من منحة البطالة إلى متابعين بالتهرّب الضريبي.. تفاصيل السقوط في فخ شركات الذهب!

تواصلت فضائح محاكمة “الذهب” لليوم الخامس على التوالي، بمواجهات ساخنة بين القاضي والمتهمين وبين المتهمين فيما بعضهم والذين حاولوا التنصل من المسؤولية الجزائية للإفلات من العقاب، فيما كشفت هيئة محكمة القطب الاقتصادي والمالي، عن الحجم “المهول” للضرائب التي ستقع على عاتق أصحاب السجلات التجارية من فئات البطالين و”الزوالية” والمطلقات بعد طي ملف الحال، واستدعائهم من طرف مصالح الضرائب لدفع الملايير المدانين بها مع أنهم لا يحوزون على فلس واحد سوى منحة “البطالة” التي يتلقونها، ليجدوا أنفسهم في الأخير أمام مقصلة القضاء عن تهم “التهرب الضريبي” التي ستجرهم، لا محالة، إلى زنزانات السجن وهي نهاية كل “الطامعين”.. وصدق القاضي حينما خاطب هؤلاء قائلا: “ماعندكومش دراهم ولم تستلموا الذهب.. والضرائب تقول لكم غدا أرواحوا تخلصوا ديونكم أو تسجنون”.
وقد استأنفت محاكمة المتهمين في ملف “الذهب” لليوم الخامس على التوالي، حيث تبين من خلال استجواب هيئة محكمة الفرع الثالث للقطب الجزائي الاقتصادي والمالي للمتهمين، أن جميعهم تعاملوا بنمط متشابه ومتطابق والمتمثل في قيامهم بإيداعات نقدية في حساباتهم البنكية ثم القيام بتحويلها مباشرة إلى حساب شركات استيراد الذهب المتابعة في ملف الحال، كما أن أغلب المتهمين عاطلين عن العمل أو كانوا ينشطون في مجالات مختلفة وقد قاموا بتغيير نشاطهم حديثا نحو مجال التجارة بالجملة للمجوهرات وهو ما يدل بوهمية النشاط وعدم وجوده على أرض الواقع بالإضافة إلى حداثة فتح الحسابات البنكية والقيم المالية الضخمة التي نطق بها الرئيس، فالحديث هنا بالملايير، على حد تعبير القاضي.
من منحة البطالة إلى تجار للذهب إلى مدانين بالضرائب
وفي هذا السياق وخلال استجوابه للمتهم “ش. إسلام”، بطال ويتقاضى منحة البطالة، فإن القاضي كشف له حقيقة الضرائب المترتبة بسبب التلاعب بختمه وسجله التجاري وما يليه من تحرير فواتير وهمية ومزيّفة.
القاضي: أنت متابع بجنح الغش الضريبي، تبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية منظمة عابرة للحدود الوطنية وباستعمال التسهيلات التي يمنحها النشاط المهني، التزوير واستعمال المزوّر في محررات تجارية ومصرفية، ممارسة نشاطات تجارية تدليسية بتحرير فواتير وهمية ومزيّفة، تعترف أم تنكر؟
المتهم: لا سيدي الرئيس، أنكر التهم الموجهة لي.
القاضي: أنت تتقاضى منحة البطالة، كيف أصبحت بين ليلة وضحاها تاجرا بالجملة للذهب؟
المتهم: سيدي القاضي، في أواخر سنة 2022، اقترح عليّ جاري “م. سيد أحمد” العمل معه في التجارة بالجملة للمجوهرات والساعات وفي ظني أن الأمر يتعلق بمحل تجاري وأقوم بعملية بيع المجوهرات به.
القاضي: أنت بائع؟
المتهم: مسيّر.
القاضي: من تكفل باستخراج السجل التجاري باسمك؟
المتهم: “م. سيد أحمد” هو من تكفل بجميع الإجراءات من استخراج السجل التجاري وكراء المحل التجاري.
القاضي: التحويلات المالية التي قمت بها قدّرت بـ10 ملايير سنتيم، هل تعلم ذلك؟
المتهم: لا سيدي الرئيس، علمت بذلك عند قاضي التحقيق.
القاضي: مقابل ماذا كنت تقوم بعمليات التحويل؟
المتهم: مقابل 10 ملايين سنتيم في الشهر.
