-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
صيحة الشروق

نقد على “نكد”!

عمار يزلي
  • 524
  • 1
نقد على “نكد”!

الوقت الذي أضعناه في الضغينة والبغضاء والرد على الرد والتشبث بتقييم الذات دون أدنى مستوى من الموضوعية، هو ما جعل مجتمعنا الجديد، يجد نفسه في حالة من المتململ لم نعرف له سببا..! وإن كنا نعرف كل الأسباب! فالكل يتهم الكل، والكل يتبرأ من الكل! هذه الحالة التي سماها عالم الاجتماع “دوركهايم” بالأنوميا، أو فقدان القيم، هي التي نتخبط فيها اليوم على إثر التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتي شابها التوتر والعنف بكل مقاساته: المادية والمعنوية، وما الفضائح الأخلاقية في بعض البلديات مؤخرا وقضية البوشي.. ولواحقها، إلا نماذج من فساد “الفصاد”.. فساد الواجهة..
تغير سلم المعايير، هو ما جعل كل مواطن يشعر أنه ليس في مكانه، بل وأن الكل يبحث عن مكانة جديدة في المجتمع الجديد، ويقوم مقابل ذلك بكل الممارسات، لا وجود لمبرر: الغاية تبر الوسيلة، وأصبح كل مواطن “أميرا” ميكيافيليا، لا يبحث إلا عن الغاية بدون أي اكتراث بالوسيلة، ولا بالفضيلة! السياسة الرسمية المعلنة في محاربة الفساد، توضح أن البلد قد بدأ يعي خطورة ذلك على صعيد التنمية والحس الأخلاقي وضمير المواطنة الغائب ويعي دواعي العودة إلى المعايير التي أخلطتها حسابات بعض الحاسبين المحسوبين على حساب المصالح العليا للبلد! فمسألة الرشوة مثلا، لم تعد بالنسبة للحكومة أمرا يدفع بها إلى التعقد! ذلك أن المسؤولين الرسميين على مختلف درجات الهيكل السياسي، قد أفرغوا كل ما في جعبهم من تصريحات وقرارات من أجل القضاء على هذه الآفة! فهذه الآفة، لم تخلقها الدولة بقرار، وإنما هي مرض قد يصيب كل المجتمعات التي مرت بما مر به البلد! بل إن كثيرا من البلدان التي مرت بما مر به بلدنا، كان بالإمكان أن يعود “بلدا سابقا”! أي “لا بلد” أصلا! الفساد، مرده إلى النوازل التي أحلت بنا من جراء ما حدث لنا خلال أكثر من 20 سنة!: أزمة سياسية أوصلت البلد إلى حافة الانهيار، عنف وإرهاب دموي أعمى وشرس، ضغوط خارجية لإخضاع البلد إلى الإملاءات الخارجية، إلخ! وهنا لا يفوتني أن أنوه بكلمة قالها لي الزميل الصحفي الراحل “واسطي عبد الملك” عندما كان رئيسا لمكتب وكالة الأنباء الجزائرية في فرنسا أنه حضر مرة وهذا قبل 1988 بعام أو عامين لا أذكر التاريخ بالضبط.. لقاء لبعض رؤساء وسائل الإعلام الفرنسي مع الرئيس ميتران.. وكان معظم الحاضرين من “قدماء الأقدام السود”: فرد عليهم ميتران بهذه العبارة: “سوف أرد لكم الجزائر دون دفع ولا قرش!(. sans un sou !…)..”.
ما نعيشه اليوم، قد يكون مقدمة حقيقية لنهضة اقتصادية وعلمية وثقافية إذا توفرت الإرادة وعملت الإدارة.. وفهمنا أن النفط إلى زوال وأن التربح بالريح والريع، هو ما أفسد ويفسد الجهود والعمل والذوق والأخلاق. كما قد يكون مقدمة لزوال النعم وحلول النقم. علينا أن نفهم كشعب وكدولة أن مقاصد التغيير هي المساهمة فيما يجعل البلد منتجا ومستقلا ومنافسا لا مستهلكا، مستوردا!.. كما يراد أن نكون في خضم الهجمة الرأسمالية العالمية على هذا البلد الذي كان يحسب له ألف حساب وحساب منذ القديم، فما بالك باليوم! هذا البلد الذي “ركع له الجبابرة ساجدين” واليوم، وبعد أن كاد أن يخر من أنين النصال على الجسد الجريح، وبعد أن قام معافى وهزم الجرح الدامي الغائر في الجسد المثخن.. رغم الداء وكيد الأعداء، تأتيه العروض من صندوق كان “نكدا” على البلد يوم نكد “كمديسوس” الأكبر.. وتأتيه الغانيات الباحثات عن الأسواق والاندماج.. فلا يجد إلا مواقف صارمة ترد عليهم بأن جزائر 2020، ليست هي ما سميت بـ”جزائر العشرية”..! وأن زمن الضغط تحت كل الذرائع قد ولّى، وأنه قد حان الوقت لسماع صوتنا وفرض شروطنا! فالأزمة الاقتصادية هي أزمة المجتمع الاستهلاكي، ونحن لا نريد أن نكون إلا مجتمعا منتجا، غير مدجن ولا سوق خردة كما يراد لنا أن نكون!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عبدالقادر فيجل

    السلام عليكم و رحمة الله . عمي عمار انا قارئ ومتابع صغير لكتاباتك التي دائما ما كانت تعبر عن فكري وليس فقط رأيي عندما يعجز عقلي عن ايجاد كلمات معبرة عن تفكيري . ولطالما كانت هاته القضية التي طرحتها تشكل هاجسا نفسيا لي . درست تاريخ المنطقة حضاريا و نفسيا و اجتماعيا ولم اجد اي دليل عن هذا الفكر الدخيل عن مجتمعنا . فذهب تفكيري من أين تم استراده ومن هو المستورد ومن أي ميناء دخل .من ميناء الدين او الرياضة او التربية او الثقافة . وما زلت ابحث وفرحت جدا لطرحك الموضوع لأني احسست ان هناك مفكرين مازالوا يدمجون التاريخ الحضاري الاسلامي بالتقدم التكنولوجي .
    ابنك عبدالقادر من ولاية سعيدة