-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نحو جودة التعليم والبحث العلمي في الجزائر

سيف الدين قداش
  • 1833
  • 0
نحو جودة التعليم والبحث العلمي في الجزائر

إنّ تحقيق جودة التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر، يُعدّ من الأسس الإستراتيجية لتطوير قدرات رأس المال العلمي والتكنولوجي وذلك من خلال العمل بشكل حيوي على تكامل مؤسسات التعليم مع احتياجات السوق ورؤية الاقتصاد الوطني، وهو ما يتطلب تحديد معايير دقيقة لجودة التعليم، من خلال إنشاء هيئات مختصة تضمن التقييم المستمر للبرامج الأكاديمية بما يتماشى مع المتطلبات العالمية والمحلية مع فتح باب التنافس مع القطاع الخاص والتركيز على الكيف لا الكمّ في التعليم العالي من خلال وضع معايير صارمة في التعليم الأدنى وتوفير قدرات حقيقة للطلبة خلال دراستهم الثانوية، كما يجب تطوير نظام تقييم شامل للبحث العلمي يتضمن تشجيع الابتكار وتعزيز الشراكات بين الجامعات، القطاع الخاص، والمؤسسات الحكومية، ما يساهم في رفع قدرة الجزائر على مواجهة التحديات المستقبلية.

سلطة تطوير وتقييم

على ضوء التجربة البريطانية في تقييم التعليم الجامعي والبحث العلمي، يمكن للجزائر أن تتبنَّى نموذجا مماثلا يتضمن تأسيس هيئات مختصَّة ومستقلة بأفضل الخبراء كسلطة ضبط للقطاع العامّ والخاص، لضمان جودة التعليم العالي وتوجيه البحث العلمي بما يتماشى مع احتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفق النموذج المطبق في المملكة المتحدة، التي تقوم وكالة ضمان جودة التعليم العالي بدور أساسي في تقييم مؤسسات التعليم العالي وضمان تطابق برامجها الأكاديمية مع المعايير العالمية، بالإضافة إلى مجلس البحوث البريطانية الذي يشرف على تمويل وتوجيه الأبحاث في مختلف المجالات، فيما يُعد إطار التميز البحثي الآلية المعتمدة في المملكة المتحدة لتقييم جودة البحث الأكاديمي في الجامعات.

يمكن للجزائر إنشاء وكالة/ سلطة وطنية مستقلة لتقييم التعليم العالي والبحث العلمي تعمل على وضع معايير جودة مهنية وأكاديمية تلائم الواقع المحلي والدولي، مع التركيز على تكييف المناهج الدراسية لتلبية احتياجات سوق العمل والصناعات المستقبلية، مع فرض شروط أقسى على البحث العلمي والابتكار حتى يكون لديها التقييم والتمويل لتقييم أهمية وجودة البحث العلمي من حيث الأصالة، والأهمية، والصرامة المنهجية.

كما تراقب هيئة تقييم جودة التعليم والمهارات معايير الجودة في مؤسسات التعليم العالي من خلال تقارير مفصلة ودورية وتشمل مهامها تقييم مؤسسات التعليم العالي ذات الطابع المهني والتقني.

وبناء على هذه التجربة، يمكن للجزائر إنشاء وكالة/ سلطة وطنية مستقلة لتقييم التعليم العالي والبحث العلمي تعمل على وضع معايير جودة مهنية وأكاديمية تلائم الواقع المحلي والدولي، مع التركيز على تكييف المناهج الدراسية لتلبية احتياجات سوق العمل والصناعات المستقبلية، مع فرض شروط أقسى على البحث العلمي والابتكار حتى يكون لديها التقييم والتمويل لتقييم أهمية وجودة البحث العلمي من حيث الأصالة، والأهمية، والصرامة المنهجية، إلى جانب تأثير البحث في المجتمع والاقتصاد والبيئة المؤسسية الداعمة للبحث، وبالتالي توجيه التمويل البحثي وتقييم الأبحاث العلمية في المجالات الحيوية مثل الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، والصحة بشكل استراتيجي وفعال، ومن شأن هذه الهيئة تسهيل التعاون بين الجامعات، المؤسسات البحثية، والقطاع الخاص لضمان أن الأبحاث العلمية تساهم بشكل مباشر في تعزيز النمو الاقتصادي العلمي، والتكنولوجي للبلاد.