القاضي يقاطعه وباستهجان يقول له: “مليحة الخدمة هذي راك تخلص خير من إطارات الدولة”، ليرد عليه المتهم: وافقت على عرضه كوني عاطل عن العمل وكذا لثقتي به كوني تعرفت عليه بالمسجد رفقة صديقه بوشلكية يعقوب، ليتبيّن أنه لا يوجد أي محل تجاري حقيقي ولا توجد أي معاملات تجارية حقيقية، وأن مهامي اقتصرت على التنقل رفقة “م. سيد أحمد” إلى الوكالتين البنكيتين للإمضاء على وثائق هناك أجهلها، كما أنني لا أفقه في الأمور الإدارية والإجراءات البنكية.
القاضي ينادي على المتهم “م. سيد أحمد” ويواجهه بتصريحات إسلام قائلا: “هل سمعت ما قاله إسلام؟ ليجيب عليه “سيد أحمد”: “سيدي الرئيس، أنا حبيت نعاونو، غاضني زوالي وبطال”.
القاضي يثور ضده: “أنت أتيت إلى هنا وحافظ للميم.. وفي الأخير، أنت خدمت بهم والفايدة ديتها أنت وشركة “وسام بيجو” والمتهم يحاول تبرير أفعاله إلا أن القاضي أمره بالرجوع إلى مكانه وليس إلى داره.
هيئة المحكمة تواصل استجواب المتهم “إسلام”، عن تنقله إلى شركة “وسام بيجو” والمتهم يجيب: “كنت أتنقل إلى شركة “وسام بيجو” بأولاد فايت رفقة “م. سيد أحمد” وهناك أقوم بالإمضاء والختم والبصم على فواتير أجهل قيمتها المالية، بدون أن أستلم أي سلعة من مادة الذهب المصنّع أو المادة الأولية.
القاضي: ومن كان يدفع الضرائب؟
المتهم: “م. سيد أحمد” قال لي أنا من سيتكفل بدفع مستحقات الضرائب.
القاضي يرفع نظارته ويقول: “لم ولن يدفع.. الضرائب ستتابعك أنت”.
وفي هذه الأثناء، ينادي رئيس الجلسة على صديق “إسلام” المتهم “ب. يعقوب” المتابع أيضا بجنح الغش الضريبي وتبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية منظمة عابرة للحدود الوطنية وباستعمال التسهيلات التي يمنحها النشاط المهني، التزوير واستعمال المزوّر في محررات تجارية ومصرفية وممارسة نشاطات تجارية تدليسية بتحرير فواتير وهمية، وهي التهم التي أنكرها يعقوب تماما.
القاضي: أنت كذلك بطال وتتقاضى منحة البطالة؟
المتهم: بالضبط سيدي الرئيس.
القاضي: كيف انتقلت من بطال إلى تاجر الجملة للذهب؟
المتهم: جاري “م. سيد أحمد” اقترح عليّ العمل معه في التجارة بالجملة للمجوهرات والساعات على أن يتكفل بجميع الإجراءات من استخراج السجل التجاري وكراء المحل التجاري، ودفع قيمة الضرائب، كما قام بفتح حساب بنكي باسمي على مستوى البنك الوطني الجزائري وكالة زيغود يوسف ومصرف “السلام”.
القاضي: ما هو المبلغ المالي الذي قمت بتحويله من حسابك الخاص لحساب شركة “وسام بيجو”؟
المتهم: 31 مليار سنتيم.
القاضي: مقابل ماذا؟
المتهم: مقابل عمولة مالية كأجرة.
القاضي: وكيف كنت تقوم بالتحويلات المالية وماذا تفعل بعدها؟
المتهم: كنت أتنقل رفقة “م. سيد أحمد” إلى الوكالتين البنكيتين وأحيانا يرسلني وحدي بغرض الإمضاء على وثائق هناك، وبعدها أنتقل معه أيضا إلى شركة “وسام بيجو” وأقوم بالإمضاء والختم والبصم على فواتير أجهل قيمتها المالية.
القاضي: هل استلمت البضاعة؟
المتهم: لا، لم أستلم أي سلعة من مادة الذهب المصنع أو المادة الأولية وعندما أسأل سيد أحمد عن الذهب يجيبني بالحرف الواحد “لا دخل لك في ذلك.. أخدم وأسكت”.
وبلهجة شديدة الغضب يخاطب القاضي المتهم يعقوب “ما عندك دراهم ولم تستلم السلعة.. والضرائب تقولك غدا أرواح تخلص ديونك باعتبار أن السجل التجاري باسمك وأنت تقول لهم ماعنديش الصوارد.. رايح تدخل للسجن ويتابعونك بالتهرب الضريبي.. من يدفع”؟
المتهم: يصمت برهة ثم يقول للقاضي “سيد أحمد قالي خلصت الضرائب”..
