-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نداء العلماء إلى أثرياء العالم وفقرائه!

نداء العلماء إلى أثرياء العالم وفقرائه!

تشكل الآن ألمانيا، اليابان، إيطاليا، كندا، فرنسا، الولايات المتحدة، بريطانيا “مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى”، ويعقد قادتها قمة كل سنة في إحدى تلك الدول على التوالي (وفق هذا الترتيب). فقبل سنتين عُقد المؤتمر في إيطاليا، ثم احتضنته كندا في السنة الماضية، ولذا ينعقد هذه السنة في فرنسا من 25 إلى 27 أوت.

الذكاء الاصطناعي والإنترنت

وقد جرت العادة على أن يقوم علماء هذه الدول بتوجيه نداء إلى قادة بلدانهم السبعة عشية انعقاد مؤتمرهم. ويكون النداء بتوقيع رؤساء أكاديميات العلوم السبع في هذه البلدان. يجسد النداء عملا مشتركا يقدم رؤية الأكاديميين للقضايا العلمية ذات الأولوية، يدلون فيه بآرائهم، مع توصيات يتم من خلالها توجيه انتباه الحكومات إلى كبريات التحديات على مستوى المعمورة.
وهكذا استقبلت أكاديمية العلوم الفرنسية ممثلي أكاديميات البلدان الستة الأخرى من 24 إلى 26 مارس الماضي لمناقشة صياغة نص هذا النداء. وقد اختيرت المواضيع التي ركز عليها النداء هذه السنة، وهي ثلاثة صدر بشأن كل منها نص منفصل في 5 صفحات: العلم والثقة؛ الذكاء الاصطناعي والمجتمع؛ علم المواطن في عصر الإنترنت.
لاحظ التقرير في باب الذكاء الاصطناعي أن الروبوتات، في الخيال الشعبي، تتأثر بالروايات الخيالية بدلاً من التأثر بالأدلة العلمية، وكذلك الحال بالنسبة للذكاء الاصطناعي. ولذا، من المهم إزالة اللبس عن الروبوتات وعلم الذكاء الاصطناعي في التعليم العام وفي النقاش مع جميع أطياف المجتمع.
أما في باب علم المواطن في عصر الإنترنت فيلاحظ التقرير أن هذا المواطن صار يتمتع في القرن الحادي والعشرين بفرص متزايدة للمشاركة بشكل واسع في البحث العلمي. وهذا ناجم عن التقدم الذي أحرزته دَمَقْرَطة المعرفة منذ الحرب العالمية الثانية. كما أنه نتيجة ثورة الإنترنت المصحوبة بنشر المعدات الإلكترونية عالية الأداء وبرامج التحليل التي تتيح للمواطن البسيط الوصول إلى درجة عالية في التحليلات والتصورات… بل تتيح له إنتاج البيانات، كما هو الحال مثلا في المجال البيئي.

