-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نفاقُ الغرب وازدواجية معاييره

  اسماعيل جمعه الريماوي
  • 420
  • 0
نفاقُ الغرب وازدواجية معاييره

في حين كان الفلسطينيون -ولا يزالون- يقاومون الاحتلال الإسرائيلي ويدافعون عن أرضهم وحقهم المسلوب منذ أكثر من سبعين عاما، لم ير المجتمع الدولي في نضالهم حقّا مشروعا يستحق الدعم والمساندة، بل على العكس صوّرهم على أنهم إرهابيون وقتلة، بينما في أوكرانيا في حربها التي تدخل عامها الثاني فالحال يختلف.
أمام هذه الازدواجية نتساءل: ما الفرق بين الأوكراني والفلسطيني أو الأفغاني؟ وبماذا يختلف الغزو الروسي -بحسب رأيهم طبعا- عن الاحتلال الاسرائيلي؟ السؤال ذاته طرحته النائبة البريطانية جولي إليوت في جلسة للبرلمان البريطاني إذ قالت إن “ما يحدث لأوكرانيا لا يختلف عما يحدث في فلسطين منذ عقود. وتساءلت: نحن نفرض الآن المزيد من العقوبات على روسيا، لكن الفلسطينيّين يسألون: لماذا لا نفعل شيئا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي؟”.
يُعرف هذا التناقض بازدواجية المعايير، أو الكيل بمكيالين. يرمز المصطلح إلى سياسة الدول والمنظمات المتناقضة في تعاملهم مع نفس القضية أو مجموعة من الناس في أكثر من بلد. تكيل الدول والمنظمات وفق هذه الازدواجية بمكيالين، فتنصر المظلوم حينما يصبّ الأمر في صالحها وتناصر الظالم إن كان حليفاً أو صديقاً، يحكم ذلك المصالح الخاصة والسياسية والاعتبارات الأمنية والاقتصادية، وعليه تُصبح الأحكام والمبادئ والقوانين مُسيَّسة بحسب العرق والجنس والدين وحتى لون البشرة وهنا يصبح التمييز أيضا في هوية القاتل والمقتول .
وهنا نرى النفاق السياسي والانساني في التعامل بين البشر، وانتقاد النائب الإيرلندي ريتشارد باريت برلمان بلاده لتعامله بشكل متشدِّد مع ما يسمونه “الغزو الروسي” بخلاف تعامله المتهاون مع الاحتلال الإسرائيلي. وجَّه باريت كلامه للبرلمان قائلًا: أنتم مسرورون الآن لوصف ما يسمُّونه جرائم فلاديمير بوتين في أوكرانيا بأنها جرائم ضد الإنسانية، لكنكم لن تستخدموا هذه اللهجة عندما تتحدثون عن معاملة إسرائيل للفلسطينيين. خمسة أيام كانت كافية لإصدار عقوبات على بوتين وتحويل القضية إلى محكمة الجنايات الدولية، ألم تكن سبعون سنة من الاضطهاد في حق الفلسطينيين كافية لفرض العقوبات على إسرائيل؟ واعتبر باريت أنه “يتم التعامل مع الفلسطينيين على أنهم عرق أدنى”، واصفاً عدم فرض عقوبات على إسرائيل بـ”النفاق”.
أما في إيطاليا فقد طالب السياسي الإيطالي أليساندرو دي باتيستا في مقابلة له مع قناة محلية بإرسال أسلحة إلى الفلسطينيين للدفاع عن أنفسهم، وقال: الفلسطينيون ليس لديهم دولة بسبب المجتمع الدولي المنافق ويعيشون تحت الاحتلال العسكري والفصل العنصري، واعترض المذيع على كلامه قائلاً: الأوكرانيون أخوة أوربيون، ليردّ عليه أليساندرو: إذاً بناءً على لون البشرة يتم إرسال الأسلحة.
أخوة أوربيون، بشرتهم بيضاء وعيونهم ملونة، ليسوا كغيرهم من الأفارقة أو العرب أو الأفغان. سمعنا الكثير من مثل هذه الكلمات والتعابير مؤخراً تتناقلها ألسنة الصحفيين والسياسيين من دون أدنى خجل أو حرج. كبير مراسلي قناة كندية علّق على الحرب الدائرة في أوكرانيا بقوله: لا يمكن مقارنة ما يحدث في أوكرانيا بما حدث في العراق أو أفغانستان، هذه دولة أوروبية متحضِّرة، لا تتوقع فيها حدوث الحرب أو تأمل ألا يحدث ذلك.
أماطت الحرب الروسية- الأوكرانية اللثام عن الوجه الحقيقي للنظام الدولي وكشفت زيف أحكامه ومبادئه الأخلاقية تجاه القضايا العربية، وحتى نرى التمييز بين اللاجئين من العرب والأفارقة الهاربين من الحروب والصراعات وغيرهم من اللاجئين القادمين من أوكرانيا، ولم يقتصر الأمر على المجتمع الدولي فحسب، حتى المنظمات والشركات هي الأخرى تكيل بمكيالين وتنافق بوجهين. شركة فيسبوك التي كانت وما تزال تفرض رقابة صارمة على المحتوى الفلسطيني المناصِر للمقاومة والمناهض لإسرائيل، سمحت بتداول محتوى يحرض على العنف ضد الروس ويدعو إلى موت بوتين، تمارس فيسبوك انحيازها للاحتلال الإسرائيلي بشكل صريح؛ إذ قامت بإغلاق مئات الحسابات وتعطيل عشرات الصفحات الناشطة في القضية الفلسطينية.

