مواد فاسدة تغزو موائد الجزائريين والرقابة تطارد “عديمي الضمير”

انتشرت بشكل مقلق في الآونة الأخيرة كميات من المواد الاستهلاكية الفاسدة عبر أسواق ومطاعم ولاية سطيف، في وقت يشهد فيه فصل الصيف ارتفاعًا لافتًا في درجات الحرارة، ما يجعل المواد الغذائية الحساسة عرضة للتلف السريع والتحول إلى مصدر خطر يهدد الصحة العمومية.
وبينما يتهافت المواطنون على اقتناء الأغذية الجاهزة والمنتجات سريعة التحضير، ينشط بعض التجار عديمي الضمير في عرض مواد منتهية الصلاحية أو غير محفوظة في شروط صحية ملائمة، وتُظهر التدخلات الأخيرة لمصالح الرقابة، أن بعض النقاط التجارية تحوّلت إلى بؤر محتملة للتسممات، في ظل الغش والتلاعب الذي لا يراعي حساسية المرحلة ولا خطورة ما يُعرض على موائد الجزائريين.
كشفت خرجة ميدانية لمصالح الرقابة بولاية سطيف عن واقع صادم، حيث تم رصد كميات معتبرة من الأسماك الفاسدة داخل السوق المغطى بحي “طانجة” وسط مدينة سطيف، خلال معاينة ميدانية قادها رئيس لجنة الصحة والبيئة لبلدية سطيف رفقة إطارات من مديرية حفظ الصحة، التجارة والأمن. وقد تم حجز الكميات غير الصالحة وإتلافها، بعد التأكّد من عدم احترام شروط الحفظ والتبريد، ما كان سيشكل خطرًا مباشراً على المستهلكين.
في السياق ذاته، تمكّنت فرق المفتشية الإقليمية للتجارة بالعلمة، من حجز كميات معتبرة من البيض غير الصالح للاستهلاك داخل مخابز ومطاعم، حيث تم إتلافها وفقًا للإجراءات القانونية، مع تحذيرات شديدة اللهجة وجهتها المديرية للتجار المعنيين.
بالموازاة، تتواصل الحملات التحسيسية في مختلف الدوائر، على غرار دائرة عين ولمان، التي شهدت تنظيم خرجة تحسيسية موجهة لأصحاب المطاعم وقاعات الحفلات، حول الوقاية من التسممات الغذائية وطرق الحفظ السليم للمواد الغذائية سريعة التلف، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف.
الضحية “تيم”.. شاهد على استهتار التجار
يحدث هذا في الوقت الذي لا تزال مأساة الطفل “تيم عليوس” البالغ من العمر قيد حياته 14 سنة، الذي فارق الحياة الصائفة الماضية بعد 10 أيام قضاها في الإنعاش بمستشفى سطيف، شاهدة على نتائج هذا الاستهتار. الطفل كان ضمن مجموعة أصيبت بتسمم غذائي خطير بعد تناولهم شطائر “شاباتي” من محل أكل سريع بحي “عين موس”، في حادثة خلفت إصابة 31 شخصًا. وقد أثبتت التحاليل أن السبب هو سوء حفظ المواد الحساسة المستخدمة في تحضير الوجبة، ما دفع الجهات المختصة إلى غلق المحل وإحالة ملف صاحبه على القضاء.
وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور عبد الرزاق لزهر، مختص في التغذية الوقائية، أن التسممات الغذائية ترتبط بثلاثة أسباب رئيسية: ضعف شروط الحفظ، سوء التخزين، سرعة تلف بعض المواد كالبيض و”المايونيز” والدجاج، مشيرًا إلى أن الوجبات السريعة التي تحتوي على هذه المكونات، كـ”الشاباتي”، تتحول بسهولة إلى مصدر خطر قاتل إذا لم تُحفظ بشكل صحيح.
وقال المتحدث، إن أي خلل في سلسلة التبريد يفتح المجال لتكاثر البكتيريا السامة، محذرًا من أن “وجبة بسيطة قد تتحول إلى قنبلة غذائية حقيقية”. ودعا إلى ترسيخ ثقافة القراءة الواعية للوسم ومقاطعة الأطعمة مجهولة المصدر، مشدّدًا على أن “الوقاية تبدأ من المستهلك، لكنها تبقى مسؤولية جماعية”.
وجبة فاسدة تعكس الوجه الآخر للقتل بلا سلاح
من جانبه، أوضح الأستاذ سفيان خوجة، محامٍ ومستشار قانوني، أن القانون الجزائري يتعامل بصرامة مع مثل هذه التجاوزات، مضيفًا أن القانون المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش يعاقب عرض مواد فاسدة بالحبس من 6 أشهر إلى 5 سنوات، إلى جانب غرامات مالية قد تفوق مليون دينار.
وبشأن الحوادث التي تسفر عن وفيات، كوفاة الطفل “تيم”، قال الأستاذ خوجة، إن تكييف التهمة قد يتحول إلى قتل غير عمدي نتيجة الإهمال، خاصة إذا ثبت أن صاحب المحل تجاهل تحذيرات سابقة أو استعمل مواد منتهية الصلاحية، داعيًا إلى تفعيل الرقابة الميدانية ومتابعة المتورطين من دون تهاون.
ويرى مراقبون، أن ما يحدث في الأسواق والمطاعم يؤشر على خلل حقيقي في منظومة الرقابة الذاتية لدى بعض التجار، ويدعو إلى ضرورة تشديد العقوبات على من يستهين بصحة المواطن، خاصة مع تزايد حالات التسمم الغذائي كل صيف، في ظل غياب ثقافة استهلاكية راسخة لدى الكثير من المواطنين.
وفي هذا السياق، جدّدت مصالح البلدية ومديرية التجارة دعواتها للمواطنين إلى الإبلاغ الفوري عن أي شبهة تتعلق بجودة المواد الغذائية أو بحوادث تسمم، للمساهمة في حماية الصحة العمومية والتصدي لكل من تسوّل له نفسه الإضرار بالمستهلك مقابل الربح السريع.
إن ما يحدث في أسواق ومطاعم ولاية سطيف لا يُعدّ مجرد مخالفات معزولة، بل ناقوس خطر يدق بشدة في وجه الغش التجاري والتلاعب بحياة الناس. فكل مادة فاسدة تُعرض للبيع، وكل وجبة تُطهى من دون احترام لأدنى معايير النظافة، قد تكون سببًا في مأساة جديدة، كفيلة بأن تقلب حياة أسرة رأسًا على عقب. وتبقى ذاكرة الطفل “تيم” حاضرة كرمز لكل ضحية فارق الحياة نتيجة جشع أو استهتار تاجر عديم الضمير.