ثقة المجتمع في العلم

ولعل أبرز التقارير الثلاثة هو ذلك المتعلق بتعزيز الثقة بين العلم والمجتمع. وفي هذا السياق، أوصى النداء بتعليم أعمق للمنهج العلمي، وبتحسين نشر العلوم على المستوى الجماهيري، وبتبني أساليب اتصال مناسبة بين الجميع، وبالتزام الدقة والنزاهة بين العلماء. كما ينبغي تقييم العلوم بالتركيز على جودة وأهمية البحوث مع التأكيد على الحوار الجاد بين العلماء والمجتمع وصناع القرار لإبلاغ الخيارات التي تهم هذا المجتمع بخصوص القضايا ذات الأولوية.
ذلك أن الوتيرة المتزايدة للتحولات التكنولوجية، والحاجة إلى مساهمة العلوم والابتكارات في تقديم الحلول لكبريات القضايا المحلية والإقليمية والعالمية تتطلب ثقة المجتمع في العلوم. يعتبر النداء أن مسؤولية الحفاظ على علاقة الثقة المستنيرة بين العلم والمجتمع تقع على عاتق الجميع : العلماء والمربون والإعلاميون والسياسيون. ولذا يوصي النداء صناعَ القرار بتشجيع التوجهات التالية وعلى رجال العلم الالتزام بها:
– تعزيز تعليم العلوم والتمعن في كيفيات إجراء البحوث، من المدرسة الابتدائية إلى التعليم العالي، لضمان اكتساب التلاميذ والطلاب خلفية ملائمة لفهم العالم من حولِهم.
– تعزيز الحوار وزرع الثقة المتبادلة بين الجمهور والسياسيين والعلماء لضمان المدخلات العلمية التي ينبغي مراعاتها عند اتخاذ القرارات الحاسمة.
– التأكد من أن المبادئ الأساسية للأخلاقيات والنزاهة والمسؤولية هي العنصر الأساسي في تعليم العلوم، وذلك بهدف زيادة الوعي بالمسؤولية العلمية.
– يجب التعامل مع الانتهاكات الأخلاقية وسلامة البحوث بشفافية ودقة كاملة كيلا يشوّه سوء سلوك القلّة المسعى العلمي الشامل.
– التأكد من أن تقييم العلم يعتمد على معايير الجودة والأصالة وليس على عدد المنشورات والاستشهادات وعوامل التأثير، وذلك لتجنّب سباق النشر الذي يقلّل من قيمة البحث العلمي، ومن شأنه أن يؤدي إلى انتهاكات في النزاهة العلمية.

تآكل الثقة والعلوم الزائفة

على الرغم من تنامي البحوث العلمية والابتكارات التكنولوجية فقد تآكلت ثقة الجمهور في العلوم خلال السنوات الماضية بشكل مفاجئ. يحدث ذلك في الوقت الذي عالج فيه العلم، ولا يزال، القضايا الأساسية ذات الآثار الواسعة على سياسات البلدان ومصالحها الاقتصادية. ولعل العلة تكمن في عدم التزام الجمهور والسياسيين بتبني الخيارات القائمة على الأدلة العلمية البيّنة.
ما من شك أن عصرنا يواجه سيلا متواصلا من الاكتشافات العلمية والاختراعات لم يسبق أن شهد تاريخ البشرية مثلها، وقد تأثرت بها جميع البلدان وكافة القطاعات. وتعمل التقنيات الرقمية والتطورات في التعلم الآلي على تغيير علم البيانات، في حين يتدخل الذكاء الاصطناعي تدريجيا في الحياة اليومية. ومن جهة أخرى، يواجه العلم تحديات تمس قضايا الصحة العامة، وتناقص الموارد الطبيعية، وتقلّص التنوع البيولوجي، وتغيّر المناخ. وتواكب هذه التحديات أسئلة أخلاقية جديدة لأن التكنولوجيا أصبحت أكثر تعقيدًا وتشعبًا.
ومن هذا المنظور، قد يكون من الصعب على المواطنين التمييز بين المعلومات العلمية الموثوقة والادعاءات التي لا أساس لها. وهذه مسألة مطروحة بحدة اليوم بسبب انتشار خدمات التكنولوجيا الرقمية، ومعها انتشرت الأخبار العلمية المزيفة والعلوم الزائفة واستغلالها التجاري أو الإيديولوجي. وفي هذا الوضع، كثر الأشخاص الذين يعبّرون عن شكوكهم في بعض الحقائق العلمية، وفي ذات الوقت نجدهم يثقون ثقة عمياء فيما يطلعون عليه من أخبار ونتائج علمية -أحيانا مزيفة- على شبكة الإنترنت لأنهم يشعرون بالثقة المفرطة حيال التكنولوجيا.

