نأكل الغلة ونسب الملة.. عالميا أيضاً!
لست بصدد الحديث عن من يأكلون الغلة داخل البلاد ويستمتعون بخيراتها بلا جدّ ولا عمل ولا تضحية ولا يتوقفون على سبّها وكيل الشتائم لها بمناسبة وبغير مناسبة، هذا الصنف لست بصدد الحديث عنه، لأني اعتبر هذه الحالة نتيجة لحالة أشد عمقا وإيلاما لأكل الغلة وسب الملة في مستوى آخر يهمنا جميعا.. هو المستوى العالمي.
لينظر أيّ منا حوله؛ مأكله، مشربه، ملبسه، أبسط وسائل العيش التي كانت متوفرة للآدميين منذ أن خُلقوا، دون الحديث عن كل ذلك الكم الهائل من الوسائل والأدوات المتطورة من هواتف نقالة وحواسيب وسيارات وإنترنت وأقمار اصطناعية وأدوية… هل لنا يدٌ فيها؟ هل ساهمنا بشيء في إنتاجها؟ أم أنها تأتينا جاهزة معلبة قابلة للاستهلاك الفوري من الغرب والشرق ونسعد بذلك، وأحيانا نجادل بعضنا حول أيها أفضل: فريق مع الأمريكيين وآخر مع الفرنسيين وثالث مع الألمان ورابع مع الصينيين وربما الروس وغيرهم من شعوب الأرض؟
لننظر إلى كل هذه الغلة التي تأتينا من الغرب، التي لولاها لما بقينا على قيد الحياة بالمنطق الذي يحكمنا الآن، حتى بترولنا وغازنا لا نستطيع استخراجه بدونهم، ناهيك عن تكريره وصناعة آلاف المنتجات منه، لا شيء نستطيع القيام به سوى أن نسبّ ملة هذه الشعوب والدول التي تُطعِمنا وتُلبِسنا وتمكّننا من البقاء أحياء.
ألسنا في وضع من يأكل الغلة ويسب الملة على النطاق العالمي؟ أليس ما يقوم به البعض على الصعيد المحلي من أكل للغلة وسب للملة سوى جزء من كل ينبغي أن ندركه؟
هل من الوطنية أن نسبّ الغرب ونأكل خبزه وزيته ونركب سيارته ونمكّنه من استخراج بترولنا وغازنا الطبيعي وحتى الصخري الذي لم يُكتشف بعد؟ أم أنه علينا أن نصحّح الموقف ونتكلم بتحفظ شديد على من بيده مصير اقتصادنا اليوم، ونطرح على أنفسنا السؤال الذي ينبغي أن يطرح: متى نصنع غلّتنا بأيدينا؟
يبدو لي أن هناك مزايدة سياسية في غير محلها اليوم من الموقف الأوروبي أو الأمريكي أو غيره تجاهنا، غير متناسبة تماماً مع الحقائق الثابتة على الأرض.. علينا أن نعمل على الوقوف على أرض صلبة حقيقة من صُنعنا إذا أردنا أن نزيل الشكوك من تدخّلات هذا أو ذاك ونستعيد الأمل في أن تكون مواقفنا سيدة. أما والوضع على حاله، فالصمت خيرٌ من أن ننتقل من أكل الغلة وسب الملة على الصعيد الوطني، إلى أكلها وسبّها على الصعيد العالمي أيضا.