نحن، إيطاليا.. والمافيا!

أول تعليق سمعته أمس لأحد المسؤولين عقب انفجار قناة للمياه الصالحة للشرب على مستوى الطريق السريع الرابط بين بن عكنون والدار البيضاء في الجزائر العاصمة، قوله إن إيطاليا شهدت في الساعات الماضية انهيار جسر كامل ووفاة العشرات ولا أحد تحرك للمطالبة بإسقاط الحكومة مثلا أو باستقالة وزير من الوزراء… “أما نحن فنحب جلد الذات وجلد الحكومة وشتم البلاد والعباد”!!
ورغم إدراكنا الفارق بين الحادثتين إلاّ أن النموذج الإيطالي الذي يحاول البعض تسويقه والاستناد عليه، هو نموذج خاطئ، فالفساد في إيطاليا يمشي على رجلين، وهنالك مافيا تحمل مشروعا كاملا للحكم، كما تمثل دولة داخل الدولة، أو مافيا “مؤسسة” لها قوانين ومنخرطون ومناضلون وحتى مسؤولون كبار، أما في الجزائر، فالحالة مشابهة من هذا الباب فقط، فالمافيا عندنا باتت حديث كل الناس، من مافيا “البالون” إلى مافيا المال، إلى مافيا الثقافة، وصولا إلى مافيا “الباركينغ”!
المافيا في إيطاليا مزعجة، تريد الحكم وتمارسه، لكنها تسمح بقيام المشاريع ولا تغفر الخطأ ويمكنها محاسبة المهندس المعماري الذي بنى الجسر ألف مرة على أن تسمح للبعض بالنيل من شرفها!! لكن عندنا، المافيا مبتدئة جدا، و”سامطة” جدا جدا، لا تحاسب أي مخطئ بل تدافع عنه وتمنحه المزيد من الأرباح كلها توسع في الخطإ والجريمة!
وبما أننا نتحدث عن الإعلام، فقد قطعت مؤسسة “سيال” لتوزيع الماء أول أمس هذه الخدمة عن عدة أحياء بالعاصمة (القبة وباش جراح وغيرهما)، والغريب أن من يدخل موقع الشركة يجد بيانا يتحدث عن قطع الماء من السابعة صباحا إلى السابعة مساء، لكن الواقع عكس ذلك تماما، فالقطع كان قبل السابعة صباحا وعودة المياه (إلى مجاريها) جاءت بعد منتصف الليل! وطبعا فلا مجال لتذكير القراء هنا ولا حتى مسؤولي الشركة المذكورة بفداحة قطع الماء في عزّ الصيف!
لكن ما نخشاه حقا، أن تجرى مقارنتنا مرة أخرى ببلدان يقطع فيها الماء والكهرباء بشكل واسع ومتكرر وهي كلها بلدان تشهد حروبا أو على وشك الانهيار سياسيا وأمنيا، تماما مثل المقارنة مع إيطاليا. يبقى أنه وفي ظلّ هذه الحالات ليس غريبا أن يصدر بيان ليتحدث عن ترتيب الجزائر في آخر سلم البلدان التي توفر العيش الكريم والمناسب لسكانها، هذا إن كانت تستحق العيش أصلا!