-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الرئيس تبون ينجح في الانتقال بها إلى مساحات المبادرة

من إفريقيا إلى أوروبا.. الدبلوماسية الجزائرية ترفع السقف عاليا

عبد السلام سكية / حورية عياري
  • 7288
  • 0
من إفريقيا إلى أوروبا.. الدبلوماسية الجزائرية ترفع السقف عاليا
ح.م

كشفت الأزمة التي يشهدها العالم بعد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، عن الدور المحتمل الذي يمكن أن تلعبه بعض الدول على صعيد تهدئة الوضع تفاديا لأي تصعيد قد يأتي على الاستقرار العام، ومن هنا جاءت زيارة المفوض السامي للشؤون السياسية والدفاع في الاتحاد الأوربي، جوزيب بوريل، إلى الجزائر، والتماسه من هذه الأخيرة القيام بدور ما من أجل المساهمة في تهدئة حدة الصراع في العالم. المبادرة التي أطلقها المسؤول الأوروبي جاءت انطلاقا من القناعة التي باتت راسخة لدى كبار العالم بأن العودة اللافتة للجزائر على الصعيدين الإقليمي والدولي تؤهلها لتأدية دور يتناسب وموقعها كقوة إقليمية في حوض البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا..
وبذلك تنتقل الجزائر في حراكها الدبلوماسي اللافت من الفضاء العربي والإفريقي إلى عمق أوروبا، حيث نيران الحرب الروسية الأوكرانية مشتعلة، ويبدو أنّ الأطراف المعنية تراهن على الجزائر لتأدية دور متقدم في تسهيل عمليات الإطفاء على الأقل.

