-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هبل الجهل ونوبل العلم

محمد بوالروايح
  • 2605
  • 7
هبل الجهل ونوبل العلم

التضاد لازمة من لوازم الطبيعة الكونية، فلولا التضاد لما استطعنا معرفة حقائق الأشياء وتمييز بعضها من بعض، فقد قيل: “وبضدها تتميز الأشياء”. والتضاد أيضا لازمة من لوازم الطبيعة البشرية التي تتجمل بالعلم فترقى إلى عليين أو تتلوث بالجهل فتهوي إلى سجين. تتزاحم في راهننا الفكري متضاداتٌ كثيرة تبين عن معدن كل واحد منا، فمنا العليم الحليم، ومنا الجاهل السفيه، ومنا العابد الساجد، ومنا الشارد المارد.
هذه المقدمة تقودنا إلى تقرير حقيقة وهي أن نوازع النفس البشرية هي التي تصنع التضاد في حياتنا وبين ذواتنا، التضاد الذي تظهر آثاره من خلال ثنائية العلم والجهل.
لقد بدأت قصة العلم والجهل مع بدايات الوجود الإنساني التي يلخصها قوله تعالى: “وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم”. جاء آدم إلى الحياة على ختم الله لا يعلم شيئا ثم علمه الله سبحانه وتعالى الأسماء وفقه الأشياء فأزال هذا العلم كثيرا من أدران الجهل التي استقرت في كيانه.
لم يتحرر العنصر البشري من الجهل تحررا كاملا فقد استنسخ هذا الجهل عبر التاريخ في صور كثيرة بشرية وحجرية لعل أقربها زمنيا صورة “هبل” الذي افتتن به كثير من الجاهلين الذين عطلوا عقولهم وعقلوا أفكارهم ورضوا بأن يكونوا عُبَّادا لصنم أصم صنعوه بأيديهم. انتهى “هبل” وانقضى زمن “هبل” ولكن أنجاسه وأرجاسه لا تزال مستمرة، ولا أدلَّ على ذلك من مظاهر اغتيال العقل التي جعلت بعض البشر المعاصرين يحنُّون إلى هبل وزمن هبل من خلال الاصطفاف في صفِّ المعادين للدين والكافرين بمالك يوم الدين وبيوم الدين.
لا تزال أنجاس وأرجاس “هبل” مستمرة في زماننا الذي صار في كثير من أجزائه أشبه ما يكون بزمن “هبل” ولو أن صورة “هبل” قد اختفت وأكل عليها الدهر وشرب، لا يزال ظل “هبل” وضلال “هبل” مستمرا في العالم الرقمي الذي لا يميزه عن العالم الجاهلي إلا نقرة الحاسوب ومسحة التطور التي طرأت على الحياة الإنسانية فنقلت الإنسان من طور البداوة إلى طور الحضارة.
لا تزال أنجاس وأرجاس “هبل” مستمرة في زماننا في صورة الصراع البيني الذي لا يختلف كثيرا عن الصراع القبَلي، الصراع البيني الذي يرفع فيه المتخاصمون والمتشاكسون شعارات شتى تعرف منها وتنكر توحي إليك بأن قطعة من زمن “هبل” قد رحلت إلى هذا الزمن.
لا تزال أنجاس وأرجاس “هبل” مستمرة في زماننا في صورة الكفريات والبدعيات والشركيات التي يستخف أهلها بعقيدة التوحيد وينظرون إلى الموحِّدين على أنهم مرضى التوحد لأنهم يرفضون الاندماج في المجتمع المتفتح- عفوا المتفسخ- ويسبحون ضد التيار ويجتنبون الرجس من الأوثان والأفكار.
لا تزال أنجاس وأرجاس “هبل” مستمرة في زماننا في صورة دعاة على أبواب جهنم يتنادون: “انصروا أفكاركم” مع أنها سخافة لا تُقبل وقذارة لا تُحتمل، تماما مثلما تنادى الجاهليون قبل قرون: “اعل هبل”، فما أشبه هذا العصر الرقمي بذلك العصر القبَلي، بل ما أشبه إنسان هذا العصر حينما يشذ عن الفطرة وتستبد به الفكرة ويكبر في نفسه حب القبيلة والعشيرة ويصغر في نفسه حب الوطن بإنسان العصر الجاهلي.
