أدى إلى حالة من الندرة وخصوصا من طرف شركات أجنبية لديها عقود وصفقات بالجزائر، والتي تقوم -حسبه- بعمليات شراء ضخمة للعملة الصعبة في إطار تحويل جزء من مستحقاتها من الدينار إلى العملة الصعبة.
وحسب محدثنا، فإن هذه الوضعية أدت إلى بلوغ واحد يورو 230 دينار وأحيانا 231 دينار في السوق الموازية، وأضاف جمعة، أن أزمة الدين الداخلي في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أثّرت بشكل عام على أداء اليورو والدولار، ما تسبّب في تراجعهما مقابل الدينار في السوق الرسمية.
وإجمالا، يؤكد هذا الخبير أن أداء الاقتصاد الكلي للجزائر ساهم في دفع الدينار صعودا في التداول الرسمي مقابل اليورو والدولار، بالنظر إلى أن معظم مؤشراته في الخانة الخضراء، على غرار الناتج الداخلي وسعر البرميل والتنافسية التجارية.
وأوضح المتحدث، أن أساسيات تقويم الدينار الجزائري سجلت نتائج جيّدة، على غرار سعر برميل النفط الذي يشهد ارتفاعا منذ أشهر وبلغ حاليا نحو 96 دولارا، وصعود في قيمة الناتج الداخلي الإجمالي الذي أعلن عنه الوزير مؤخرا وبلوغه 231 مليار دولار، وارتفاع احتياطات الصرف بالعملة الصعبة إلى 85 مليار دولار.
وبخصوص التنافسية التجارية، ذكر محدثنا أنها تحسّنت كثيرا من منطلق أن الصادرات خارج قطاع المحروقات سجلت 7 مليارات دولار العام الماضي، ومن المنتظر أن تبلغ نحو 13 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
وأضاف جمعة، في هذا السياق، أن هذه التنافسية تجسّدت أيضا من خلال فتح بنوك جزائرية بالخارج ومعارض تجارية دائمة بالسنغال وموريتانيا، وحاليا بدولة أوغندا، في إشارة إلى زيارة وزير التجارة، الطيب زيتوني، إلى هذا البلد الإفريقي لافتتاح معرض دائم للمنتجات الجزائرية.
وعرج محدثنا على التضخم وارتفاع الأسعار والقدرة الشرائية، التي أرجعها إلى كون الاقتصاد الجزئي لم يساير الاقتصاد الكلي واتخذا منحيين متعاكسين.
وحسب جمعة، فإن أداء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والدعم غير الموجّه وعديد الاختلالات في قانون المالية والتي تحدث عنها رئيس الجمهورية، كلها أسباب ساهمت في هذه الوضعية بارتفاع الأسعار وتدني القدرة الشرائية، وخصوصا بعد جائحة “كورونا”، التي تميّزت بمتاعب مالية لعديد الشركات وإفلاس بعضها.