-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
وزير التجارة الأسبق مصطفى بن بادة لـ"الشروق":

هذه أوراق الجزائر في تعديل الشراكة الأوروبيّة

إيمان كيموش
  • 6339
  • 0
هذه أوراق الجزائر في تعديل الشراكة الأوروبيّة
ح.م

متغيرات دولية هامة تصبّ في مصلحة بلادنا ولكن فرنسا قد تمارس التشويش
عودة الدفء للعلاقات مع إسبانيا اعتراف بمكانة الجزائر كشريك استراتيجي
الإجراءات الحمائية ونظام الحصص والمقاييس تفرض نفسها على المفاوضات

تسير الجزائر بثبات نحو إعادة صياغة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، مستفيدة من متغيرات دولية تصبّ في مصلحتها، وعلى رأسها ورقة الطاقة التي عززت مكانتها كمورّد أساسي للقارة الأوروبية في السنوات الأخيرة، إلى جانب التهديدات الأمريكية بفرض رسوم جديدة ضدّ أوروبا، والتي تدفع هذه الأخيرة لإعادة ترتيب حساباتها التجارية.
ويأتي ذلك في وقت تُراقب فرنسا بحذر التحركات الجزائرية، مدركةً أن أي تعديل على الاتفاق قد يفقدها امتيازات اقتصادية واستراتيجية ظلت تستغلها لعقود، في حين تدرك إسبانيا وإيطاليا وألمانيا أن الجزائر لم تعد مجرد سوق استهلاكية، بل تستعدّ لتكون قوة اقتصادية ناشئة بالمنطقة تمتلك أوراقا رابحة، ما دفعها إلى تبني مواقف أكثر مرونة وانفتاحا على التعاون المتكافئ.
وفي هذا السياق، يقول وزير التجارة الأسبق مصطفى بن بادة، في تصريح لـ”الشروق”، إن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي كان تتويجًا لمسار سياسي سُمّي آنذاك بـ”مسار برشلونة 1995″، والذي كان يهدف إلى تعزيز التعاون بين ضفتي المتوسط، أي بين الاتحاد الأوروبي وشمال إفريقيا ودول الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط.
وقد كانت الجزائر حينها في أمسّ الحاجة إلى هذا الاتفاق، بالنظر إلى الظروف الأمنية والسياسية التي كانت تمر بها خلال العشرية السوداء، فاعتبر القائمون على الشأن السياسي في الجزائر أنه فرصة كبيرة لفكّ الحصار عن البلاد والخروج من العزلة السياسية، عبر الارتباط باتفاق سياسي واقتصادي مع مجموعة اقتصادية كبيرة مثل الاتحاد الأوروبي.

وزارة التجارة أبلغت السلطات في بداية الاتفاق بالاختلالات
ويضيف بن بادة: “في اعتقادي، لم تُعطَ الأهمية الكبرى للجوانب الاقتصادية آنذاك، حيث ركّز الطرف الجزائري على الجانب السياسي الذي كان يتيح له الخروج من العزلة، إلا أنه بعد توقيع الاتفاق سنة 2002 وانطلاقه فعليًا في الميدان سنة 2005، بدأت تظهر بشكل جليّ بعض الاختلالات التي تم اكتشافها بسرعة، فقد كان الفريق الجزائري المفاوض يفتقر إلى الخبرة الكافية التي تمكنه من الانتباه إلى هذه الثغرات، في مواجهة فريق تفاوض أوروبي محنّك له تجربة كبيرة، إذ سبق له أن فاوض دولًا أخرى ضمن هذا المسار”.
ويشدّد وزير التجارة الأسبق على أن هذه الاختلالات تم اكتشافها مبكرًا، مضيفًا: “سنحت لي فرصة تقلد وزارة التجارة، وتزامن ذلك مع حلول أجل التفكيك الكلي للتعريفات الجمركية والدخول في الشق الاقتصادي لمنطقة التبادل الحر بالكامل سنة 2012. آنذاك، عملنا على تنبيه السلطات الجزائرية لمخاطر هذا التفكيك سنة 2011، لاسيما وزارة الخارجية، وطلبنا مراجعة رزنامة التفكيك، حيث أبلغناهم بأن المؤسسات الجزائرية غير قادرة على منافسة المنتجات الأوروبية الشرسة، وطالبنا بتمديد هذه الفترة”.
وأدت تلك التحركات إلى مفاوضات سريعة أسفرت عن تأجيل التفكيك النهائي من سنة 2012 إلى عام 2017، ورغم ذلك، ونظرًا للاختلالات الكثيرة، كان التفوق الأوروبي واضحًا في تدفّق السلع المختلفة إلى السوق الجزائرية، ما أدى إلى خسارة الجزائر مبالغ كبيرة، نتيجة لذلك، بدأت السلطات الجزائرية تفكر في إعادة طرح هذا الملف من جديد أمام الاتحاد الأوروبي لاسترجاع السيادة الاقتصادية على الاقتصاد الوطني، وأيضًا لاستعادة بعض الحقوق التي كانت تُهدر في الاتفاق المبرم بين الطرفين.
ويؤكد بن بادة أن الجزائر عبّرت بشكل مباشر، عبر تصريح لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في مستهلّ عهدته الأولى، عن نيتها مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، نظرًا للاختلال في التوازن بين المصالح الجزائرية وهذه المجموعة الاقتصادية، ويوضح أن القانون يمنح الجزائر هذا الحق من الناحية الإجرائية والقانونية، وهو ما تنص عليه بنود الاتفاق.

