ملاحظات حول ما يقال عن المناهج الجديدة

منذ أن دخلت الإصلاحات التربوية الجديدة حيز التنفيذ في نظامنا التعليمي، إلا وصاحبها ترويج كبيرمن الآراء النقدية والملاحظات الصحفية وغير الصحفية، التي غلبت عليها النزعة الذاتية والانطباعية، من غيرأن تكون مُرفقة بدراسات معمقة، يقوم بها أكاديميون وخبراء في التربية والتعليم والاستشراف التربوي، وهي في مجموعها توجه سهام النقد اللاذع للمناهج الدراسية الجديدة، ومن أنها صعبة وتفوق مستويات التلاميذ في الابتدائي.
والحقيقة أن المناهج رغم ما شابها من الهَنات، بسبب السرعة في إعدادها لدواعي التسرع في الإصلاحات، إلا أنها في المجمل ملائمة من حيث بناؤها النفسي والتربوي والديداكتيكي، وهي مُتَكْنَجة ومبنية على مقاربة ثورية، تجعل المناهج تبني المعرفة في شكل ألغاز، لأن ذلك البناء ينمّي قدرات المتعلمين الذهنية والفكرية والخيالية والتصورية.
خلافا للمناهج القديمة التي كانت تقدّم المحتويات بطريقة مباشرة وسهلة المنال، وإذا كان أبناء جيلنا ومن تعلم في النظام القديم، يستصعبون بناء هذه المحتويات، ويرونها غير ملائمة لصغار الأطفال، فذلك لأنهم تلقوا تعليما بغير هذه البيداغوجيا، مما جعل الاستشكال ينتج عن طريقة تعلّمهم بالأساليب القديمة ذات الصبغة المبسّطة، وليس قصورا في أفهامهم أو صعوبة في المناهج الجديدة، ومع ذلك فهذه المناهج يمكن مراجعتها بعد مرور عقدين من الزمن، لتعديل مساراتها وتقنياتها، كيما تواكب التطورات والمقاربات الثورية، في عالم التربية والتقنية والأشياء والأفكار.
والمناهج الدراسية مرتبطة أشد الارتباط، بحياة الإنسانية التطورية، فهي تنمو في نطاق بنيوي شديد التركيب والتعقيد والتطور، وتتسم هذه البنية بالتعقيد والشمولية والتداخل بين المفاهيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، وما يصاحب ذلك من نظم وعادات، وتقاليد واحتياجات ومصالح اجتماعية ودولية.
وبما أن طبيعة هذه البنية مركَّبة، فإنها جعلت الإنسان يحمل في ذاته تصوُّرات وطموحات، وآمالا وأحلاماً عريضة، ولا يمكن لهذه الآمال أن تتحقق في الحياة، ما لم يطوِّر الإنسان طرقته في التفكير والتصور والمنهجية والوسائل التكنولوجية.
والنظام التربوي بأبعاده وأهدافه الإستراتيجيات، وما يطمح إليه من تطوير أدوات العمل وتحقيق النجاعة والفعالية والمردودية والديناميكية، في مراميه ومخرجاته وغاياته، هو -وحده- من يقدر على التكفل باقتراح الحلول الجذرية، لحل مشكلات الإنسان المعقدة وتوفير احتياجاته المتزايدة، لذلك نجد القائمين على الحكم والتربية والتعليم، يسعون -دوما- إلى البحث عن ابتكار الأفكار والأساليب والصيغ الملائمة، لتنشئة الأجيال وتربيتهم تربية مستقيمة سليمة، تجعلهم أفراداً صالحين قادرين على تحمل مسئولياتهم وأماناتهم، حين يُدمجون في الحياة العملية والوظيفية والمقاولاتية.
وقادرين -أيضا- على التأثير الفعال والإيجابي، في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والفنية والتكنولوجية، بما يحقق أهداف التربية وغاياتها المطلوبة بقوة وفاعلية.
تتيح هذه الإستراتيجية ضمن هذه المقاربة، فرص التعلّم الجيد لبناء المعارف والخبرات والمهارات والكفاءات، وتنميتها في إطار إدماجي متكامل ومنسجم، بدلاً من التركيز على الحشو والتلقين وتكديس المعارف وتراكمها في الذهن، لاستظهارها عند الحاجة في الاختبارات والامتحانات.