ضرورة إعادة تصميم المناهج الجامعي:

من الأولويات كذلك هو مراجعة القدرات العلمية والتكنولوجية من خلال تطوير المناهج الجامعية في الجزائر وتكثيفها خاصة في التخصصات الإنسانية لرفع جودة التكوين، من خلال مراجعة المناهج الحالية بشكل شامل، إذ يجب تحديد المجالات التي تحتاج إلى تحديث لتواكب متطلبات سوق العمل والصناعات المستقبلية.

إضافة إلى ذلك، من الضروري إدماج مهارات العمل العملية ضمن المناهج الجامعية مثلما يحدث في ألمانيا من خلال “الأوسبيلدونغ” أي التعليم المهني الذي يجمع بين التعليم النظري في المدارس المهنية والتدريب العملي داخل الشركات، ويُعدُّ أحد أعمدة سوق العمل الألماني. ويمتدُّ البرنامج عادة بين سنتين إلى ثلاث سنوات ونصف، ويغطي مجالات متعددة مثل الصناعة، والتجارة، والرعاية الصحية، والخدمات، إذ يتعرّف الطلاب على المهارات العملية التي تزداد أهميتها في الصناعات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة… كما ينبغي أن يتم التعاون مع القطاع الاقتصادي والصناعي على وجه الخصوص لإنشاء شراكات مع الشركات والمؤسسات الصناعية، بهدف تطوير المناهج بما يتماشى مع احتياجات تلك الشركات.

في جانب آخر، من المهم تشجيع التفكير النقدي والابتكار في المناهج الجامعية، إذ يجب أن تتضمن المناهج مشاريع بحثية تحفز الطلاب على التفكير الإبداعي وحل المشكلات، كما يجب أيضا المسارعة في دراسة جدوى إدخال تخصصات وموادعلمية حديثة مثل البيانات الكبيرة والحوسبة الكمومية، وعلم البيئة الرقمية، والهندسة الحيوية، وعلوم الطبيعة الرقمية، والطاقة النووية المتقدمة التي تواكب احتياجات الصناعات المتطورة، فضلا عن التكنولوجيا الحيوية البحرية والدبلوماسية الرقمية، والطب الدقيق، والزراعة الذكية، كما ينبغي دمج التقنيات الرقمية في التعليم باستخدام أدوات مثل المحاكاة والواقع الافتراضي، والمواد السمعية والبصرية، لتوفير بيئة تعلم تفاعلية، وغير مكانية تحاكي بيئات العمل الحقيقية.

كذلك يمكن العمل على تطوير برامج التعليم المستمرّ لتلبية احتياجات الخريجين في مواكبة التغيرات التكنولوجية المستمرّة، كما ينبغي تعليم المهارات الشخصية مثل القيادة والعمل الجماعي، وتقنيات الإعلام الآلي التي تُعدُّ أساسية في بيئات العمل الحديثة، كما يجب تشجيع البحث العلمي التطبيقي، إذ يوجَّه الطلاب للبحث في المواضيع التي تساهم في حل المشكلات المجتمعية والصناعية، مثل الصحة والطاقة، ويجب أن تكون هناك جهود لتقليل الفجوة بين التعليم الجامعي وسوق العمل عبر تنظيم برامج توجيه وإرشاد مهني لطلاب الجامعات، وكذلك فرض التدريب العملي والميداني بشكل إلزامي للطلبة في الشركات والمؤسسات المختلفة، بهدف تعميق المعرفة النظرية وتطبيقها في الواقع، مع إدماج التوجُّهات العالمية في المناهج الجامعية لتحديثها باستمرار بما يتماشى مع الابتكارات العالمية والتطوُّرات التقنية، مما يساهم في ضمان تعليم يتناسب مع التحديات المستقبلية.

