نحمل القلم بيد والكفن بأخرى

تتحدث الصحفية، سماح قديح، وهي تنتظر مصيرها الذي قد يكون في قافلة الشهداء، أو مصابة تبحث عن مكان للعلاج، أو في طابور من أجل كمية قليلة من الأكل والماء الصالح للشرب، عن الوضع المأساوي لأصحاب مهنة المتاعب في قطاع غزة.
وتقول قديح، في هذا الحوار مع “الشروق”، إن الصحفيين صاروا أهدافا محببة للجيش الصهيوني الذي يريد إسكات من ينقل الفظائع والجرائم الحاصلة في غزة إلى الخارج.
ماذا يعني أن تكون صحفيا في غزة؟
أن تكون صحفيا في غزة، وهي مهنة البحث عن المتاعب، في ظل الإبادة الجماعية، وفي ظل هذا الوضع الراهن، يعني أنك تشكل خطرا على الكيان الصهيوني.
الصحفي في غزة يخاطر بنفسه بشكل كبير جدا، الكيان الصهيوني يستهدف في حرب الإبادة الصحفيين وخيامهم التي أحرقها أمام العالم.
عدد كبير من الصحفيين المرموقين تم إعدامهم بدم بارد، سواء في المستشفيات أم في ما تبقى من منازلهم أم في سياراتهم.
أن تكون صحفيا، ستكون مهددا في أي لحظة بالقصف أو تكون ضحية مجزرة، أن تكون صحفيا بالنسبة إلى دولة الاحتلال، فأنت مجرم، لأنك تظهر الحقيقة للعالم الخارجي، حتى ولو كان هذا العالم الخارجي غير مبال بما يحصل في غزة.
مجرد أن تكون صحفيا تغطي الأحداث، ولو كلفنا أرواحنا في هذه المهمة الأصعب في غزة، تحمل كفنك في يديك والقلم والكاميرا في اليد الأخرى، لأنك هدف من أهداف المجرم الصهيوني.
كيف يوفق الصحفي في غزة بين التزاماته المهنية والتزاماته العائلية، خاصة توفير الأكل في بقعة تعيش حرب إبادة وحصارا خانقا؟
هنالك صحفيون يشتغلون لوكالات أنباء وقنوات كبرى، لا يشاركون عائلتهم الحياة، فقد نزحوا إلى جنوب القطاع طيلة عمر حرب الإبادة، قبل سنة ونصف. كانت مدة سنة ونصف، يتواصلون مع عائلاتهم عبر التلفون أو النت فقط، أما اللقاء المباشر بين الصحفيين وعائلاتهم، فهو نادر.
هنالك من الصحفيين، من اضطرته الظروف حتى إلى ألا يقيم مع عائلته، خشية أن يتم إعدامها بسببه، الصحفي في غزة يؤدي عمله وهو لا يجد قطرة ماء يروي بها ظمأه، أو قطعة خبز تسد بعض جوعه، بعد ساعات من التنقل من مكان إلى مكان، لتوثيق ونقل الحقيقة.
هل العزيمة لا تزال لدى أسرة الصحافة في القطاع في نقل أهوال حرب الإبادة؟
نعم، شاهدنا عددا كبيرا من الزملاء استشهدوا في عمر حرب الإبادة، التي يرفض الصهاينة توقيفها، ولكن عندما يستشهد الصحفي، هنالك في غزة من سيكمل الرسالة، حتى ولم يكن مهيكلا في مؤسسة إعلامية، سواء أكان صغيرا أم كبيرا.
هنالك عزيمة لدى أهل غزة، على ضرورة نقل الحقيقة رغم الإبادة والخذلان والوضع المأساوي.
هل هنالك شعور بتخلي المنظمات المهنية الخاصة بالصحافة عنكم؟
الصحفيون في غزة مستهدفون، سواء كانوا يشتغلون لعناوين محلية أم دولية، حتى من يشتغل لحساب وكالة الأونروا وهي هيئة أممية تم استهدافهم لأسباب واهية.
لم يعد مهما مواقف المنظومات التي تشتغل في ما يفترض لحماية الصحافة، لأن الصحفي كغيره من أهل غزة مستهدف، المستهدفون في غزة هم الطبيب والدفاع المدني والمعلم والإمام والمرأة والطفل والرضيع.
ما شعورك عندما تعلمين بارتقاء زملاء المهنة؟
أكثر ما يؤلم حاليا، هم الزملاء من الصحفيين المصابين، ممن لم يجدوا مكانا للعلاج، وهم إما في خيم بالية أو ما تبقى من منزل، مبتور الأطراف، أو له حروق خطيرة، ينتظر مصيره بنفسه، أما من تبقى، فهم في الميدان ينتظرون أن يكونوا في قائمة الشهداء، غير خائفين من تهديدات الكيان الصهيوني.