نكتة أمريكية وآذانٌ مغربية

تقول نكتة أمريكية شائعة، وهي من الواقع الذي صنعه رعاة البقر، منذ أن بلغوا القارة الجديدة وأسسوا فيها دولتهم، إن الأمريكي هو أقل الشعوب اكتسابا لجواز السفر، لأنه أصلا ليس في حاجة للسفر إلى الخارج، وليس في حاجة ليكون صادقا في كلامه وآرائه أمام الآخرين، لأنهم يصدِّقونه حتى لو عطس.
وبيّنت الأيام، منذ أن حكم دونالد ترامب الولايات المتحدة الأمريكية في عهدته الأولى، وفي الأشهر الأولى من عهدته الثانية، بأنه يقول أحيانا وينسى، ويصرّ أحيانا ويتراجع، ولا يقول أخرى وينفذ، وهو أبعد ما يكون من رجل القول المتبوع بالفعل، لكن مع ذلك فللرجل “مريدون”، لا إرادة لهم غير امتهان قراءة “أوراد” رجل، قالها ونسيها، أو لم يكن يعلم بأنه قالها.
هكذا فهم “المريدون” من أبناء المخزن عن شيخهم الثاني وربما الأول، دونالد ترامب، الذي رماهم بتغريدة ذات سنة 2020، فردّوا عليه بمنح أعشاش للطيور الصهيونية التي باضت وفرّخت في كل قرية ومدينة مغربية، ولم يكن شيخ أمريكا، يعلم بأن للتغريد العابر ثمنا غاليا جدا من المبادئ والقيم.
قد ينقلب إصرار المخزن على طلب تكرار تغريدة اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بحلمهم في “مغربية” الصحراء الغربية، رأسا على عقب، لأن الكثير من الأمريكيين، صاروا يرون تناقضات غريبة في الطرح والمبتغى المخزني؛ فإذا كانت هذه الصحراء مغربية تاريخيا كما يزعمون، فلماذا يُعطي لجمهورية هناك في الصحراء، حكما ذاتيا في قلب مملكة؟ وإذا كانت مِلكا لهم فعلا، فلماذا أصلا يتوسَّلون اعترافا بهذا الإلحاح من أمريكا وفرنسا وإسبانيا والكيان الصهيوني، وهو الإلحاح الذي صار يثير الشكوك، وأدخل الأمريكيين أنفسهم في نفق، اقتنعوا بأنهم لن يخرجوا منه إلا بإرضاء الطرفين، كما قالها مستشار الرئيس الأمريكي، الذي لم يكن يتصوّر قطّ أنه بالإمكان أن تحتل بلدا فكريا وروحيا، بتغريدة كتبها رئيسٌ بيد، ويده الأخرى كانت تحمل حقيبة مغادرة البيت الأبيض الأمريكي، وكررها الآن وهو في هوس ما يقول يوميا وينساه، وكان قد خلفه رئيسٌ طاعن في السن، لم يعلم حتى أين تقع بلاد مراكش ولا بلاد الصحراء الغربية.
يبلغ عمر الأزمة الصحراوية ما لا يقلّ عن نصف قرن من الصراع والسجال وصمت المجتمع الدولي، والتناقضات الصارخة في الطرح المغربي، من اقتسام الأرض مع موريتانيا إلى القبول بالاستفتاء، ووصولا إلى حلم الحكم الذاتي، ولم نسمع قطّ عن طرح يقول إن الأرض مغربية، يجب أن تعود من دون أي شروط لأهلها، من دون استشارة هذا أو رأي ذاك، نصف قرن لم يفعل فيها المخزن غير مسيرة مشيا على الأقدام، توقفت بجنوب المغرب على الحدود مع الصحراء الغربية، وتوسّلٍ لاعترافات وتغريدات، ورسم خرائط الحلم على مواقع التواصل الاجتماعي .. وفقط.
دعونا من النكت الأمريكية، لنعرّج إلى حكمة أمريكية تقول: “إنكار الخطأ يعني ارتكابه مرتين”، وما اقترفه الرئيس ترامب “تغريدا” ذات 2020 وتلميحا سنة 2025، هو ارتكابٌ آخر للخطأ.. ومصير الخطأ هو الهاوية في العرف الأمريكي.