والفرد الجزائري كما هو شأن كل فرد من المجموعة البشرية، مرتبط بعالمه الصغير (الوطن)، وبعالمه الكبير والفسيح (الإنسانية)، وهو يستمد قوته وفعاليته وعبقريته وبقاءه واستمرارية وجوده، من روافد هذين العالمين، فهو موجود بين تيارين متصارعين على النفوذ والتفوُّق والغلبة والهيمنة، تحكمهما ثقافتان مختلفتان، تتّحدان تارة في قواسم مشتركة، وتختلفان تارة أخرى في عناصر جوهرية بخصوصياتها المحلية، وهو-لذلك- مطالب بالتكيف –إيجابيا- مع مؤثرات هاتين الثقافتين، تكيفا كاملا غير منقوص.
والمناهج التعليمية الجديدة اليوم، تسعى سعيا حثيثا إلى بناء الفرد الجزائري الناشئ بناء شاملا وكاملا، في جميع الحقول المعرفية والفنية والتكنولوجية والأخلاقية، في إطار المرجعية الفكرية والثقافية والعلمية التي تسعى أهداف التربية وانتظارات المجتمع الجزائري إلى بنائها، في عقول الناشئة والحث على التمسك بها، كيما تحافظ هذه الأجيال الصاعدة على خصوصيتها وكينونتها وذاتها المتفوّقة، بين المجتمعات الإنسانية الطامحة، والمتشوِّفة إلى بلوغ عتبات الرقي والازدهار والرفاه.
وهذه الإستراتيجية الطموحة في بناء المناهج، هي التي تجعلها تحمل صفات الجدّة والتحديث في تَكنَجَة التعليم وعصرنته، بإدخال مقاربات تعليمية ثورية في مضامينها ومحتوياتها وأنساقها وأهدافها وغاياتها ونظم تقويمها ووسائلها، وهي بعد حين من الدهر ستصبح قديمة متهالكة غير مجدية لمواكبة التطورات، ولا تستجيب لتلبية الاحتياجات الفردية والاجتماعية المتجددة، لذلك كانت المناهج المعتمدة في نظامنا التربوي، منذ أكثر من عقدين من الزمن (في نظام التعليم الأساسي)، غير منسجمة مع التحولات الكبرى التي طرأت على الساحة الدولية والإقليمية والوطنية.
ولذلك كان إصلاح المناهج والنظام التربوي برمّته، يُعَدُّ أكثر من ضرورة، لمواكبة هذه التطورات والتحولات الكبرى، التي شكّلت الحياة الإنسانية في أنساق جديدة، على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإيديولوجي، والعلمي والتقني والتكنولوجي…
ونحن اليوم، نتعامل مع متغيرات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، وتقنية وفنية وتربوية، لم تشملها محتويات المناهج القديمة وأهدافها وغاياتها، ما جعل المجتمع الجزائري يواجه مشكلات حقيقية معقدة وخطيرة، لذلك أصبح مدعوًّا إلى تغيير أوضاعه وفلسفاته السياسية والتربوية والإستراتيجية، كيما يتكيف مع واقع العولمة التي فرضتها التطورات والأحداث العالمية المتغيرة.
إستراتيجية المناهج الجديدة:
إن المناهج الجديدة -رغم ما قيل عن الظروف التي وُضِعت فيها- وما صاحب ذلك من ردود فعل عنيفة، واحتقان بين الأطراف والأيديولوجيات المتصارعة، وإنجازها في مدى زمني قصير، إلاّ أنها تضمنت مجموعة من الأفكار التربوية والإستراتيجيات الجديدة، التي انبثقت من واقع فرضته التحولات الكبرى، المطروحة على الساحة الدولية والوطنية.
لقد بُنيت هذه المناهج، على مقاربات تربوية وبيداغوجية ثورية، جاءت متساوقة مع رياح التغيير التي هبّت على بلادنا، من المجتمعات المزدهرة التي غيّرت فلسفاتها التربوية وفق تصورات وإستراتيجيات جديدة، استوحوها من بحوث ودراسات معمقة تناولت مقاربات التدريس ونظم التقويم وبناء المناهج، وهي المقاربات التي بنيت على المبادئ التالية:
1- التركيز على الفلسفات الاجتماعية والتربوية والنفسية والأخلاقية، التي تُبنى عليها إستراتيجيات المناهج الجديدة، وهي الفلسفات التي تشمل كل العمليات التكوينية التي يساهم في إثرائها ومناقشتها، المتعلّمون تحت مسؤولية المدرسة خلال فترات التعلّم، وهذه الإستراتيجية هي ما يشكّل المؤثرات الحيوية التي من شأنها إثراء تجربة المتعلّمين وتعميقها خلال الفترة المعيّنة.
