نعم لوقف القتال ولكن!
نحن، المسلمين، نتوق إلى السلم، ونبغض الحرب، بحكم معتقدنا، فالسلم مشتق من الإسلام، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده.
وبحكم معتقدنا، أيضا، نحن نكره الحرب، مصداقا لقوله تعالى: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾[سورة المائدة، الآية 64].
غير أننا نكره السلم الملغم، والمبطن بالكيد والتآمر، وقد أصابتنا حساسية كجزائريين، من بعض مصطلحات السلم المظلومة، مثل مصطلح “سلم الشجعان” الذي يعني الاستسلام، ورفع الراية البيضاء، التي كان يلوِّح بها لنا الاستعمار الفرنسي، إبان ثورتنا المجيدة.
نحن على حد تعبير إحدى أمهات الشهداء في غزة، نملك ثمن شراء الكفن الأبيض، لكننا لا نملك ثمن “الراية البيضاء”، فالكفنُ الأبيض يعني الموت الشريف، أما الراية البيضاء، فتعني الذل والخنوع، والاستسلام، ووضع السلاح.
إن هذا ينطبق على ما نعيشه هذه الأيام، في غزة، وما عشناه في لبنان، فالكيان الصهيوني الماكر، المخادع، يلوّح بوقف القتال، كخدعة للوصول إلى السلم، ولكنه لم يكفّ عن وقف العدوان، وإعلان الكراهية، والوعد بالانتقام، والعمل على إلحاق الهزيمة.
ولئن كنا نتوق إلى استعادة الأمن والسلم، ونبذ الحرب والعدوان، فإننا بالمقابل نرفض وضع السم في الدسم، هذا الذي نادى به العدو الصهيوني في لبنان، وينادي به هذه الأيام في غزة.
إننا نكره السلم الملغم، والمبطن بالكيد والتآمر، وقد أصابتنا حساسية كجزائريين، من بعض مصطلحات السلم المظلومة، مثل مصطلح “سلم الشجعان” الذي يعني الاستسلام، ورفع الراية البيضاء، التي كان يلوِّح بها لنا الاستعمار الفرنسي، إبان ثورتنا المجيدة.
نحن على حد تعبير إحدى أمهات الشهداء في غزة، نملك ثمن شراء الكفن الأبيض، لكننا لا نملك ثمن “الراية البيضاء”، فالكفنُ الأبيض يعني الموت الشريف، أما الراية البيضاء، فتعني الذل والخنوع، والاستسلام، ووضع السلاح.
كبُرت مؤامرة، وعظمت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا، وإلا فما معنى التفاوض مع حماس، تحت أي غطاء من أجل استعادة الأسرى الصهاينة، الذين عجز الكيان عن تحريرهم بالقوة، وهاهو يلجأ إلى المراوغة من أجل استعادتهم ثم لا يتورّع أن يقول إن غزة بعد ذلك يجب أن تكون خالية من حماس.
أي منطق عقلي، وأي منهج منطقي يؤمن به الصهاينة، ومن شايعهم من سدنة البيت الأبيض، الذين يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض؟
وكما أن حزب الله، الذي قاتل ببسالة، وقاوم بشجاعة، وفاوض ببطولة، باق في لبنان، كحقيقة لا يمكن القفز عليها، فإن حركة حماس بفضل “طوفان الأقصى” قد خاضت الحرب الدفاعية بكل براعة، وحنكة، وتفان، حتى أجبرت دعاة الحرب على التفاوض معها، من أجل الوصول إلى اتفاق تبادل الأسرى، فأنّى يستقيم هذا مع محاولة إخراج حماس من مرحلة ما بعد الحرب، أي مرحلة الإعمار، وبناء المستقبل في ظل الأمن، والأمان، والإيمان؟
من هذا المنطلق، نناشد إخواننا في المقاومة الفلسطينية، أن يحذروا كل الأحابيل، والمكائد التي تُنصب باسم وقف القتال، ذلك أن الصهاينة قد عوّدونا، من خلال التجارب السابقة، أنهم ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم﴾[سورة البقرة، الآية100].
