-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هؤلاء هم الجزائريون كما عرفناهم!

هؤلاء هم الجزائريون كما عرفناهم!
أرشيف

في ثنايا كل محنة منحة، علمها الناس أم جهلوها، لذلك وجب النظر في محطات الابتلاء إلى الصورة المشرقة من الأزمات، عوض الأسْر لحال القلق والخوف من المصير، وأن نشعل شموع الأمل في المجتمع، بما يظهر أمامنا من دلائل الخير، والتكافل في الملمّات، بدل التقريع الجارح، وسبّ جميع الناس بجريرة بعض المخطئين.

ذلك ما يثبته الجزائريون اليوم وهم يواجهون بكل تلاحم وأخوّة وباء كورونا، إذ ظهروا على أصولهم التضامنية ومعدنهم الجامع، يقفون صفّا واحدا كالبنيان المرصوص لصدّ الفيروس المرعب، بعيدا عن الجهويات والعرقيات والاصطفافات التي زاغت بين قلوبهم بفعل السياسة الملعونة، وتلك عادتهم الوطنية عبر التاريخ القديم والحديث، إذا حزّ بهم أمرٌ جللٌ.

دعْك من أولئك المتمرِّدين على تدابير الحجر الصحي، وغير المبالين بسلامة أنفسهم وحياة مواطنيهم، فهم قلة لن تمنع البصير من رؤية الشمس في وضح النهار، وهي تشرق على الجزائريين بشآبيب الدفء والمودة والتكافل والتعاون، بعدما تداعى أبناء الوطن مثل الجسد الواحد بالرحمة والتعاطف مع إخوانهم المتضررين في مدينة الورود البليدة، وسواها من مناطق البلاد المعوزة.

لقد تساوى الخيّرون، فلا فرق بين رئيس ومرؤوس في الجزائر، حيث الكلّ ساع بالخير لنجدة المحتاجين؛ إذ تبرّع الرئيسُ والوزير والسفير وعضو البرلمان ورجل المال والموظف البسيط والتاجر والحرفيّ وسواهم من الفئات المهنية، وتجنَّد في الميدان المتطوعون الباذلون من أفراد وجمعيات، لإدخال البهجة على قلوب موجوعة، وشفاهٍ فقدت بسمة الفرح، في خضمّ الأهوال المحدِقة بالإنسانيّة.

 كم سعدنا حين سمعنا وزير الصحة وهو يسرد على الجزائريين، بالأرقام، تلك المعونات التي تكرّم بها إخوانٌ لنا في الدين والوطن، فذكر أن أحدهم اقتنى 500 جهاز إنعاش، ورياضي تبرع بـ40 مليون يورو لاقتناء الأجهزة الطبية، بينما وضعت عياداتٌ خاصة، ومثلها عشرة مخابر تشخيص، كل تجهيزاتها وطواقمها مجانا في خدمة الوزارة الوصيّة، وحتى  النظام المعلوماتي لمصالحها فهو مُهدى من شركة جزائرية خاصة…

بالموازاة مع تلك المساعدات النوعية، فقد أعلن ميسورون كثر عن تبرُّعاتٍ بالملايير عبر كافة الولايات، في وقت تتدافع قوافل الإغاثة الإنسانية المحمّلة بالخضر والفواكه والمواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، وهي تدخل يوميا بالعشرات إلى مدينة البليدة تحديدا، وإن كان لغيرها نصيبٌ وافر من هذا الإحسان المتدفق.

لا شك أن ما وقفنا عليه عبر المعاينة والإعلام والأصداء التي تردنا من كل ربوع البلاد هو عملٌ جبّار، يسدّ حاجة الفقراء ويكفيهم مهانة السؤال، وقبل ذلك يعمّق من روابط النسيج الاجتماعي، ويحفظ قيم التكافل الإسلامي والإنساني في المجتمع، لكن وجب التنبيه إلى ضرورة تثمين هذه المبادرات التي يأتي كثيرُها بصفة عفوية واستعجالية بالمرافقة والتنظيم.

لا يُعقل بأي حال أن تنقلب تلك الصورة الرائعة من التلاحم الجزائري إلى مواقف عكسية، بل مهازل جشعيّة، لا تعبِّر عن الروح الأصيلة لشعبنا المتعفف، بسبب الفوضى في الإدارة والتوزيع، إذ تتحول المبادرة المحمودة إلى واقعة مذمومة، وهنا يبرز دور السلطات المحلية بلجانها وأجهزتها الاجتماعية وشركائها الجمعويين في توصيل المعونات إلى مستحقيها في كنف العدالة والشفافية والكرامة، وقد أحسنت الوزارة الأولى صُنعا بتوجيه الولاة ورؤساء البلديات إلى مراعاة هذه المسألة الحساسة، ولكنّ حسن التنفيذ بحاجة إلى متابعة دقيقة.

ونودّ أن نلفت انتباه القائمين على تأطير العملية إلى ضرورة البحث عن العائلات التي تضررت فعلاً من تداعيات الحجر الصحي، بفعل البطالة الإجبارية، من ذوي العمل اليومي، بدل إحصاء المعوزين “التقليديين” المنتفعين في كل المواسم، لأن هؤلاء ليسوا أصلاً من ضحايا الأزمة الطارئة.

أكثر من ذلك، فإنّ هبَّة التضامن الواسعة بين الجزائريين بمناسبة وباء كورونا تفتح الباب، بعد جلاء الوباء والبلاء قريبا عن بلادنا، وسائر المعمورة للنقاش الجمعوي الصريح، حول إعادة الاعتبار لواقع العمل الخيري في بعض مجالاته التي صارت أقرب إلى التبذير أحيانا، منها إلى البذل المستحقّ، ولعلّ نماذج من مطاعم الرحمة الرمضانية مثالٌ واحد عن ذلك.

وإذ نؤكد على ما أسلفنا، فلمعرفتنا جميعا بطباع البشر، إذ يغتني المتسوّل منهم، وقد يُنسى الذين لا يسألون الناس إلحافا، حتى يظنهم الجاهلُ أغنياء من التعفف.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • بن مداني عبد الحكيم

    التضامن جزء من حركية المجتمع الجزائري وهو يسري في دمه والهواء الذي يتنفسه فقط العمل الخيري بشفافية و ادارة العمل التطوعي بتنظيم وعدم استغلال مرونة العمل التطوعي في التسيب والاهمال والتثبت فيمن يستحقه واعتماد قواعد بيانات مدروسة لتحقيق جودة تضامنية

  • ابن الجبل

    لا تتعجب يا أخي هذه صفة الجزائريين ،أينما كانوا وحيثما وجدوا ،كلهم ارادة وعزم ، وارادة فولاذية ،مقداما شجاعا ،مبادرا الى الخيرات ...! .لكن أحيانا هذه المبادرات تقابل بالازدراء ، وأحانا أخرى تقابل بالرفض ،من قبل أشباه المسؤولين ...! ، قال أحد السياسيين الألمان : لواجتمعت التقنية الألمانية والشخصية الجزائرية لحكمت العالم ... لكن هنا ، عندنا تتحطم المبادرات ،وتتقزم المبتكرات ،وتهمل الكفاءات .فاين نحن من الحضارة الانسانية ؟!.