الشباب والمنطق العلمي

يرى التقرير ضرورة أن يكون الشباب على دراية بالمنطق العلمي وبصرامته، وهذا منذ مرحلة التعليم الابتدائي. وبالموازاة مع ذلك، يتعين بذل جهود كبيرة لتلقين أطفال المدارس معنى التفكير المنطقي وقيمته، والعمل على جعلهم يمارسون التجريب في سن مبكرة. ولا بد من تحفيز جانب الملاحظة والتمعن عندهم، وتعليمهم التحليل المنهجي للنتائج التي تم الحصول عليها. فذلك من شأنه أن ينمّي لديهم التفكير العلمي الناقد. كما يجب أن تُدرج قواعد الصرامة والنزاهة في جميع مراحل التعليم المدرسي. وينبغي أن يكون جميع المواطنين المتعلمين قادرين على فهم مبادئ التفكير العلمي وعلى رفض الأخبار المزيفة أو المشوهة من حيث أتت.
يعتمد العالَم بشكل متزايد على العلوم وتطبيقاتها في الحياة اليومية، والثقة في العلوم لا تزال مرتفعة. ومع ذلك يدعو التقرير صناعَ القرار السياسي والعلماء إلى مواجهة المعلومات الخاطئة التي تنتشر الآن بسهولة عبر الإنترنت. ينبغي على هؤلاء جميعا إقامة علاقة فعالة مع بعضهم البعض.
كل هذا يدعو العلماء إلى إيلاء أولوية قصوى لإقامة حوار حقيقي مع مختلف شرائح المواطنين ومع رجال السياسة، وتبادل الآراء معهم ومناقشة الآثار السلبية المحتملة للعلوم والتكنولوجيا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
12
  • محمد ??

    العلم الزائف تنشره الدول والشركات التي تسيطر عليها الأجندة العولمية الماسونية.
    هل شركة "مونسانتو" مثلا أو "باير" تنشر علما حقيقيا ، وهي تسمم الأرض والنبات؟ ، أليست باير التي إنتقلت من صناعة الأسلحة الكيمياوية ، إلى التعديل الجيني للأغذية والبذور ، وصناعة الدواء ؟

  • dzvivadz

    الذكــــــاء الإصطناعي!! أقسم بالله الصين صنعت روبو يفكر ويحس ويتفاعل ... سيستعمل فالفضاء خير من نعيمة صالحي ....
    حبذا لـــو كلمتهم عن LA 5 G وماتصنعه من قفزة نحو .....

  • بديع احمد صوفي-الغزوات

    هذا الرجل يصلح ان يكون في لجنة الحوار التي يحاولون .الالهاء بها وهو متمكن وعقلاني ولبيب ولم نسمع يوما انه تطفل على عمل علمي للغير او ادعى شهرة زائفة.كما صمد كغيره من المخلصين بالمدرسة العليا للاساتذة في القبة.-مفخرة تكوين الاساتذة-الرياضيات في الجزائر ومنذ استقلالها عرفت تطورا كبيرا في كل مجالاتها.درست لدى البروفيسور طالبي-وكان يحمل حينها شهادة الدراسات العليا- وعائد لتوه من جامعة سورية وكانوا يتقولون عنه لكنه كان يعمل في صمت وينجز اعماله التطبيقية او المحاضرا كما كان عادلا في منح النقاط التي اصبحت للاسف تمنح كحبات العلك الدوري المحنط.يا ناس البروفيسور سعد الله يستحق الاستشارة بدون عقدة.

  • الشيخ عقبة

    أنا أحسبت الأستاذ أبو بكر سيتطرق كغيره لجماعة قسوم , لذلك تردرت كثيرا قبل فتح المقال ( مقال ممتاز يشكر الأستاذ الكريم على إثارته كونه من المواضيع الجد مفيدة وييستحق عليه التقدير )

  • عارف حافظ

    الملتقيات العلمية مجازا ليست الا وسيلة للالهاء وصرف الانظار عن خراب ينخر الجامعات الجزائرية.ماذا عن بروفيسور ينشر مقالا بالانجليزية وهو لا يحسن حتى نطق حروفها الابجدية وعن بروفيسور له مقال مشترك دون كتابة سطر واحد وعن مزايدات للنشر العلمي.

