-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نغرف من نفط وننحت من صخر؟

عمار يزلي
  • 1997
  • 0
نغرف من نفط وننحت من صخر؟

أزمة النفط، أعادت إلى الأذهان أزمة منتصف الثمانينات والنكتة السياسية التي نسبت وقتئذ للرئيس الراحل الشاذلي بن جديد بقوله: “يقولون أن البلاد عندها مشاكل! فين هو هذا البلد اللي ما عندهش مشاكل؟ والبلاد اللي ما عندهش مشاكل، ماشي بلاد. وحنا الحمد لله ما عندناش مشاكل!”

هكذا نحن نعيش أزمة تساؤل وصل إليه المنطق الأرسطي في نكتة “المشاكل”، بحيث صرنا “ماشي بلاد” بحسب النتيجة المنطقية!

كل مرة كانت تأتي سحابة صيف عابرة لتعري المكشوف! أزمة زيادة قليلة في مياه الأمطار تربك الدولة برمتها! تجرف الوديان والسكان الذين لم يجدوا أين يسكنون بفعل أزمة السكن التي تناستها الدولة “الوطنية جدا” (اللي لتهات في الصناعات الثقيلة ونسيت السكن الاجتماعي)، فبنى الناس أبنية فوضوية في مجاري الأنهر الجافة، والتي ما إن تقلب المناخ على المستوى الكوني حتى صار المطر ينهمر في الصيف أكثر منه في الشتاء، و”تعود المياه إلى مجاريها”، فتأخذ في طريقها كل من جاءها في الطريق! صارت الأمطار مخيفة ومرعبة للسكان وللسلطات أكثر من رعب الإرهاب الذي صنعته “عمايل” السياسة المفلسة في البلاد منذ الاستقلال. الثلوج إذا جاءت، تدفع الجميع على الاعتقاد أن البلاد قد انتهى دوره جغرافيا ومناخيا وانقطعت السبل للتواصل وحل موسم العصر الجليدي في الشمال الإفريقي الحار! فتحدث ورطة سياسية ونكسة اجتماعية وتتعالى أصوات المحذرين من عاقبة وخيمة وأزمة قاصمة لظهر السلطة المتسببة في كل المشاكل. ثم يأتي النفط اليوم، لتجعل الجميع، ساسة وشعبا ونخبا يتحدثون عن أزمة في الآفاق ومسألة التقشف وشد الأحزمة!. قبل هذا، كنا نبدد الأموال العمومية ونحلب البقرة حتى تدمى أضراعها ويسيل الدم ونضرب البقرة حتى لا تخور أو تتمنع! ملايير الأموال المنحدرة من ريع النفط ذهبت للريح وللجيوب ولمشاريع الوهمية ولشراء الذمم وألسنة الشعب المتحفز للخروج للشارع وحرق الجثث بالبنزين الرخيص!

واليوم نبكي على انهيار سعر الحليب الأسود لأننا نخشى أن لا نجد ما نرضع! ونحن دولة وشعب رضيع! لا يأكل ولا يشرب إلا  ثدي الأم الحنون سوناطراك! وكأنما لم يكن في وسعنا منذ أكثر من 50 سنة، التعامل مع النفط كطاقة ومورد زائل وغير كافي لبناء دولة الأجيال! لم نطور صناعتنا لا التقليدية ولا الحديثة ولا طورنا فلاحتنا لا التقليدية ولا العصرية، ولا سياحتنا ولا اقتصادنا الخدماتي ولا مواصلاتنا وأبنيتها التحتية! وأردنا أن نبقى رضعا مدى الحياة! : الراجل بشلاغمه وهو ما زال يرضع أمه!”.

وفي عز أزمة انهيار سعر النفط، الذي يتعاون عليه الغرب وأمريكا مع أخوتك العرب أصحاب النفط، حتى ضد مصالحهم، فقط من أجل تحطيم روسيا وإيران!!، تجد البلد يفكر في الغاز الصخري!