لا تزال أنجاس وأرجاس “هبل” مستمرة في زماننا في صورة الصنميين الجدد الذين استبدلوا الصنمية المادية بالصنمية الفكرية فتجدد فيهم ظِل “هبل” وضَلال “هبل”، وأصبح الواحد منهم أشبه في كراهيته للحق وتعصبه للباطل بأبي لهب وأمية بن خلف.
إن أنجاس وأرجاس “هبل” لن تزيلها إلا أنوارُ العلم التي ينبغي أن تشعَّ في كل جزء من هذا العالم الذي لا قيمة له إلا بالعلم وبخاصة بعد أن عملت فيه معاول الهدم عملها على أيدي من يعادون الأفكار ويسبحون ضد التيار ويفضلون العيش بلا علم وبلا قيم وبلا ذمم!
إن تمجيدنا العلمَ نحن المسلمين نابعٌ من تعاليم ديننا الحنيف الذي يقرن الإيمان بالعلم، فيقول الله سبحانه وتعالى: “يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات”. إن أهمَّ ما يلفت النظر في هذه الآية الكريمة هو الحديث عن درجات العلم أو ما نصطلح على تسميته بـ”التراتبية العلمية” التي تجعل بعضنا أعلم من بعض “وفوق كل ذي علم عليم”.
لقد وجد العلم ليكون خادما للإنسان لا هادما لكيانه، وفي هذا الإطار فإننا نثمِّن كل إرادة ومبادرة تنمي هذه القيمة وتجعلها معيارا للتفاضل بين الأمم والشعوب، ومن ذلك ما قام به العالم السويدي “ألفرد نوبل” الذي تحمل جائزة نوبل اسمه وهي أكبر جائزة علمية عالمية. لا يهمني ما يقال بشأن حالات التمييز والتحيز والمعاملة غير المتكافئة في منح هذه الجائزة أو حجبها عن آخرين، لأنني أعلم أن هذا التصرف- على افتراض صحته- هو بيقين من ابتداع هيئات أو جهات وليس من أخلاق وتوصيات “ألفرد نوبل” الذي حرص على أن تكون جائزة نوبل مظهرا من مظاهر تثمين الجهد العلمي البشري بعيدا عن أيِّ حسابات أخرى، دينية أو عرقية أو إيديولوجية.
ما يؤكد الطابع العلمي لجائزة نوبل هو حصول بعض العرب والمسلمين عليها من أمثال الروائي المصري نجيب محفوظ والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات التي أفسدها لكونها جاءت مناصفة مع “شيمون بيريز” و”إسحاق رابين” والعالم الفلكي “محمد البرادعي”، والرباعي الراعي للحوار الوطني التونسي، والكيميائي المصري “أحمد زويل”. وأما جزائريا، فقد كان فخامة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قاب قوسين أو أدنى من التتويج بجائزة نوبل للسلام بعد تأسيسه لميثاق السلم والمصالحة الوطنية، أقول هذا حقيقة لا مجاملة لأننا تعلَّمنا أن نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت، لا حرصا على مناصب ومكاسب ولا طمعا في غنائم العهدة الخامسة.
للعرب والمسلمين إذن نصيبهم ولو بقدر محدود من جوائز نوبل، وهذا يدل على أن الإبداع ليس غربيا ولا أمريكيا صرفا وإنما هو إبداعٌ عالمي، وأن العقل العربي والإسلامي عقلٌ مبدع إذا توفرت له الإمكانات وأحسن ولاة الأمور الاستثمار فيه بالقدر الذي يمكِّنه من الانطلاق والانعتاق.
علق الباحث اليمني “صالح محمد العوذلي” على مقالي: “جائزة نوبل.. حلم وعصارة علم” تعليقاً في بوابة الشروق الإلكترونية شدّ انتباهي وأثلج صدري، وخاصة حينما يقول إنه أحد المتوجين بجائزة نوبل في الطب وإنه فخور بافتكاك هذه الجائزة العالمية التي يعدّها مكسبا ومفخرة للأمة العربية والإسلامية جمعاء، أتمنى أن يحذو الباحثون العرب حذوه لدخول ميدان المنافسة على هذه الجائزة، فأرجاس وأنجاس “هبل” لا تمحوها إلا مثل هذه الجوائز لما تحمله من رمزية علمية كبيرة.