انتقلت من رد الفعل إلى الفعل الاستباقي
الدبلوماسية الجزائرية.. تحرّك على كل المستويات
استفاقت الدبلوماسية الجزائرية، بعد “غفوة” امتدت لسنوات، جعلتها بعيدة عن مسرح الأحداث، فبدل أن تكون فعالة تحولت إلى مفعول به تتلقى الصدمات والضربات وتسعى لتجنب الدسائس والمؤامرات لا غير، دون أن يكون صوتها مسموعا كما يقتضيه إرثها الثقيل.
وضع الرئيس تبون خلال حملته الانتخابية في التزاماته الـ54، جملة من التعهدات، في مجال الدبلوماسية، ومن ذلك مراجعة الأهداف والمهام الكلاسيكية للدبلوماسية الجزائرية (العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف)، ومنذ ذلك شهدت الدبلوماسية الجزائرية تطوّرًا لافتًا في التّعاطي مع القضايا السياسية الخارجية، إذ تواجه الجزائر العديد من الأزمات بجرأة وعنفوان في بعض الأحيان، حيث انتقلت من رد الفعل إلى الفعل، خاصة أن لا وجود فيه لمنطقة رمادية.
كانت الورشة الأولى التي اشتغلت عليها الدبلوماسية الجزائرية، ليبيا المثقلة باقتتال داخلي وتآمر خارجي، وعلى هذا الأساس تحرك الرئيس تبون في أول محطة له في لقاء دولي حول الجارة الجنوبية، وتم عرض التصور الجزائري لحل الأزمة التي تدخل عقدها الثاني، بأن لا “حل عسكريا، ورفض التدخلات الخارجية، وأن الحل في ليبيا ليبي ليبي لا غير”.
المقاربة الجزائرية لإحداث سلم واستقرار دائم في ليبيا، استلزمت رفع الصوت عاليا في مواجهة القوى التي كانت تدفع “الانقلابي” خليفة حفتر لإسقاط العاصمة طرابلس وبسط يده على البلاد لاحقا، كان الرد سريعا من الجزائر “طرابلس خط أحمر”، أحدث التحذير الجزائري الصدى الواجب، توقفت العملية العسكرية، وعادت لتؤكد على “الحل السلمي بين أبناء البلد الواحد دون إملاءات خارجية”.
إيلاء الاهتمام بشكل واسع لليبيا، لم يمنع من التنبه للخطر الذي صارت تشكله “مملكة الحشيش” وإعداد العدة لمواجهة “المؤامرة الصهيو- مخزنية”، وقطع أذرعها التي تشكلها حركة “الماك الإرهابية”.
في التعامل مع المملكة المغربية، تريث صانع القرار، حتى تبلورت الشواهد والأدلة ضد الرباط، ليتم اتخاذ القرار بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، في قرار لم يكن ليتخذ لولا المقدرة واليقين من مواجهة الكيان الصهيوني الحليف للمخزن، وعليه جاء التحرك لوقف مؤامرة المغرب بإيجاد مكان لدولة الاحتلال في الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب، وبعد فرملة القرار ووضعه في “الثلاجة”، كان لزاما استعراض العضلات أمام العدو في محفل دولي.
وكانت الفرصة للجزائر مع شركائها الموثوقين في الاتحاد، لطرد وفد صهيوني من حضور قمة الاتحاد قبل أيام في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وشاهد العالم كيف سيقت دبلوماسية صهيونية خارج القاعة ذليلة صاغرة، رغم الترتيبات التي وضعت لها من قبل حليفها والشواهد تشير إلى أنه مغربي.
ومن القارة الإفريقية إلى القارة العجوز شمالا، واستنادا إلى قاعدة مصافحة الأصدقاء وإدارة الظهر لمن يثبت “شططه”، يمكن إسقاط ذلك على تعامل الجزائر مع ايطاليا وفرنسا واسبانيا.
لا يحتاج المتابع إلى كثير من النباهة والفطنة ليتيقن من “جودة” و”متانة” علاقة الجزائر مع ايطاليا، وهو ما تجلى في اللقاءات التي جمعت الرئيس تبون مع نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، ثم لقائه هنا مع رئيسة الوزراء الجديدة جورجيا ميلوني، وجعل روما الطرف الموزّع للغاز الجزائري في أوروبا، بعد زيادة الإمدادات إليها.
أما إسبانيا التي حادت عن الشرعية الدولية ووقفت إلى جانب المغرب في احتلاله للأراضي الصحراوية، جاءها “الرد سريعا وصادما”، حيث تقرر تعليق العمل بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون معها، زيادة على إجراءات قاسية في الجانب الاقتصادي، أدخلت مدريد في أزمة كبيرة جراء تقلص صادراتها إلى الجزائر، ورغم المساعي ورسائل الود التي تبعث بها حكومة سانشيز، لم ترد الجزائر عليها وشرطها للصفح عنها “التوبة من الخطأ”.
وعن فرنسا التي تلعب ورقة المراوغة في علاقتها مع الجزائر، فكان الرد على “شطحاتها”، بموقف حازم، خاصة عقب تصريحات ماكرون التي زعم فيها بعدم “وجود أمة جزائرية قبل 1830″، ولاحقا المساهمة في تهريب مواطنة جزائرية محل إجراء قضائي من تونس.
ودفعت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي رفعت أسعار الغاز إلى مستويات غير مسبوقة، لجعل الجزائر “مكة” يحج إليها مسؤولو الدول لضمان التزود بالغاز في فصل الشتاء، الذي كان “متعبا” “وقاسيا” على الأوروبيين خاصة.
ولأن الجزائر تحوز كل المقومات، كان لزاما التواجد في “فضاءات الكبار”، وعليه اختار الرئيس تبون التواجد في مجموع “بريكس” الاقتصادية، وهو المسعى الذي يحظى بالقبول وعدم وجود “فيتو” حوله.

الأزمة التي يمر بها العالم تعيدها إلى الواجهة
الجزائر مطالبة بلعب أدوار في عالم ما بعد القطبية الأحادية