إن التقويم الفعّال، هو الذي يساعد على تشخيص الاختلالات التي تكتنف مسيرة التعلّم وتحيط بسيرورته، فيقدِّم الحلول الجذرية لعلاج هذه الاختلالات والنقائص، ويحدث ذلك حين يُشاهد الخلل في مرحلة التقويم التكويني أو الختامي، وهو المطلوب فعله من غير تسويف أو انتظار أو مماطلة، أو يُعالج في حصص الدعم والاستدراك، حينما يصيب هذا الخلل مجموعة قليلة من المتعلمين.
لأن المناهج التي كانت بين أيدينا (النظام الأساسي)، كانت تعتمد على بيداغوجيا التعليم بالمحتويات، وهي البيداغوجيا التي تكرّس مبدأ المعرفة النظرية، التي تقوم على تعليمية التراكم المعرفي في أذهان المتعلمين، ثم اعتمدت مقاربة التدريس بالأهداف في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وكانت أهداف هذه المقاربة تتبنّى تكْنَجة التعليم وتجزئة الأهداف وتخصيصها من العامّ إلى الخاص، حتى تنتهي إلى الأهداف الجزئية فتجعلها عملية وتظهر في سلوكات قابلة للملاحظة والقياس.
ولكن هذه المقاربة كانت شكلية، ولم تظهر أنشطتها إلا في إطار قرارات إدارية وتطبيقات سطحية، لم تتناول العمق الفلسفي الذي تبرز تقنياته في المناهج، والكتاب المدرسي والوثائق الرسمية وطرائق التدريس، والسندات والوسائل والتقنيات بتطبيقاتها الإجرائية، وكذا في القوانين التنظيمية لاعتمادها في واقع التدريس، بقي كل شيء على حاله منفصلا بعضه عن البعض في الحيثيات العملية والتطبيقية، مما جعل المناهج والوثائق الرسمية في صورتها التقليدية، غير منسجمة مع أهداف المقاربة الجديدة وتطبيقاته البيداغوجية.
أما المناهج الجديدة، التي وُضعت في عام 2003، فقد بُنيت على تقنيات المقاربة البنائية والإدماجية (بيداغوجيا الكفاءات)، مع إبقاء الاستفادة من تقنيات المقاربة الهادفة، في الجوانب المتعلقة بالعلمية والتكْنَجة والتخطيط الاستراتيجي، والتدقيق في معايير القياس والتقويم والأجرأة وغير ذلك.
2- اعتبار المتعلّم محوراً أساسياً في العملية التعليمية التعلّيمة، فهو شريك فعال ضمن أيِّ إستراتيجية لتنفيذ عمليات التعلّم (انتقال المنهاج من مفهوم التعليم إلى مفهوم التعلّم).
3- يصبح المدرِّس في إطار المقاربة البنائية، وسيطاً بين المعرفة والمتعلّم للتحفيز وتبسيط عمليات التعلّم، وترغيب المتعلمين على بذل المزيد من الجهد والابتكار، كما يهيّئ المدرِّس الظروف الملائمة للوضعية الجديدة محلّ بناء التعلّمات، والحثّ على النشاط والتفاعل معها، وتقويم سيرورة التعلّم ونجاعتها وفاعلياتها.
4- لكي تتحقق هذه الغاية، وُضعت شروط اختيار الوضعيات من واقع المتعلّمين، وطرحها في إطار مشكلة معقدة، يستدعي حلّها تجنيد المكتسبات القبلية، من معارف وخبرات وتجارب، واستعدادات وقدرات ومهارات وكفاءات.
5- تتيح هذه الإستراتيجية ضمن هذه المقاربة، فرص التعلّم الجيد لبناء المعارف والخبرات والمهارات والكفاءات، وتنميتها في إطار إدماجي متكامل ومنسجم، بدلاً من التركيز على الحشو والتلقين وتكديس المعارف وتراكمها في الذهن، لاستظهارها عند الحاجة في الاختبارات والامتحانات.
6- اعتبار التقويم جزءاً هاما من العملية التعليمية التعلّمية، فهو مُدمج فيها وملازم لسيرورة التعلّم، وليس خارجاً عن نطاقها، في استقلالية تامة أو شبه تامة.
