منجزات على قدم وساق

اللقاء الدوري لرئيس الجمهورية مع الصحافة الوطنية، أماط اللثام عن كثير من القضايا التي كان المواطن يريد أن يسمعها على لسان الرئيس شخصيا. هذه النافذة، التي دأب على فتحها رئيس الجمهورية دوريا، كان قد أسس لها خلال الأشهر الأولى من عهدته الرئاسية الأولى كتعهُّد انتخابي: نافذة مفتوحة على قضايا الوطن والمواطن، عبر ممثلي الإعلام الوطني، وهو ما لم يكن يحدث عندنا قطّ.
مخاطبة المواطنين، عبر الإجابة عن كل التساؤلات المطروحة وطنيا ودوليا وعربيا وإقليميا، من شأنها أن تطمئن المواطن عن الأوضاع العامة، خاصة أن شريحة كبيرة تثق في كلام الرئيس وتصريحاته، أكثر من أي كان. يتجلى هذا من خلال الرسائل المفتوحة والمناشدات لرئيس الجمهورية شخصيا للتدخل في قضايا صغيرة وهامشية، لكنها “عظيمة” و”مصيرية”، لدى أصحابها: كبيرة بالنسبة إليهم ومستعصية عن الحل، لأسباب قد تكون إدارية أو قضائية معقدة أو بسبب الإهمال والبيروقراطية و”الحقرة”، كما يراها المواطن.
رغم أن وسطاء رئيس الجمهورية يعملون في معظم الولايات على تقريب المواطن من الرئيس، إلا أن الإجراءات والعرائض تحول أحيانا دون اللجوء إلى هذا المنحى، خاصة في أمور استعجالية لدى المواطن، ما يجعله يلجأ إلى المناشدات المفتوحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما يستوجب النظر في هذه المناشدات، وتذليل الصعوبات التي تواجه المواطن، الذي لا يرى إلا رئيس الجمهورية قادرا على حلها، مع أنها لا ترقى إلى ذلك بالمرة: كان على رئيس الجمهورية شخصيا أن يتدخل مثلا لإنهاء وضع آلاف المؤسسات الإنتاجية المغلقة بسبب وثيقة المطابقة أو ما شابه ذلك.
الأمور تغيرت كثيرا منذ ذلك الحين، مع ذلك، لا يزال المواطن يواجه مثل هذه العقبات التي تعود لعقود سابقة، ولا يمكن بين عشية أو ضحاها أن تُحل وبمجرة تدخل هاتفي، إذ على الإجراءات الإدارية والقانونية والذهنية أن تتغير في أسرع وقت، وعلى الرقمنة أن تفضّ هذا التشابك وهذا الاشتباك بين المصالح في مجال العقار والملكية والمنازعات القضائية والإدارية.
أهم شيء ركز عليه الرئيس هو أخلقة العمل، كل أشكال العمل: الاقتصادي والسياسي والإداري والمهني والتجاري، لاسيما مجال الاحتكار والمضاربة الذي تحوَّل إلى ممارسة وقاعدة عادية: “دعه يضارب، دعه يربح، ودع المواطن يخسر”: هذه حالتنا من عقود، بسبب دعم الدولة لكثير من المواد الاستهلاكية، واعتمادها على الاستيراد في كل شيء، بسبب اعتماد سياسة ريعية، غير منتجة. اليوم، تتغيّر الأمور تباعا وبشكل ملحوظ: الإنتاج غير النفطي، في الزراعة وفي الصناعة والخدمات، صار تنافسيا والتصدير صار مطلبا للكثير. غير أن الوفرة بشكل كبير، وتجاوز الطلب الوطني، لا يزال مطلبا ملحًّا من أجل قطع دابر المضاربة بالتزامن من قطع دابر ذلك عبر الإجراءات الردعية القانونية والرقمنة، التي يركز عليها الرئيس، وهذا ما بدأ يحدث ويعطي ثماره، وقد لاحظنا أن رمضان السنة الماضية كان أحسن من سابقيه، كما أن الوفرة لهذه السنة في مجال الخضر والفواكه واللحوم، كانت أفضل من السنة الماضية، مع ذلك، يبقى المواطن في حاجة إلى أن يرى مزيدا من الأريحية في القدرة الشرائية وفي الوفرة وتهاوي الأسعار.
في السنوات الأربع المقبلة، إذا واصلنا على هذا النحو، قد ننجز المهمة ونكون قد اقتربنا من تهدئة المخاوف وطمأنة الشعب برمَّته، على أن التجربة قد أعطت ثمارها وأن الإصلاحات العميقة قد آتت أكلها، تمهيدا لرؤية البلد يتطلع إلى أولويات أخرى، لا تزال إلى اليوم تمثل لدى الكثير، أولوية قصوى.