طلب هيئة دولية بحجم الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة من كبريات دول العالم تدخل الجزائر على خط الوساطة الأوكرانية الروسية لتخفيف حدة الحرب لا يمكن إلا أن يكون دليلا على أن الدبلوماسية الجزائرية تحتل الريادة في قيادة الوساطات لمعالجة النزاعات الدولية والإقليمية والعربية، وذلك بفضل قيامها على مبدإ احترام سيادة الدول وحل الأزمات سلميا دون تدخل أجنبي، كما أن استنجاد الاتحاد الأوروبي بوساطة الجزائر، هو راجع لإيمانه بقدرات الجزائر على النجاح في حلحلة الأزمة من جهة بسبب علاقاتها الطيبة مع جميع الدول لاسيما روسيا و أوكرانيا طرفي الأزمة من جهة أخرى.
ونظرا لقوه الدبلوماسية الجزائرية وعودتها إلى الساحة الدولية ومعالجتها للعديد من القضايا الراهنه، خاصة مسألة مالي وليبيا، ولا يخفى على أحد تجارب الجزائر الناجحة في مجال الوساطات، فقد تدخلت عبر التاريخ على حل العديد من القضايا المعقده منها، قضيه تحرير الرهائن الأمريكيين في طهران بإيران، ولم تصدق الولايات المتحدة الأمريكية أن بلدا مثل الجزائر يمكنه أن يحل هذه الازمة، ونفس الأمر بالنسبة إلى التسوية بين إيران والعراق، وهو ما أشار إليه المحلل السياسي جيلالي شقرون الذي يرى أن السياسة التي اتبعتها الجزائر تتماشى مع ما جاء في الدستور الذي نص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة وحل الأزمات السياسية بطرق سلمية، حسب ما تمليه الأعراف الدولية والقوانين التي نصت عليها المنظمات الدولية الكبرى كهيئة الأمم المتحدة والجامعة العربية.
قدرة الجزائر على النظر بموضوعية إلى إقناع الأطراف على الجلوس على طاولة المفاوضات وقناعة الاتحاد الأوروبي بأن الجزائر دولة فاعلة وقوية من حيث الإقناع لتحقيق التهدئة المنشودة، ونظرا لتقدير الجزائر لحجم التحديات والرهانات والمسؤوليات التي ألقيت على عاتقها في التعويل عليها من قبل كل العالم لتخفيف حدة الحرب على العالم فإنها ستضع بكل ثقلها في إنجاح هذه الوساطة والطلب الأوروبي، يقول الأستاذ عبد القادر سوفي، لم يأت من فراغ بل بناء على معرفته بتجربة الوساطات الجزائرية المعروفة بقوتها على الاقناع والعمل بهدوء وعدم استغلال الوضعيات المتأزمة للدول الأخرى.
خطوة الاتحاد الأوروبي هذه من شأنها أن تعزز مكانة الجزائر أكثر فأكثر في المحافل والهيئات الدولية من حيث صناعة القرار في العمق العالمي والإفريقي والعربي، وستصبح الجزائر قبلة للعديد من الدول في حل القضايا العالقة، كما أن هذا الأمر سيعزز ملف الجزائر أمام الأمم المتحدة للحصول على مقعد في مجلس الأمن الدولي ممثلة للاتحاد الافريقي وسيكون صوتها مسموعا.
ورغم أن أمر الوساطة ليست سهلة إلا أن الاتحاد الأوروبي أدرك أن الجزائر أصبحت مهمة بعد أن أضحت عضوا مهما في البريكسيت هذا التكتل الاقتصادي الدولي الذي نشأ حديثا والجزائر دولة فاعله فيه وكلمتها لا يمكن أن ترد، يقول الأستاذ جيلالي شقرون، لأن سياستها الخارجية تتميز بالحياد الإيجابي في كسب كل الأطراف الدولية، مما يمكنها في حل هذه القضية المعقدة ونأمل ذلك والتجارب هي ثمرة العمل الدبلوماسي الجزائري خاصة مع مشروع الجزائر الجديدة الذي جاء به الرئيس تبون.
وبطبيعة الحال، سمح النشاط الدبلوماسي الكبير الذي تعرفه الجزائر منذ اعتلاء رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون سدة الحكم بتعزيز حضورها في أهم المنظمات الدولية والإقليمية والهيئات القارية وذلك اعترافا من المنتظم الدولي بدورها البارز كقوة فاعلة في إرساء دعائم الأمن والاستقرار في العالم، وهو ما سيمكنها من قيادة المنطقة بجدارة واستحقاق ويكسبها صفة الدولة ذات القوة الوازنة لتحقيق الاستقرار المنشود ويعطيها ثقلا سياسيا، وهي كلها اعتبارات كافية لتحقيق والفوز بالطموح القيادي المشروع والمستحق.