والتقويم وفق هذه الإستراتيجية، يُصبح أداة فعالة لتشخيص النقائص وإزالة العوائق، وتصحيح المسارات وتعديلها، حينما تُكتَشف مشكلات التعلّم، وتضعف الفعالية والنجاعة والمردودية في نواتج المخرجات التعليمية.
إن التقويم الفعّال، هو الذي يساعد على تشخيص الاختلالات التي تكتنف مسيرة التعلّم وتحيط بسيرورته، فيقدِّم الحلول الجذرية لعلاج هذه الاختلالات والنقائص، ويحدث ذلك حين يُشاهد الخلل في مرحلة التقويم التكويني أو الختامي، وهو المطلوب فعله من غير تسويف أو انتظار أو مماطلة، أو يُعالج في حصص الدعم والاستدراك، حينما يصيب هذا الخلل مجموعة قليلة من المتعلمين.
محتويات هذه المناهج
يشكّل التعليم الابتدائي حجر الأساس والمنطلق القاعدي لتنشئة الأجيال وتربيتهم وتعليمهم، ويستدعي ذلك اعتماد مواد دراسية وأنشطة تعليمية تتوافق مع قدراتهم العقلية ورغباتهم ودوافعهم وميولهم واتجاهاتهم، لتحقيق التربية المتوازنة في البناء القاعدي بجميع أبعاده وأهدافه ومراميه وغاياته، وتتمثل محتويات هذه الأنشطة في المواد التالية:
اللغة العربية: حسب المادة الثانية من الدستور، تكون العربية هي اللغة الرسمية في الجزائر، يجري التعامل بها في جميع مناحي الحياة السياسية، والاجتماعية والعلمية والثقافية والتكنولوجية والإدارية، وفي جميع المعاملات الاقتصادية والتجارية، لأن الدستور هو أعلى وثيقة رسمية، تشرّع للأمم المبادئ الكبرى التي تقوم عليها فلسفة حياتهم وقوانينهم وتشريعاتهم.
التربية التشكيلية نشاط ينمّي الانتباه والتركيز والملاحظة والإدراك، ويربّي الذوق، ويقوّي الإرادة وحب الجمال الذي هو أساس العمران، لذلك أعيد النظر في بناء منهاج هذه المادة، وفقاً لما تستدعيه الحاجات الفردية والاجتماعية، في ضوء المستجدات والمعطيات الجديدة، التي ركزت على بناء الكفاءات المعرفية والمهارية.
لذلك اعتمدت العربية في التعليم، ضمن المناهج الدراسية كلغة أولى، يتم بها التعلّم وطلب العلم والمعرفة، ولاسيما في المرحلة الأساسية التي تتشكل فيها البُنى الفكرية والنفسية والعاطفية والوجدانية والدينية والأخلاقية، كيما تتشرّب الأجيالُ قيَمَ حضارتها في مراحل حياتها الأولى، فتنشأ على التشبّع بحب الفضائل والمكارم وحبّ الأوطان، والاعتزاز بروح الانتماء والحس الوطني والقومي، وتغرس في نفوسهم الحصانة والمناعة، من الذوبان في الثقافات الأجنبية المهيمنة، ذات التأثير القوي على النفوس الضعيفة والمغزوّة بسحر المؤثرات الخارجية حين تكون النفوس مضطربة، وتعاني من الخلل في بنياتها الفكرية والثقافية والوجدانية، وتحمل الاستعداد والقابلية الطوعية للغزو الخارجي والذوبان والتفكُّك الاجتماعي، فالحصانة الثقافية والوجدانية والأخلاقية، هي من يعصم الأجيال من الانحلال والتفسُّخ، والتبرُّم من كل قيمة وطنية أصيلة، لها جذور وامتداد تاريخي أو حضاري.
والبناء الصحيح للمناهج الدراسية، وفق الأسس الفلسفية والدينية والاجتماعية والأخلاقية، هو من ينشئ الأجيال على قاعدة حب الأوطان والاعتزاز بأمجادها وموروثاتها ورموزها.
الرياضيات والتكنولوجيا: ولكي يكون المتعلمون قادرين على استعمال تقنيات التحليل والاستدلال، وفهم العالم الحي من حولهم، فإن المناهج الجديدة رعت هذه الحالة السيكولوجية، فأدرجت في المستويات الأولى من المرحلة الابتدائية، نشاطات التربية العلمية والتكنولوجية، بوصفها نشاطات حيوية تمكِّن المتعلمين منذ سنٍّ مبكرة، من الملاحظة والقياس والتفكير السليم والتجريب الميداني.
