مفاسد الخنازير الجريحة
مواصلة الكيان الصهيوني الغاصب لإجرامه في كل من غزة ولبنان، يؤكد وبشكل لا لبس فيه، أن الطغمة الحاكمة في هذا الجسيم الغريب على المنطقة، باتت تتكئ على قواعد بشرية مؤدلجة عقائديا، تعادي كل “الأغيار”، ولا تلتفت إلى أحد منهم، بمن فيهم الأمريكان والغرب وفرنسا بشكل خاص، كما حدث مؤخرا مع ماكرون، وأيضا مع الرئيس الأمريكي: الصلف بلغ ذروته، وانقلب السحر على الساحر وصار هذا الكيان هو من يملي على الجميع، بأن يكونوا في خدمته، بعدما ظلّ عقودا هو من يخدم الغرب وأمريكا في المنطقة بكاملها.
ما حدث، منذ ما قبل 2020، هو تحوّل وتغيّر في بنية وتركيبة المجتمع الصهيوني الداخلية، ونزوعه أكثر فأكثر إلى التطرف اليميني الديني، بعدما بقي الكيان عقودا أيضا، ومنذ احتلاله لفلسطين، مشروع دولة علمانية يهودية، تمثل الليبرالية والرأسمالية العالمية في المنطقة.
أكثر من نصف سكان هذه البؤرة السرطانية، هم اليوم يساندون العملية الإجرامية الانتقامية والتدمير والتقتيل والمنهج والتخريب والإبادة من منظور ديني، وهذا في كل من غزة والضفة ولبنان، طمعا في تحقيق مشروع صهيوني توراتي تلمودي، قديم، يقوم على أساس إقامة دولة يهودية من النيل إلى الفرات.
ما يحصل أيضا، أن ارتباط هذا الكيان بالولايات المتحدة، ماديا وعسكريا وأمنيا وسياسيا واقتصاديا، بفعل تأثير اللوبي اليهودي والصهيونية الإنجيلية من اليمين الأمريكي، في كلا الحزبين، على السياسة الخارجية الأمريكية والغربية بشكل عامّ، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية و”المظلومية التاريخية” التي لحقت بهذه الفئة في الغرب، وفي العالم، لاسيما في ألمانيا النازية، هذا الارتباط العضوي البنيوي، يكمن في تأثير اللوبيهات الصهيونية على القرار السياسي وفي النتائج الانتخابية برمتها في الولايات المتحدة وفي الغرب، لاسيما الكونغرس الأمريكي، الذي يمثل النواة الصلبة لتمركز هذا الضغط عبر منظمة “إيباك”.
اليوم، نكاد لا نرى ولا نسمع أثرا لتوجيه السياسة الصهيونية في المنطقة من قبل الإدارة الأمريكية، إلا في الاتجاه الذي تريده الحكومة اليمينية المتطرفة في الكيان، والتي تتبنّاها وتصرّح بها علانية اليوم: حلم توراتي عقائدي في تحقيق دولة “إسرائيل الكبرى”، بإلغاء أي حق للوجود الفلسطيني كليا والتوسّع على حساب المنطقة كلها.
الإدارة الأمريكية، يبدو وكأنها فقدت القدرة على التأثير، وتحاول أن تصوّب البندقية الصهيونية باتجاه ما تراه مناسبا لها، لا باتجاه من تراه حكومة الكيان، لاسيّما مع إيران. الإدارة الأمريكية تريد الاحتواء فيما يريد الكيان الاحتلال بالقوة، ما من شأنه أن يفجّر المنطقة برمّتها في حرب شاملة لا تريدها واشنطن والغرب.
لقد بات اليوم واضحا، أن التحوّلات الداخلية في المجتمع الصهيوني وسيطرة اليمين الديني على الداخل الصهيوني وبنيته، هي من يقود نحو “القيامة”، حتى ما قبل “طوفان الأقصى”، والجميع يتذكر الصراع والانقسام الداخلي في وسط هذا الكيان بسبب المحكمة العليا، التي يراد لها يمينيا عدم القدرة على التأثير في القرار السياسي لرئيس وحكومة الكيان اليمينية. والكل يتذكر الانقسامات القائمة إلى اليوم، والتي يعمل رئيس وزراء الكيان، لحسابات شخصية فقط، لبست بلبوس تلمودي، على طمسها، بافتعال حروب تلو الحروب وتدمير وتقتيل وتوسّع بلا رادع أممي ولا دولي ولا من الحليف الأقرب، كونه يعرف أن هذا المجتمع بيمينه ويساره، حتى وإن اعترف المحللون جميعا، أنه لم يعد هناك يسار في هذا الكيان..هو ما يرمّم شمله المتآكل، هي الحرب الوجودية، أو كما يسميها اليوم الكيان، “حرب القيامة”: حرب قد تفجّر حربا شاملة في أي وقت حتى قبل الانتخابات الأمريكية.