نتائج الامتحانات تتحول إلى كوابيس نفسية تجهز على التلاميذ

مع نهاية كل موسم دراسي، وإعلان نتائج الامتحانات الرسمية تتكرر مشاهد الفرح والدموع، بين من نجحوا في اجتياز هذه العتبة وبين من فشلوا أو تعثروا في تحقيق النجاح، وهي لحظات يعيشها التلاميذ الراسبون تحت ضغط رهيب يمارس داخل الأسرة، تدفعهم أحيانا إلى الهروب من المنزل أو حتى محاولة الانتحار، وتحولت بذلك إلى ظاهرة صادمة بدأت تفرض نفسها على المشهد التربوي والاجتماعي مؤخرا.
ويحذر مختصون من مخاطر تعظيم وتضخيم نتائج الامتحانات وتحويلها إلى معيار لتحديد قيمة التلميذ، داعين إلى ضرورة مراجعة طريقة تعامل الأسرة والمدرسة والمجتمع مع هذه المحطات، وفتح نقاش وطني حول آليات الدعم النفسي، والتوازن المطلوب بين التحصيل العلمي والصحة النفسية.
وفي هذا الصدد يؤكد الخبير في الشأن التربوي، عومر بن عودة، لـ”الشروق” أن الامتحانات الرسمية في الجزائر تحظى بأهمية بالغة لدى مختلف شرائح المجتمع، من مترشحين وأولياء ومؤسسات تربوية، وحتى السلطات العمومية التي تسخر إمكانيات ضخمة لضمان تنظيمها في أفضل الظروف، معتبرا أن ذلك يعكس التقدير العميق للعلم ومكانته في بلادنا.
بن عودة: حذار من تضخيم النتائج وتحويلها إلى معيار لتحديد قيمة التلميذ
غير أن المتحدث نبه إلى خطورة تحول هذه الامتحانات إلى هاجس نفسي وضغط رهيب مع كل نهاية سنة دراسية، وقد يدفع ببعض التلاميذ إلى القيام بسلوكيات وتصرفات غريبة عن المجتمع الجزائري، على غرار الهروب من المنزل، أو في أسوأ الحالات التفكير في الانتحار وهو ما تم تسجيله سابقا، مضيفا أن نتائج الرسوب فترة عابرة ويجب ألا تلقى كل هذا التضخيم الاجتماعي.
وأوضح بن عودة أن السبب الرئيسي وراء هذه السلوكيات الصادمة على حد تعبيره، هو الضغط الزائد من قبل بعض الأولياء الذين يصرون على تحقيق النجاح بحسبه، ويستعملون أساليب التهديد بدل المرافقة والتحفيز مع ابنائهم، ناهيك عن المقارنات المستمرة مع زملاء قد يكونون نجحوا بمعدلات مرتفعة، الامر الذي يؤدي إلى شعور التلميذ بالإحباط والخذلان، خاصة إذا كان قد بذل جهدا طيلة السنة.
حليمة: الضغط يتسبب في تكوين جيل هش وغير قادر على تحمل الإخفاقات
وفي هذا السياق، دعا محدثنا إلى حث التلاميذ على الاستعداد المبكر منذ انطلاق الموسم الدراسي، من خلال الانضباط، وكتابة الدروس، واحترام الأساتذة، وعدم تفضيل مادة على أخرى، إضافة إلى المذاكرة الجماعية، وممارسة الرياضة، والتوازن بين الدراسة والحياة اليومية.
وأضاف أن التلميذ الذي يلتزم بهذه السلوكيات يكون مستعدا نفسيا، وهو ما يجنبه القلق الزائد حتى في حال الرسوب، داعيا في ذات الوقت الأسرة الجزائرية إلى مراجعة أسلوب تعاملها مع الأبناء خلال فترة الامتحانات، والتركيز على المرافقة والدعم النفسي بدل التخويف والعقاب.
عائلات تبني مكانتها داخل المجتمع على نتائج أبنائها الدراسية
من جانبه يرى المختص في علم الاجتماع مسعود بن حليمة، أن ردود الفعل العنيفة وغير المتزنة التي تصدر أحيانا عن بعض التلاميذ بعد الرسوب في الامتحانات الرسمية، تكشف عن وجود خلل عميق في التنشئة الاجتماعية وتدهور ثقافة التعامل مع الفشل داخل الأسرة الجزائرية.
ويؤكد بن حليمة أن الضغط النفسي والاجتماعي الذي يعيشه المترشح، خصوصا خلال اعلان نتائج الامتحانات مثل شهادة التعليم المتوسط أو البكالوريا، لا يتعلق فقط بالجانب الدراسي، بل يرتبط بمجموعة من التصرفات الاجتماعية الخاطئة، التي تساوي بين الرسوب والفشل في الحياة، وبين النجاح الدراسي والقيمة الاجتماعية للتلميذ مستقبلا، مضيفا أن التعاطي المبالغ فيه مع نتائج الامتحانات، سواء عبر الاحتفالات المفرطة للناجحين أم التوبيخ المعلن للراسبين، يصنع من هذه المحطات الدراسية “امتحان للكرامة والهوية” على حد تعبيره، بدل أن تكون مجرد تقييم مرحلي للمكتسبات الدراسية، وهو ما يتسبب بحسب المتحدث في تكوين جيل هش نفسيا وغير قادر على تحمل الإخفاقات في المستقبل.
ولفت المتحدث إلى أن الكثير من العائلات تبني طموحاتها ومكانتها داخل المجتمع على نتائج أبنائها الدراسية، وتحملهم مسؤولية الحفاظ على سمعة العائلة، وهي نظرة خطيرة يجب مراجعتها، لأنها تخلق لدى التلميذ شعور دائم بالخوف من الرسوب، أكثر من الرغبة في تحقيق النجاح.
كما شدد على أهمية زرع ثقافة تقبل الفشل كخطوة في طريق النجاح، وعدم اختزال مستقبل التلميذ في امتحان واحد، مشيرا إلى ضرورة تطوير خطاب تربوي يعيد الاعتبار للقيمة الإنسانية للتلميذ مهما كانت نتيجته، ويركز على مهاراته وشخصيته وميوله، وليس فقط على معدلاته، من خلال التركيز على الدعم النفسي والاحتواء داخل الأسرة لكونه أهم بكثير من التهديد والضغط.