أولم يكف أن شعب الجنوب البعيد كل البعد عن رفاهية الشمال (والذي لا رفاهية فيه غير ما يبدو للعيان! فالناس في شمال البلاد أكثر غبنا وتعاسة من الجنوب! والدليل هذه المظاهر من الأحزمة السكانية والبناءات العشوائية وحتى العمارات الهشة الآئلة إلى السقوط التي تحدث هلعا عن كل هزة أو وخزة!..سكان الشمال أتعس من سكان الجنوب، ومع ذلك سكان الجنوب يشعرون بمرارة مزدوجة: النفط يخرج من تحت الأقدام، وهم يرونه يتسرب من تحت أرجلهم ليذهب إلى أوروبا ليستفيد منه خاصة الخاصة من سكان منطقة الشمال! ويأتي استخرج الغاز الصخري ليزيد في “الطين بلة”! لم يكف النفط، فزادوا حتى الصخر؟) هكذا يفكر الجنوبي المتفجر غضبا وحنقا! ( أتذكر أن الراحل الطاهر وطار، كان قد تحدث قبل رحيله في شكل استشراف فانطازي روائي، وتوقع أن تحدث ثورة زنج من الجنوب الجزائري! والسبب كما كان يرى ذلك، أن السلطة في الجزائر عنصرية، لم تشرك يوما جنوبيا أسود! فكل من في السلطة والحكومة لابد أن يكون أبيضا أشقر أو على الأكثر بلون الصحراء! لكن الزنوج ..لا!”..هكذا كان تصوره ورأيه ورؤيته لصراع بين الشمال والجنوب لأسباب لونية عرقية يكون فيها الظرف المادي سببا في هذه الانتفاضة!).


لا نريد أن نلوم أحدا! فالكل مشترك في الأزمة وكلنا نتاج هذا الشكل من النظام الذي صير هذا النظام من الشعب “حشيشة طالبة معيشة”! وكالا اتكاليا مأكولا، متآكلا! ولكن، ما يجب أن نعرضه هنا هو أن عقلية التفكير بمنطق “العهدة” و”الماندا”، لا يبني دولة! فما دمنا لا نبصر إلا في حدود موطئ أقدامنا، فسوف نقع حتما، طال الأمد أو قصر في حفرة قادمة على الطريق! أما الذي يفكر بمنطق وعقلية وذهنية الدولة، وما ينبغي أن تكون عليه البلاد خلال خمسين ومائة سنة، فسوف يرى عن بعد ليتلافى حفر الطريق! لكن هنا أيضا لا يجب أن نتبع سياسة الهروب إلى الأمام ولا نفكر ولا نرى عند أقدامنا من حين لأخر! لأن الحفر قد ننساها من فرط ما أبعدنا النظر ونسينا ما بقرب أقدامنا!

حكوماتنا الميتة والحية الميتة، قد كشفت عيوبها قبل اليوم، واليوم فقط يأتي النفط ليعري الجسد وينزع عنها سوأتها، ولا أعتقد أنه بمقدورها بعد اليوم أن تستر العورة بورق الشجرة! مهما لبست من حلل.. ومهما حل منهم وارتحل..! وعلى الرئيس أن يفكر قبل أن يفكر.! نهاية المطاف قد يكون أسوء من البداية! فقد أسعفه الحظ أن ارتفع سعر النفط إلى رقم قياسي لم يعرفه من قبل، ولكن، يخشى أن يخرج الرئيس من الرئاسة ومن الدنيا بخف حنين، ليحمل أوزاره كاملة وأوزار وزرائه..ويكون أول رئيس يدخل التاريخ من حيث يكون أكبر رئيس أدخل البلاد في أكبر نفق..ورحل عبر النفق المظلم بدون أدنى بصيص أمل..كما كان يقول الراحل عرفات..الذي رحل وبصيص الضوء الذي كان يراه في نهاية النفق..قد زال وارتحل قبل حتى أن يرحل!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!