  • بلعسل محمد السعيد

    اردت تنظيم ملتقى وطني فطلب مني استبعاد اسماء ووضع اسماء حتى يمر على المجلس العلمي للكلية.ولما قمت باشهار الملتقى ووضعت اسماء في التخصص من جامعتنا وجامعات اخرى استدعاني العميد ووبخني ولما جابهته ورفضت مقترحاته شكاني لمدير الجامعة الذي طلب مني الاعتذار لعميد الكلية فرفضت ذلك جملة وتفصيلا فهددني باللجنة المتساوية الاعضاء وقام الامين العام للجامعة باستدعاء الاتحادات الطلابية طالبا منهم تنظيم يوم احتجاجي ضدي.ولما ابلغتهم بالموضوع رفضوا تنفيذ ما طلب منهم من طرف الامين العام الذي لا يحوز شهادة بكالوريا واقرب الى الامين.اهكذا يرقى البحث العلمي؟

  • عون احمد-باتنة

    كنا نحضر ملتقيات علمية اكاديمية ونقطع مئات الكيلومترات بوسائلنا الخاصة ويتم مناقشة اوراقنا العلمية اثناء الملتقى وعلى الجوار ولالهاء المجتمع المعرفي اصبحنا نجد في الملتقيات مئات الاوراق المتشابهة تماما ويمنح اصحابها شهادة مشاركة دون حتى عرض الورقة بل وتحرر شهادات حتى لمن لم يحضر الملتقى.لك الله يا جزائر.صبرا يا جزائر.

  • صالح بوقدير

    ولكن العصابة تخشى العلم الحقيقي لانه نور للمجتمع ولذلك ابعدت منظومتنا التربية والتعليمية عن المناهج العلمية الحقيقية لتظمن بقاء وجودها واستمرارها في نهب مقدرات الامة اذن فالسياسة الرشيدة شرط في تحقيق اتباع المناهج العلمية الحقيقية على مستوى المؤسسات التعليمية والتربوية وكل فعاليات الامجتع.

  • HOCINE HECHAICHI

    شكرا جزيلا يا أستاذ على مقالاتك القيمة . أنتم من القلة التي تكتب في مواضيع هادفة وبموضوعية وبلغة عربية علمية سليمة . ننتظر المزيد .

  • عمر عمران

    الأستاذ سعد الله.. شكرا على المقال الهام، عندما أقرأ هذه النوعية من المقلات أشعر بأنني غير معني بما يجري في العالم، أشعر بأنني على هامش الفاعلية في كوكب الأرض، وفي رأيي أن السبب هو تقصيري أنا -كمواطن- من جهة ولكن خاصة هذه العصابة التي استقرت على صدري فمنعتني من التفكير والتنفس..لكن هناك بقعة نور لا تزيد الا اتساعا يحملها طلبة جامعات بلادي كل ثلاثاء، ويحتضنها شعب بلادي كل جمعة مباركة، ولي أمل كبير أن تكون بلادي الجزائر بين الدول الصناعية الكبرى.
    الى كتاب الشروق .. نريد الكثير من هذه المقلات التي تحدث الصدمات الايجابية لدى القراء.

  • محمد

    شكرا استاذنا الفاضل على هذا المقال الرائع
    فيما يخص جودة الاعمال العلمية للاسف عندنا في الجزائر نجد البحث مربوط بالوطيفة والرتبة مما اثر سلبا على مردودية الاداء العلمي.
    ايضا الهيئات المختصة في مراقبة و نوعية الابحاث مثل الاكاديمية العلمية للعلوم غائبة تماما .
    للاسف العلم يتلطخ بالابحاث الرديئة

  • Mohamed

    السلام عليكم. ماذا عن الملتقيات العلمية التي تقام سنويا في جامعاتنا خصوصا في الرياضيات التي أصبحت فضاءات للالتقاء أكثر منه للمعرفة و الدليل نفس الوجوه نجدها في الملتقيات.