والحقيقة التي بات يسلّم بها كل عاقل، أن الصهاينة ما كانوا ليقدموا على مبدإ التفاوض، لو لم يكونوا قد أثخنتهم الجراح، وعانوا ما عانوه في ساح البطاح، فهم لتغطية هزائمهم، وتغليف خسائرهم، نراهم يقبلون مكرهين على التفاوض من أجل الوصول إلى اتفاق تبادل الأسرى.
نحن- إذن- مع وقف القتال، ووقف كل أثر للعدوان أيضا، إن كان العدو يريد أن ينقذ جيشه، وأسراه، وشعبه، من الخوف، والخسائر، والموت المحقق.
والمقابل لذلك كله، أن ينعم الشعب الفلسطيني، بحقه في تقرير مصير بلاده، واختيار من يحكمه بكل حرية، من دون فرض أيِّ وصاية عليه، فذلك هو ثمن التضحيات التي قُدِّمت، والدماء التي سُفكت.
وإن ذلك هو منطق التجارب التاريخية، ودروس الحروب الإنسانية، عشنا ذلك في فيتنام، وفي الجزائر، وفي أفغانستان، وفي غيرها من البلدان، فلا نعرف ثورة حقيقية لم تخرج منتصرة، فذلك هو حكم سنن مقاومة الحق للباطل، والظلم للظالم، والمستعمَر للمستعمِر ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾[سورة الأحزاب، الآية62].
إننا قوم نؤمن بحكم التاريخ، ونحن واثقون من أن حكم التاريخ هو الذي سينتصر مهما كبّد ذلك المقاومين من خسائر، وما ألحق بهم من محن، وفتن.
هذا، ولئن كنا واعين بالثمن الباهظ الذي يدفعه شعبنا، في صموده، وثباته، وما نتج عن ذلك كله من ترويع وتجويع، ومن جنوح ونزوح، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، والحاجة الماسة إلى الدواء، والغذاء، والغطاء، والكساء، والإيواء، لئن كنا واعين بكل ذلك، فإن من طلب الحرية لم يغله الثمن.
على أن مسؤولية أمة المليارين من المسلمين، تبقى قائمة، وأكثر من ضرورية، فحرام على كل مسلم، أن ينعم الله عليه بالغذاء والدماء ومتطلبات الحياة، في حين يحرم أخوه في غزة، وفي الضفة، وفي القدس، من أبسط ضروريات الحياة. إن اللعنة ستظل تلاحق كل واحد منا، ما لم نقم بواجبنا إزاء هؤلاء الإخوة الذين يجاهدون نيابة عنا، ويذودون عن مقدساتنا، وحياض وطننا الجريح.
وتتضاعف عواقب المسؤولية، كلما تدرَّجنا في سلم الحكم، فالذين بيدهم معابر الحدود، والذين يملكون الأسلحة والجنود، والذين يملكون البنوك، والثكنات والعهود، أولئك تضاعف لهم المسؤولية أمام الله وأمام التاريخ، ﴿وَقِفُوهُم إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾[سورة الصافات، الآية24].
إننا من موقع المسؤولية، ومحاسبة الضمير، نناشد كل مواطن، وكل حاكم، وكل من لديه أدنى مسؤولية، بأن غزة تباد، وأن القدس يداس، وأن الضفة تهان، وويل لمن لم يعانقه شوق الحياة، ليدرك الجميع أن سجلات التاريخ قد فتحت، وأن الله ناظر ما سنكتبه في هذه السجلات، وما نحن فاعلون بما كلفنا الله به، من رعاية لحقوق المعذبين والمضطهدين والمظلومين.
وليذكر الجميع، ماذا نحن قائلون لرب العزة، يوم نقف بين يديه فيحاسبنا على ما أسند إلينا من جاه، ومن مال، ومن نفوذ.
ليسأل كل واحد منا نفسه، كما سأل ابن الخطاب: “لو عثرت بغلة في العراق لخفت أن يسألني ربي لِمَ لَمْ تُسوِّ لها الطريق يا عمر؟
فماذا سيكون جوابنا نحن، وقد عثرت أمامنا أمة بكاملها؟