 السؤال ذاته طرحته النائبة البريطانية جولي إليوت في جلسة للبرلمان البريطاني إذ قالت إن “ما يحدث لأوكرانيا لا يختلف عما يحدث في فلسطين منذ عقود. وتساءلت: نحن نفرض الآن المزيد من العقوبات على روسيا، لكن الفلسطينيّين يسألون: لماذا لا نفعل شيئا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي؟”.

عشرات الشركات التقنية والمالية كسامسونع وآبل ونيتفلكس وغيرهم قاموا بتعطيل خدماتهم في روسيا أو بإيقاف تصدير منتجاتهم إليها في إطار حملة المقاطعة العالمية ضد الروس.
ببساطة، ما كان يطالب به الفلسطينيون على مدى السنوات السبعين الماضية نفذه الغرب خلال خمسة أيام في أوكرانيا، عقوبات ومقاطعات رياضية وثقافية وإغلاق للأجواء، ودعم عسكري واستخباراتي وتكنولوجي للجيش الأوكراني وفتح باب التطوع للتجنيد في الجيش الأوكراني، وبالمقابل، فإن أي طلب لفرض عقوبات على إسرائيل يبدو وكأنه نكتة فكاهية قديمة لم تعد تجدي نفعاً، غير أن أي مبادرة للضغط على إسرائيل تواجَه بالفيتو الأمريكي وفوبيا “معاداة السامية”.
وعن طبيعة النظام الغربي يقول أستاذ الدراسات الإسلامية حافظ الكرمي إن النظام الموجود في الغرب يقوم على الازدواجية بشكل أساسي، بمعنى أنَّه فيما يخص الشعوب والمجتمعات داخل هذه الأنظمة يحاول أن يتعامل معها وفق قيم الحرية والديمقراطية وما إلى ذلك، لكن علاقته بالآخر ليس لها علاقة بالأخلاق، إنما تقوم على المصالح فإذا كانت مصالحه تقوم على قتل هذه الشعوب في أفغانستان وفلسطين والعراق وفي أي مكان، فهو لا يتورَّع عن ذلك .
في مارس الماضي نشرت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية على صفحتها الرسمية في فيسبوك بياناً تدعو فيه الأجانب للتطوع للقتال بجانب الجيش الأوكراني، بعدها بثلاثة أيام صرح وزير الخارجية الأوكراني دميتروكوليبا أن عدد طلبات التطوع تجاوز العشرين ألفاً، وبيَّن أنهم استقبلوا حتى الآن مقاتلين من 52 دولة حول العالم، ليس ذلك فحسب، بل تم تدشين موقع رسمي على الإنترنت تحت مسمى ‘‘الفيلق الدولي للدفاع عن أوكرانيا” من خلاله يتقدم الراغبون بالتطوع للقتال بطلب الالتحاق بالفيلق، بينما يُفتح الباب على مصراعيه للمقاومة الأوكرانية وتقدَّم لها جميع التسهيلات لمواجهة الروس، تُحارَب المقاومة الفلسطينية وتُجفف منابع دعمها ويُضيَّق عليها وعلى كل من يتعامل معها دوليا ومحلياً، كل هذا ولا تزال حتى اليوم تحت حصار خانق منذ خمسة عشر عاماً ويتم تصنيفها “حركة إرهابية”.
الأكثر نفاقاً حين يتم منح لقب البطولة والشجاعة للمقاومة الأوكرانية بينما توسم في فلسطين بالإرهاب والإجرام.
بهذا الشكل نرى العالم أعور بعين واحدة تبعاً لساحة القتال وعرق ودين القاتل والمقتول.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!