القاضي يقاطعه “الآن سوف ترى بأم عينك”.. وينادي بصوت عال على المتهم “م. سيد أحمد”، قائلا “أرواح خلصت الضرائب؟” ليجيبه هذا الأخير “لا ما خلصتش”، وحاول تبرير فعله الإجرامي، إلا أن القاضي قال له وهو غاضب “ارجع إلى مكانك”، ثم يعود إلى المتهم يعقوب ويقول له “رأيت بعينك وسمعت بأذنك.. هناك اتفاق فهو مع شركة “وسام بيجو” هما المستفيدان، وأنت من سيدفع الضرائب فعندما تأتي إليك تقول لهم لا أحوز على فلس ستسجن لا محال”.
التنصل من المسؤولية للإفلات من العقاب
حاول المتهم “م. سيد أحمد” التنصل من مسؤوليته الجزائية وفعله الإجرامي المتعلق باصطياد ضحايا شباب بطال يتقاضى، منحة البطالة واللعب على الوتر الحساس من خلال استخراج سجلات تجارية بأسمائهم وإيهامهم بالانتقال إلى مصاف تجار الجملة للذهب، مما سيخرج هؤلاء من “الغرقة” على حد تعبير “ضحاياه” الذين أصبحوا متهمين في ملف الحال وتنتظرهم الملايير من الضرائب التي ستجرهم إلى السجن عن تهمة التهرب الضريبي.
القاضي: أنت متابع بجنح الغش الضريبي، تبييض الأموال في اطار جماعة إجرامية منظمة عابرة للحدود الوطنية وباستعمال التسهيلات التي يمنحها النشاط المهني، التزوير واستعمال المزور في محررات تجارية ومصرفية وممارسة نشاطات تجارية تدليسية بتحرير فواتير وهمية ومزيفة، هل تنكر أم تعترف؟
المتهم: أنكر جميع التهم المنسوبة لي.
القاضي: ما هو نشاطك بالضبط؟
المتهم: حرفي وتاجر بالجملة للمجوهرات والساعات وعندي محل تجاري بالسحاولة وكذا محل آخر لتصنيع الذهب بسيدي لكبير برايس حميدو وهذا منذ سنة 2009 إلى يومنا هذا.
القاضي: كم من عمليات تحويل قمت بها لصالح شركة “وسام بيجو”؟
المتهم: أجريت 4 عمليات تحويل.. سيدي الرئيس، أنا معاملاتي التجارية حقيقية مع شركة “وسام بيجو”، منذ سنة 2018 إلى غاية سنة 2023، فأنا استلمت حقيقة البضاعة المتمثلة في مادة الذهب المصنع من سلاسل وقورمات وأطقم ذهبية.
القاضي: ما هي قيمة المعاملات التجارية التي قمت بها؟
المتهم: من 9 إلى 10 ملايير سنتيم.
القاضي: كيف كنت تنقل الأموال إلى البنك؟
المتهم: نقدا، ثم أصبها في حسابي وبعدها أحولها إلى حساب شركة “وسام بيجو”.
القاضي: يعني الأموال تنقلها نقدا إلى البنك؟
المتهم: نعم.
القاضي: ما هو مصدر أموالك؟
المتهم: مصدر أموالي كلها مبررة وعندي فواتير تثبت ذلك.
القاضي: هل استلمت السلعة؟
المتهم: نعم سيدي الرئيس، بالفعل كما قلت لكم أن جميع معاملاتي صحيحة وحقيقية.
القاضي: طريقة بيع الذهب، كيف كانت تتم؟
المتهم: أنا أعرف أصحاب محلات الذهب وأبيع لهم مباشرة.
القاضي: تعاملت مع “وسام بيجو” لمدة سنتين واقتنيت من عندهم 34 كلغ من الذهب، صحيح؟
المتهم: نعم، سيدي القاضي، وكل شيء مبرر.
القاضي: هل كنت تدفع مستحقات الضرائب؟
المتهم: نعم، سيدي الرئيس، كل شيء “مريغل” أدفع الضرائب لدى مديرية الضرائب بكل من رايس حميدو والسحاولة.
القاضي: وماذا عن تصريحات المتهمين “ب. يعقوب” و”ش. إسلام” التي مفادها أنك أنت من اقترح عليهما العمل رفقته مقابل أجرة شهرية وبدون استلام اي سلعة من الذهب؟
المتهم: لا، سيدي الرئيس، أنكرها تماما، فهي تصريحات لا أساس لها من الصحة وهما بالغين وعلى أتم العلم بما أقدما عليه من أفعال، فلا دخل لي فيهما.