ويبنون معارفهم الأولية حول أشياء طبيعية، تدمج ضمن نسق بيولوجي فيزيائي كيميائي، لتكون قاعدة أولية تعينهم على إدراك هذه الأبعاد، من غير تعمّق في التفصيلات الجزئية، التي تناط بالتخصصات العلمية العليا.
وفي نشاط الرياضيات، تتاح لهم فرص التدريب على التعامل مع المفاهيم الرياضياتية والحسابية، والأدوات الهندسية بوجه أكثر ملاءمة، وهي مواضيع قريبة من واقعهم، وتدخل ضمن اهتماماتهم، فهي لغة التجريد، والمنطق، والدقة، والترميز.
العلوم الاجتماعية: وهي نشاطات تتعلق بتاريخ الإنسان ومكانه، وتمدّنه ودينه وأخلاقه، فينشأ المتعلمون منذ صباهم متشرِّبين هذه القيم، مدركين أبعادها الروحية والوطنية والقومية والجغرافية، وقد يلاحظون ما تقوم به بلادهم من ترقية القوانين، التي تحكم التطوّر الاجتماعي في إطار متناسق مع أسس المواطنة والحرية الفردية والجماعية وحقوق الإنسان، وقيم العدالة والتسامح والتضامن، والاندماج ضمن القيم الإنسانية العالمية.
التربية الموسيقية: أدرج المنهاج نشاط التربية الموسيقية، لما لها من تأثير على تربية الذوق، والتناسق والجمال والإيقاع، والتواصل مع الآخرين عن طريق اللحن، وإشراكهم في مشاعرهم وعواطفهم، فهي اللغة التعبيرية التي تنسجم مع قوى الإنسان الثلاث، العقل، الوجدان، الحس الحركي (المهارات الجسدية)، وتنميتها وصقلها وتهذيبها.
التربية التشكيلية: وهي نشاط تركّز عليه الاهتمام خلال السنوات الأخيرة ، لأنها محكومة بالتطوّر الحاصل في مجال الصناعة، ووسائل الاتصال والتوسُّع العمراني، والاندماج العالمي في إطار العولمة واقتصاد السوق.
وهي نشاط ينمّي الانتباه والتركيز والملاحظة والإدراك، ويربّي الذوق، ويقوّي الإرادة وحب الجمال الذي هو أساس العمران، لذلك أعيد النظر في بناء منهاج هذه المادة، وفقاً لما تستدعيه الحاجات الفردية والاجتماعية، في ضوء المستجدات والمعطيات الجديدة، التي ركزت على بناء الكفاءات المعرفية والمهارية (الحركية).
التربية البدنية: انطلاقاً من المقولة المشهورة “العقل السليم في الجسم السليم”، فإن التربية البدنية –بناء على ذلك- تكتسي أهمية بالغة في حياة الأطفال الدراسية، فهي نشاط يتوافق مع ميولهم ورغباتهم واتجاهاتهم، في إشباع حاجاتهم الحركية والمهارية، وأهدافها الحركية والترفيهية تنسجم مع حركة نموهم السريع، فيسعون من خلال ممارستها إلى إثبات ذواتهم في المحيط الذي يعشون فيه.
ولما كان الطفل يميل بطبعه إلى اللعب واللهو والحركة، فإن نشاط التربية البدنية، يُعدّ الإطار الأمثل لتلبية احتياجات المتعلمين في اللعب والحركة، في أجواء يسودها المرح والانشراح والأريحية.
لهذه الأسباب النفسية والتربوية والموضوعية، راعى المنهاج الجديد قيمة هذا النشاط، وأثره السيكولوجي على نفسيات المتعلمين، فأعطاه عناية هامة وخصّص له ساعة ونصف ساعة أسبوعيا، وهو وقت كافٍ لممارسته تحت إشراف المدرِّس ومساعدته وتوجيهه.
وبهذه الوقفة الموجزة نكون قد أعطينا ملمحا مقتضبا، عن قيمة المناهج الدراسية في الحياة الدراسية عندنا، وأوضحنا أن مناهجنا الجديدة ليست بدعا من المناهج في العالم، بل هي مبنية على النسق البيداغوجي ذاته الذي بُنيت عليه المقاربات التعليمية في العالم. بل هي مبنية على ذات النسق النفسي والبيداغوجي، الذي بنيت عليه المقاربات التعليمية في العالم، وكل شيء مهما كمل فهو ناقص وغير مكتمل، لأنه إنتاج بشري.