هذه المسائل لا تخدم الاقتصاد الوطني في اتفاق الشراكة الأوروبية
ويخوض بن بادة في تفاصيل اتفاق الشراكة بشكل أعمق، مؤكدًا أن من بين الاختلالات التي ظهرت للطرف الجزائري، تقييد بنود الاتفاق لاستخدام الإجراءات الحمائية. فقد حاولت الجزائر في السنوات الأولى من الاتفاق تفعيل هذه الإجراءات للدفاع عن اقتصادها، إلا أن الاتحاد الأوروبي وقف في وجه ذلك، مستغلًا آليات تقنية تقيّد استعمال هذا الحق، مثل نظام الحصص، ويضيف: “الاتحاد الأوروبي منعنا من استخدام حقوقنا حتى عبر الآليات القانونية، لذلك كان لا بدّ من المراجعة”.
كما أن توسيع الاتحاد الأوروبي وانضمام أعضاء جدد كانت له آثار سلبية على الجزائر، حيث يوضح بن بادة أنه عند بداية الاتفاق كان الاتحاد يضم 15 دولة، إلا أن العدد ارتفع بـ10 دول سنة 2004، بانضمام أعضاء جدد من أوروبا الشرقية ودول الشمال، مثل قبرص ومالطا، ثم انضمت كرواتيا سنة 2013، لتجد الجزائر نفسها مضطرة للتعامل مع اتفاق يشمل هذه الدول أيضًا.
ويشير بن بادة إلى أن أوروبا لم تلتزم بمرافقة الاقتصاد الجزائري لتأهيل مؤسساته ودعمها تقنيًا، حيث كانت البرامج المطروحة طيلة الفترة الماضية ضعيفة وقصيرة المدى، كما لم تتجسد التزامات الاستثمار، خصوصًا في مجال البنى التحتية، وهذا يتنافى مع اتفاق الشراكة، الذي لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية كالتجارة والزراعة والاستثمار فقط، بل يشمل أيضًا التعاون الثقافي والسياسي، إضافة إلى جوانب متعلقة بالإصلاحات الإدارية والأمنية.
ويرى بن بادة أن أوروبا كانت تهدف بالأساس إلى دخول منطقة التبادل الحر لتمرير سلعها إلى سوق كبيرة كالجزائر دون تعريفات جمركية.