للعرب والمسلمين إذن نصيبهم ولو بقدر محدود من جوائز نوبل، وهذا يدل على أن الإبداع ليس غربيا ولا أمريكيا صرفا وإنما هو إبداعٌ عالمي، وأن العقل العربي والإسلامي عقلٌ مبدع إذا توفرت له الإمكانات وأحسن ولاة الأمور الاستثمار فيه بالقدر الذي يمكِّنه من الانطلاق والانعتاق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • البروفيسور محمد بوالروايح

    Indeed , as brother Mohamed from England said ,Saleh Mohamed Awdaly is by no means a laureate of Nobel Prize in Medicne. Although, I have quoted his own words, i deebly apologize for the information.
    "علق الباحث اليمني “صالح محمد العوذلي” على مقالي: “جائزة نوبل.. حلم وعصارة علم” تعليقاً في بوابة الشروق الإلكترونية شدّ انتباهي وأثلج صدري، وخاصة حينما يقول إنه أحد المتوجين بجائزة نوبل في الطب وإنه فخور بافتكاك هذه الجائزة العالمية التي يعدّها مكسبا ومفخرة للأمة العربية والإسلامية جمعاء".

  • نبيل الشتي

    تتكلم عن العلم و الجهل، و مع الأسف لم تكلف نفسك عناء البحث و التأكد مما إذا كان هذا محمد صالح العوذلي حاصل على جائزة نوبل أم لا... حقا يلزمنا زمن طويل...

  • Mohamed

    Dear Prof. Bourouyah,
    How you could trust this guy?? you have to be check first that he is tellin the truth. Please look at the list of the Nobel Laureates in Medecine from 1901 to 2017. I can't see any winner with such nam

    All the best.???

  • جزائري و أفتخر

    Mr.Prof. Bourouyah
    I guess Mohamed from england is right, because showing us the comment written by the " Mohammed Awdaly" doesn't suffice, you have to check the infos by yourself before quoting them, and withing the internet , this task would take only a few minutes.
    best

  • محمد بوالروايح

    Saleh Mohammed Awdaly
    12 أوت 2018 / 21:49
    Really I am wining the Nobel prize in Medicine , and I am proud to be one of the Nobel community ,and one of the inspired person to the people of all the world
    Saleh Awdaly
    Nobel laureate in medicine

  • Mohamed

    Dear Prof. Bourouyah,
    are you sure that M. Saleh Mohammed Awdaly is a laureate of Nobel price in Medecine???I have checked the whole list and did not find any one with that name. I hope that you have to check your information before writing it a respectful journal as Echorouk.
    with my best regards,
    Mohamed, England

  • كسيلة

    أرى وبكثير من التشاؤم ، بأن لا أمل في المستقبل المنظور بأن يحصل عرب أو مسلمون على نوبل في العلوم تحديدا.. !! السبب الجوهري هو في نظام التعليم العربي الذي لا يُمكن أن يُنتج حاصلين على نوبل، لأنه جهاز عقيم تقتل كل نزعة للتفكير عند طلابها.