إرسال أفضل الطلاب إلى أفضل الجامعات العالمية

تعدّ سياسة إرسال الطلاب المتميزين إلى أرقى الجامعات العالمية لأفضل التخصصات إحدى الاستراتيجيات الرئيسية التي تساهم في تطوير الكفاءات الوطنية وتعزيز الابتكار عبر مختلف القطاعات؛ فالعديد من الدول مثل سنغافورة، والصين، وكوريا الجنوبية… وغيرها، قد تبنّت هذه السياسة بنجاح، وذلك من خلال إرسال الطلاب إلى الخارج مع برامج دعم مكثفة، على أن يعودوا بعد إتمام دراستهم للمساهمة في مجالات إستراتيجية حيوية، وقد تمكنت هذه الدول من تعزيز رأس المال البشري، مما ساعد في دفع عجلة التنمية المستدامة لديها وتحفيز الابتكار في القطاعات المختلفة، فعلى سبيل المثال، موريس تشانغ، الذي حوّل تايوان إلى مركز عالمي لصناعة أشباه الموصلات من خلال شركة TSMC، استفاد من منحة جامعية في جامعة هارفارد وأكمل دراسة الدكتوراه بتخصص الهندسة الكهربائية في ستانفورد وعمل بـ”إنتل” الأمريكية، قبل أن يعود إلى تايوان.

بدوره تبنّى لي كوان يو، مؤسس سنغافورة الحديثة، سياسة إرسال الطلاب إلى أفضل الجامعات العالمية، مما ساعد في بناء رأس المال البشري وتعزيز الاقتصاد السنغافوري. أما في الصين، فقد أسس دينغشياو بينغ هيئة الابتعاث لإرسال أفضل الطلاب إلى الخارج بهدف تحسين الكفاءات الصينية وقيادة التحوُّل الاقتصادي والتكنولوجي بعد سياسة “الإصلاح والانفتاح” لتجاوز قرن التخلف والاهانة.

إنشاء هيئة حاضنة للتنمية العلمية

إنّ الجزائر، بدورها، يمكنها تبنّي نموذج مشابه مع التركيز على التخصصات الاستراتيجية والصناعية والتكنولوجية لضمان استفادة قصوى من هذه المبادرات، فمن الضروري كذلك إنشاء هيئة ابتعاث علمي متخصصة تتولى إرسال الطلاب المبتعثين للخارج ورعايتهم من خلال إبرام عقود وفاء للمساهمة في تطبيق معارفهم ومهاراتهم في مشاريع وطنية مهمة، أو الطلاب الممتازين الذين غادروا بإمكاناتهم الخاصة، وتُوفِّر لهم حواضن تعليمية وتقنية تساعد في تطويرهم وتحويلهم إلى قادة في التنمية المستدامة، من خلال إعادة تعليم ما تعلموه وتطبيق ما أتقنوه.

كما يمكن لهذه الهيئة التعاون مع الجامعات العالمية لتوفير برامج تدريب مهني من خلالهم لمتعلمين في الجزائر، بالإضافة إلى الإشراف على المشاريع التطبيقية والبحثية التي تتماشى مع احتياجات السوق الوطني، كما يجب أن تركز الهيئة على تطوير مخطط لتوفير بيئة تعليمية محلية قادرة على استيعاب هذه الكفاءات المتعلمة عالميا.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على الجزائر توفير حوافز كبيرة لتشجيع العقول العائدة، مثل تمويل المشاريع البحثية، وتشجيع الشركات الوطنية للاستفادة من هذه الخبرات، كما ينبغي تطوير برامج تعليمية مستمرة للأجيال الجديدة بناء على تجارب العائدين، لتوفير منصة دائمة لانتقال المعرفة بين الجامعات العالمية والجامعات والمدارس العليا الجزائرية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!