الصادرات الجزائرية واجهت عراقيل في الدخول إلى أوروبا
في المقابل، يشدد المتحدث على أن المؤسسات الجزائرية بدأت منذ 10 إلى 15 سنة في تعزيز قدراتها الإنتاجية، وأظهر الاقتصاد الجزائري بعض التنوع، إلا أن الصادرات الجزائرية واجهت عراقيل لدخول السوق الأوروبية، وكانت هناك عدة أمثلة على ذلك، آخرها منتج “مرجان”، الذي تعرض لعراقيل تقنية مرتبطة بالبيئة.
ويرى الوزير الأسبق أن الجزائر اليوم تطمح لأن تكون دولة ناشئة، وهو ما تدركه أوروبا، التي تشعر بأن الاقتصاد الجزائري بدأ يحرجها ويأخذ مساحات من أسواقها، ولذلك فإنها ترى أن المراجعة لا تخدمهاـ لكن إصرار الجزائر على سيادتها الاقتصادية جعلها تصرّ على التعديل، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى قبول هذه المراجعة مؤخرًا، ويشير إلى أن الجزائر تمتلك أوراقًا قوية، أبرزها ورقة الطاقة، في ظل الضغوط الأمريكية والأزمة الروسية الأوكرانية، إضافة إلى المنتجات التصديرية.

مطبّات قد تعترض مراجعة الشراكة.. والجزائر في موقف قوّة
ويؤكد بن بادة أن ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا أدركت مبكرًا مكانة الجزائر ووزنها، وهو ما تعكسه عودة العلاقات الجزائرية الإسبانية مؤخرًا، إذ تدرك المملكة الإسبانية أهمية الجزائر كفاعل جيوستراتيجي، ولا ترغب في فقدان شريك حيوي مثلها، ويضيف أن الجزائر اليوم في وضع مريح، لكن نجاح المفاوضات المقبلة يبقى مرتبطًا بقوة الفريق الجزائري المفاوض وحنكته.
كما يحذّر بن بادة مما وصفه بـ”بعض المطبات” التي قد تعرقل تعديل الاتفاق، وعلى رأسها التشويش الفرنسي، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن وزن ألمانيا كعنصر قوي داخل الاتحاد الأوروبي سيمكن الجزائر من تجاوز هذه العقبات، إلى جانب علاقاتها الجيدة مع إسبانيا وإيطاليا.
ويقترح بن بادة أن تشمل مراجعة الاتفاق تحقيق التوازن في استخدام نظام الحصص، حيث تكون الحصص التي تمنحها الجزائر للاتحاد الأوروبي مماثلة لتلك التي يمنحها الاتحاد للجزائر، سواء كانت حصصًا قيمية أو كمية أو حتى نقدية، في المجال الزراعي والصناعي والمنتجات الأخرى.
كما يدعو إلى مراجعة التقييدات المتعلقة بالإجراءات الحمائية ونظام المقاييس، الذي يتلاعب به الاتحاد الأوروبي، حيث يصدر في كل مرة نظام قياس جديد لمنع ولوج المنتجات الجزائرية إلى السوق الأوروبية، ليس فقط في المجال الصناعي، وإنما أيضًا في الجوانب التقنية والصحية والبيئية والصحة الحيوانية، ويرى أنه قد حان الوقت لتفعيل الجزائر أيضًا نظامها التقييسي وفرضه على الاتحاد الأوروبي.
ويؤكد بن بادة ضرورة منح الجزائر آجالًا أطول لتحضير مؤسساتها لمرحلة التفكيك الجمركي الكامل، بحيث لا يتم ذلك إلا عندما تصبح المنتجات الجزائرية قادرة على المنافسة، مع وضع نظام جمركي يعادل “صفر رسوم” على المواد الأولية غير المصنعة محليًا، وتأخير قدر الإمكان التفكيك الجمركي للمواد نصف المصنعة والمصنعة بالكامل المنتجة في الجزائر، أو تقييدها وفق نظام حصص دقيق يحمي المؤسسات الاقتصادية الوطنية.
وفي مجال الطاقة المتجددة، يشير بن بادة إلى أن أوروبا، لاسيما ألمانيا، تمتلك قدرات كبيرة، وأن هذا الاهتمام يجب أن يتحول إلى مشاريع حقيقية، مثل صفقات الهيدروجين الأخضر والطاقات النظيفة، التي تعزز مكانة الجزائر إقليميًا وعالميًا في قطاع الطاقة.
وختم بن بادة حديثه بالقول إن التجربة الأولى لمفاوضات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي كانت مفيدة، إذ قدمت للجزائر دروسًا قيّمة، أما اليوم، فهي لم تعد في موقف ضعف يمنح تنازلات، وإنما أصبحت في موقع قوة يسمح لها بفرض شروطها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!