أموال مبررة ومعاملاتي حقيقية
القاضي ينتقل إلى استجواب المتهم “ج. محمد أمين”، الذي أنكر التهم الموجهة إليه، وقال إن مصدر أمواله كلها مبررة وجميع معاملاته صحيحة، باعتبار أنه صناعي للذهب ويعرف أبجديات هذه المهنة.
القاضي: أنت متابع بجنح الغش الضريبي، تبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية منظمة عابرة للحدود الوطنية وباستعمال التسهيلات التي يمنحها النشاط المهني، التزوير واستعمال المزور في محررات تجارية ومصرفية، ممارسة نشاطات تجارية تدليسية بتحرير فواتير وهمية ومزيفة، بماذا ترد؟
المتهم: أنكرها جملة وتفصيلا سيدي الرئيس.
القاضي: في ماذا تنشط؟
المتهم: أمارس نشاط التجارة بالجملة وكذا التجارة بالتجزئة للمجوهرات بالمحل التجاري بسيدي موسى، ثم غيرت المحل وحاليا أنا في القصبة.
القاضي: منذ متى؟
المتهم: منذ سنة 2017 إلى يومنا هذا، كما أنني أمارس نشاط تصنيع الذهب.
القاضي: من عند من اشتريت الذهب؟
المتهم: في سنة 2019 .. سيدي الرئيس، نشاطي تمثل في شراء السلعة من المادة الأولية للذهب وكذا سائل الروديوم المستعمل في تشليل الذهب من عند الشركة المسماة “وسام بيجو” بأولاد فايت.
القاضي: هل كنت تشتري بالفاتورة؟
المتهم: نعم، سيدي الرئيس، أنا أحوز على سجل تجاري ونشري الذهب و”نبريكولي” ونبيع وندي واش كتب ربي.
القاضي: ما هي الكمية التي اشتريتها عن “وسام بيجو” وما هي قيمتها؟
المتهم: تتراوح بين 50 و60 كلغ بقيمة 53 مليارا تقريبا.. سيدي الرئيس، أنا عندي أسبوع وأنا أتابع المحاكمة وعلى هذا الأساس نقول لكم “أنا واحد ما يخدم بالسجل التجاري تاعي، أنا هو كلش والختم يرقد تحت مخدتي.. وماذا بيا نخدم بطريقة قانونية”.
القاضي: صح، أسبوع وأنت في المحاكمة، نريد أن نستفيد من تجربتك.. ما رأيك في تصريحات المتهمين أصحاب السجلات التجارية لتجارة الذهب بالجملة؟
المتهم يراوغ ويتهرب من الإجابة ويحاول أن يخرج عن سؤال المحكمة، إلا أن القاضي قال له أنت كصناعي للذهب يعني تعرف أبجديات هذه المهنة أفدنا بشهادتك؟.. إلا أن المتهم يتحدث في كل شيء وعن كل شيء إلا أنه لم يرد على سؤال القاضي.
القاضي: أنت قمت بتحويل من حسابك البنكي المفتوح على مستوى مصرف السلام وكالة دالي براهيم إلى حساب شركة وسام للمجوهرات بقيمة تفوق 51 مليار سنتيم وهذا في سنة 2019، صحيح؟
المتهم: بالفعل سيدي الرئيس، وهي تحويلات مالية صحيحة، تضمنت معاملات تجارية حقيقية وقانونية، حيث أنني استلمت السلعة فعلا على دفعات وبموجب فواتير تجارية صحيحة، كما قمت بالتوقيع والختم والبصم عليها.
القاضي: ما هي مصدر أموالك؟
المتهم: سيدي الرئيس، مصادر أموالي مشروعة، حيث أن جزءا منها من مالي الخاص والجزء الأخر اقترضته من عند الأصدقاء، كما ان أخي المرحوم مصطفى كان يساعدني أحيانا في تمويني بالمال عند الحاجة وبعدها أقوم بتحويل هذه الأموال الى حساب شركة “وسام بيجو” وعند استلامي للسلعة من الذهب أقوم بتصنيعها وبيعها وبسبب جائحة كوفيد 19 وتراكم الديون على عاتقي قمت ببيع السلع نصف مصنعة و”كاسيCASSE “.
القاضي: وماذا عن الضرائب؟
المتهم: أقوم بالتصريح لدى مديرية الضرائب بباب الزوار بانتظام سيدي القاضي.