مَن… ومَن

عادَني بعض الإخوة للاطمئنان عليّ بعد ما علموا من اعتلال صحتي. وبعد التحية والاستفسار واطمئنانهم رُحْنَا نَخُوضُ في حديث الساعة، وهو الاعتداء الصهيوني على إيران، وقد انشطر الحاضرون شطرين؛ شطر ذهب الى أن الغلبة ستكون لإيران، لما تملكه من تفوق في عدد البشر، وهو ما يُرعبُ الصهاينة ويسمونه “القَنبلة الذرية” (بضم الذال)، ومن مساحة كبيرة، وما تنتجه من مسيرات وصواريخ باليستية أثبتت نجاعتها… وشطر ذهب إلى أن الغلبة ستكون للصهاينة لما يملكون من طيران فعال ولما يمدهم به الغرب الصليبي من أمداد شتى ومنها الطائرات الأمريكية التي لا ترصدها الردارات، ولما سيصب في خزائنهم من أموال العربان المكتنزة في بنوك اليهود في أمريكا وأوروبا، ولما يوجد في إيران من عيون عميلة للصهاينة، ولما سيقدمه بعض الخونة من “عرب” المنطقة من مساعدات ضد “الروافض”، كأنهم هم من الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم، وهم لو تسابقوا ابليس في الكيد للإسلام لغبّروا في وجهه، ولأعطوه دروسا في “الأبلسة”، لم تخطر له على بال ولم تسرح له في خيال.
كنت في أثناء حديث الإخوة مستمعاً لا متكلما، امتثالاً لتعليمات الأطباء بالصوم عن الكلام الا ما اضطررت اليه. فإذا بأحد الإخوة يقول: لم نسمع رأي “سي الهادي” في هذا الموضوع.
افتجأت (بلغة من تعرفون) من “حزب البعث الفرنسي في الجزائر”، كما يقول الدكتور أحمد بن نعمان، ولما لم أكن راغبا في الحديث، وراغباً عَنْهُ قلت: إن جوابي هو جواب الأديب المصري الساخر عبد العزيز البشري، فاستفسر عن جواب هذا الأديب الساخر، فقلت :
عندما لاحت نذر الحرب العالمية الثانية سأل هذا الأديب الساخر: لمن تكون الغلبة في هذه الحرب؟ ألألمانيا ومحورها أم لإنجلترا وحلفها؟
يبدو أن الأديب لم تكن له آنذاك “شهوة الكلام” فاختصر الجواب في قوله: من يصنع مدفعا كبيرا خيرا يره، ومن يصنع مدفعا صغيرا شرا يره. فافترق الجمعان، جمع البشري وجمعي أنا بعد ما ضحكنا رغم أن الأيام تحطمنا كما قال فيلسوف الأدباء أبو العلاء.
الشاهد في هذا الجواب هو أن الحرب في عصرنا هذا إنما هي “الحرب علم”، كما قال الفيلسوف الانجليزي الكبير برترند راسل. (انظر كتابه: المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة. نشر الجامعة العربية. ط 1960، ص 193).
ان الصهاينة ينفقون على العلم أكثر مما ينفقه المسلمون، رغم أن دينهم ابتدأ بالأمر بـ”القراءة” قبل اي ركن من أركان الإيمان وأركان الإسلام.. وعندما كتب الشيخ خالد محمد خالد كتابه “من هنا نبدأ” رد عليه الشيخ محمد الغزالي وهو صديقه، بكتاب عنوانه: « من هنا نعلم». ومن قبلهما كتب موقظ الضمائر الجزائرية الأمام عبد الحميد ابن باديس قائلا: “العلم هو وحده الإمام المتبع في الحياة في الأقوال والأفعال والاعتقادات”. (مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير. ص 139) وقال “العلم قبل العمل. ومن دخل في العمل بغير علم لا يأمن على نفسه من الضلال”. (مجالس التذكير من كلام البشير النذير. ص 107) كلاهما من نشر وزارة الشؤون الدينية .