توافد كبير للقادة الأفارقة عليها
الجزائر تنتقل من الدفاع عن مصالح إفريقيا إلى العمل الميداني

تعرف الجزائر مؤخرا توافد كبير لقادة وكبار المسؤولين الأفارقة كان آخرها زيارة الرئيس الأوغندي التي توجت بإبرام اتفاقيات عدة، وهي زيارات تعكس مدى أهمية الدور الذي تلعبه الجزائر في القارة الإفريقية من خلال سعيها الدؤوب لأجل تعزيز علاقاتها نحو الجنوب.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي أحمد ميزاب في تصريح لـ”الشروق” بأن دور الجزائر في القارة الإفريقية يتجسد من خلال محاور ثلاثة، هي تفكيك ألغام الأزمات في القارة الإفريقية لقناعة الجزائر بأن من بين عراقيل ومعيقات أي مشروع نهضة افريقية انتشار الأزمات وتنامي الجريمة بكافة أشكالها وهذا ما يقود إلى استباحة المنطقة الإفريقية من خلال التدخلات العسكرية الأجنبية وفرض الوصاية عليها، ويؤدي لتفاقم الأزمات وتعقدها.
أما المحور الثاني للمقاربة الجزائرية لإنجاح النهضة الإفريقية فيتمثل في تعزيز قدرات بعض دول القارة الإفريقية نظرا للظروف التنموية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي كانت تعيشها، ولذلك كانت الجزائر سباقة لتقديم المساعدات والدعم لدرجة مسح ديون هذه الدول الإفريقية، فبين عامي 2013 و2018، ألغت الجزائر – لأسباب إنسانية – ديون 14 دولة أفريقية بقيمة 3.5 مليار دولار وتم إطلاق عدد لا يحصى من المشاريع العملاقة مثل الطريق العابر للصحراء الذي يعود تاريخه إلى عام 1964 على محور الجزائر لاغوس، وتسعى حاليا لتمويل السوق الإفريقية بالمنتوجات الجزائرية بأسعار تنافسية حيث تقدر الصادرات الجزائرية للدول الإفريقية بنحو 300 مليون دولار 80 بالمائة منها غاز، والهدف هو زيادة الصادرات مع الخدمات اللوجستية الملائمة سيما من خلال خط الجزائر-داكار ومنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.
والمحور الثالث المقاربة الجزائرية، قال ميزاب، هو المرافعة من أجل مصالح القارة الإفريقية على مستوى المحافل والمنابر الدولية من أجل تمكين القارة من أخذ موقعها والاستفادة من حقوقها ناهيك عن النضال من أجل تصفية الاستعمار، خاصة بآخر استعمار في القارة الإفريقية وهو قضية الصحراء الغربية، فالجزائر – يضيف ميزاب – أرادت أن تترجم ديناميكيتها من خطوات عملية وانتقلت من مرحلة المرافعة إلى مرحلة الفعل ويظهر ذلك من خلال إقدام رئيس الجمهورية في القمة الإفريقية الأخيرة على إنشاء وكالة وطنية للتضامن الدولي ضخ فيها قرابة المليار دولار لتمويل المشاريع التنموية الإفريقية لقناعة الجزائر بأن محاربة الإرهاب لن تؤتي نتائجها بالتدخلات العسكرية بل بمشاريع التنمية وفك العزلة وامتصاص البطالة وكذلك بملء الفراغ التي تستغله بعض الدول لفرض سيطرتها على الأفارقة.
وتبذل الجزائر العديد من الجهود الدبلوماسية في السنوات الأخيرة لضمان أن تتحدث إفريقيا بصوت واحد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو ما يؤهلها أن تتبوأ هذه المكانة كما تسعى لتوحيد جهودهما الدبلوماسية لتشكيل محرك الاتحاد الأفريقي في مواجهة ظهور لاعبين اقتصاديين أقوياء في القارة، حيث تريد الجزائر إلهام الدول الأفريقية لتبني موقفها التاريخي بعدم الانحياز باعتباره التحدي الرئيسي للدول الأفريقية في تنويع شراكاتها مع الدول التي ترغب في الاستثمار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!